المولودية الوجدية

ويسألونك عن العطلة الصيفية!

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

اسماعيل الحلوتي
من البديهي أن الإنسان كيفما كانت طبيعة عمله أو نشاطه المهني أو الدراسي، سواء كان يمارس عمله في القطاع العام أو الخاص أو مازال يتابع دراسته في أحد أسلاك التعليم، هو بالتأكيد في حاجة ماسة إلى جانب العطل الرسمية الأسبوعية وعطل الأعياد إلى عطلة صيفية أو سنوية، باعتبارها فترة راحة ذات فوائد مهمة على صحته البدنية والنفسية. وهي كذلك فرصة ذهبية للاستمتاع بقسط من الراحة والتخلص من كل أسباب القلق والتوتر، بعيدا عن صخب العمل أو الدراسة، إذ أنها تساعد في الاسترخاء والهدوء وتحقيق حالة من الشعور بالانشراح والارتياح، فضلا عما توفره من ظروف ملائمة لضمان انطلاقة جديدة بهمة وحيوية كبيرتين بعد نهايتها…
وبما أن الإنسان متعلما كان أو عاملا ليس بآلة مهما كانت لياقته البدنية قوية، ولا يستطيع مواصلة عمله دون توقف للاستراحة والتقاط أنفاسه وتجديد نشاطه ورفع معنوياته لاستقبال السنة الموالية بعزيمة قوية، كان لا بد من تدخل القوانين والتشريعات المقارنة من أجل تنظيم المواسم الدراسية والجامعية ومدة شغل الأجراء، من أجل منحهم فترة للراحة من خلال العطل الأسبوعية أو رخص التغيب أو العطل السنوية المؤدى عنها وفق ما تنص عليه القوانين المعمول بها.
فمن الناحية الاجتماعية لا يمكن لا للتلميذ والطالب ولا للأجير وغيره من الأشخاص النشطين الاستمرار في ممارسة أعمالهم طوال السنة بلا توقف، لما يتسبب لهم ذلك من إرهاق بدني ونفسي وتوتر وملل، مما يتحتم معه استفادته ليس فقط من العطلة الأسبوعية، بل كذلك من عطلة صيفية أو سنوية، حتى يتفرغ لعائلته والتزاماته الشخصية. ومن الناحية الاقتصادية، تسمح هذه العطلة باستغلال أوقاتها بما يعود عليه النفع، وينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني على مستوى السياحة الداخلية.
من هنا يتضح جيد بأن العطلة الصيفية تشكل متنفسا لتحقيق رغبات المستفيد منها على عدة أصعدة، لما تمنحه له من فترة توقف كافية للاستجمام والقيام بالأنشطة التي من شأنها الترويح عن النفس بارتياح كبير. وهي كذلك مناسبة تجعله يعود إلى نشاطه المهني أو الدراسي بحماس منقطع النظير وطاقة عالية، تساهم في الرفع من مردوديته خلال مزاولة نشاطه. ولاسيما أن علم النفس يؤكد على ضرورة الحرص على الاستثمار الجيد للعطلة الصيفية، لما لها من آثار طيبة على المستفيد منها وكل من هم حوله.
وفي المقابل تشير الدراسات إلى أن عدم استغلال العطلة الصيفة في الاتجاه الصحيح، يؤدي حتما إلى الإصابة بخيبة الأمل والإحباط والاضطراب النفسي، وهو ما قد يؤثر سلبا على تطور شخصية الأطفال ويحد من طموحات الكبار وانطفاء جذوة الحماس بداخلهم. لذلك نجد الكثير من التلاميذ والأجراء، الذين لظروف ما لا يستفيدون من عطلتهم الصيفية، يعانون كثيرا من الانكسار والخمول عند استئنافهم نشاطاتهم، لأنهم لم يتمكنوا من تفريغ طاقاتهم السلبية بصورة صحيحة، واكتفوا فقط بقضاء أوقاتهم في السهر خلف شاشات هواتفهم الذكية، مما يؤدي بهم إلى الإجهاد الفكري والجسدي ومن ثم إلى حالة الاكتئاب.
فإلى أي حد يستطع المغاربة الاستفادة من عطلتهم الصيفية وحسن استثمارها في الاتجاه الصحيح؟ إنه من الصعب الجواب على مثل هكذا أسئلة استنكارية في ظل تردي الظروف المعيشية للمواطنين، خاصة وأننا نعلم جيدا بأن معظم الأسر المغربية بالكاد تستطيع توفير قوتها اليومي، حيث غالبا ما لا تسعفها الأجرة الشهرية في الاذخار، بل وحتى إكمال أيام الشهر دون اللجوء إلى الاستدانة من الأصدقاء، كما هو حال عديد من الموظفين والمستخدمين في القطاعين العام والخاص، مما يتعذر معه التفكير في السفر وقضاء عطلتهم الصيفية خارج بيوتهم في مدنهم الأصلية.
إذ أنه فضلا عن مسلسل غلاء الأسعار المتواصل منذ قدوم التحالف الحكومي الثلاثي بقيادة أخنوش، وما تعرفه غالبية الأسر المغربية من ضيق ذات اليد وتدني مستوى القدرة الشرائية، اضطر البعض منها إلى الاقتراض لاقتناء أضحية العيد، فيما لم يجد البعض الآخر من وسيلة لإحياء هذه الشعيرة الدينية أمام الارتفاع الرهيب للأسعار عدا تركها مرغما والاكتفاء بشراء القليل من اللحوم. فكيف إذن لمثل هؤلاء المستضعفين التفكير في العطلة الصيفية، إذا كان بالهم منشغلا فقط بالبحث عن السبل الكفيلة بتوفير مصاريف الدخول المدرسي المقبل لأبنائهم، الذي بات موعد حلوله وشيكا؟
إنه بالرغم مما تدعيه الحكومة من قيامها بإجراءات غير مسبوقة، حفاظا على القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة وتحسين ظروف عيشها، من خلال الزيادة في أجور الموظفين والمستخدمين في القطاعين العام والخاص، ودعم اجتماعي مباشر وتعميم التغطية الصحية وغيرها، فإننا لا نجد من عنوان مناسب للمرحلة التي يمر منها المغاربة في السنوات الأخيرة أفضل من “الحرمان” في أبهى تجلياته، بعدما أصبحوا مكرهين على التعامل مع العديد من متطلبات العيش بمنطق “كم حاجة قضيناها بتركها”، إذ كيف لمن صار اليوم عاجزا عن اقتناء القليل من الفواكه واللحوم والأسماك، أن يفكر في مراكز الاصطياف والسفر خارج مدينته الأصلية؟

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock