مغاربة العالم: نجاح النموذج التنموي الجديد مرهون بتغييرالعقليات وتجاوزالاكراهات .
بقـلم لحسن بنمريت عزاوي – هولندا
بدون شك ، أن التقريرالمتعلق بالنموذج التنموي الجديد الذي قدمته اللجنة المكلفة برئاسة السيد شكيب بنموسى بين يدي صاحب الجلالة ، يعد حدثا هاما ويدخل في اطار المشاريع والأوراش الكبرى التي تحققت على يد صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله .وهذا التصورالجديد يعد خارطة طريق من أجل النهوض بالبلد في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.ويضمن العيش الكريم للمواطن المغربي ويحقق العدالة الاجتماعية .هذه بعض الملامح أوالخطوط التي تضمنها التقرير.لكن أغلب المغاربة ومن بينهم الخبراء والاقتصاديون والمثقفون يطرحون سؤالا بديهيا يتعلق بكيفية اخراج هذه التوصيات من الأدبيات وانزالها الى أرض الواقع. لأن المواطن يريد أن يرى تغييرا ملموسا أي أفعالا وليس أقوالا . المغاربة على مختلف درجاتهم يريدون مغربا يضمن تعليما ناجحا لأطفالهم، وسوقا للشغل لعشرات اللآف من الخريجين. كما ينتظرون رعاية صحية في المستوى ،ومستشفيات مجهزة تستقبل المرضى في ظروف مقبولة.المواطن المغربي ينتظر تحسين القضاء واصلاح الادارة ومحاربة الفساد والزبونية الى غير ذلك من المطالب المشروعة والتي تدخل في حقوق المواطنة الكاملة.
على كل حال ونحن نستبشر خيرا، كان لابد أن نتساءل عن أسباب نجاح هذا النموذج التنموي، وهل أن جميع شروط النجاح متوفرة ؟ أم أن هناك اكراهات تعرقل تحقيق ذلك ؟ في اعتقادنا ، أن المسالة تتعلق بمشاريع كبرى وتحقيقها ليس بالأمرالهين، وتكلفتها ستكون باهضة.وهنا يطرح مشكل التدبير المالي . صراحة لا نعرف بالضبط من أين سيوفـرالمغرب كل هذه الأموال لانجازهذه المشاريع المنتظرة، وصولا الى بلوغ الأهداف سنة 2035 .اذا نظرنا الى الموارد في المغرب ، فمداخيل
الفوسفاط التي يعول عليها المغرب تعرف مشاكل عديدة ومن بينها العراقيل التي تضعها بعض الدول المستوردة، والتي تستهدف المغرب كبلد. ومن بين هذه الدول، هناك أمريكا التي تسعى الى فرض رسوم جمركية على الأسمدة المغربية ،والتي ربما تصل الى 19,95 في المائة.مما يؤثر ذلك على مداخيل الدولة من العملة الصعبة .
مداخيل القطاع السياحي ورغم أهميتها ،لايعول عليها كثيرا لأنها تتغيرحسب الأحداث والظروف . وجائحة كورونا أكبردليل على ما نقول حيث تأثرهذا القطاع بشكل تام وأصبحت الدولة هي التي تتكفل بأجورالعاملين. مداخيل الفلاحة هي الأخرى، ليست قارة وتتأثربعوامل المناخ ،علما أن بلدنا معرض للجفاف بحكم موقعه الجغرافي وبسبب التغييرات المناخية.الاعتماد على مساعدات بعض الدول العربية للمملكة المغربية أصبح في خبركان. أولا، لآن بعض الدول الخليجية غيرت بوصلتها نحو اسرائيل وأمريكا حبث ابتلعت هاتان الدولتان ما يفوق على 600 مليار دولار فقط في السنوات الخمسة الأخيرة ،اما عن طريق الابتزاز واستعمال اسلوب التخويف والتهديد كما فعل الرئيس ترومب ،أوعن طريق ما يروج له من أسطوانة التعايش والتسامح وازدهارالمنطقة، كما يزعم أبناء عمومتنا الجدد والذين حصلوا بدورهم على ملاييرالدولارات وما خفي أعظم .اذا،التعويل على الدول الخليجية،يبدو لنا شبه مستحيل في الوقت الراهن . اللجوء الى القروض الدولية بدوره لم يعد بالأمرالسهل بسبب الديون المتراكمة والتي هي مع الأسف في تصاعد مستمر، حيث بلغت ذروتها في السنين الأخيرة وأصبح من الصعب للاستمرار على هذا الخط .أما بالنسية للمساعدات والمنح التي كنا نحلم بها أوننتظرها من الاتحاد الأوروبي بحكم الموقع الجغرافي للمملكة كبوابة لأوروبا نحو افريقيا ،وبفضل الوضع المتميز للمغرب داخل هذه المنظومة، بدأت هي الأخرى تتلاشى بسبب العداء الظاهرمن طرف اسبانيا وألمانيا الذي خرج الى العلن في الآونة الأخيرة، وأصبحت هذه الدول تستعمل الكتلة الأوروبية للضغط على المغرب، ووضع العصا في عجلة تنميته واقتصاده .ويمكننا أن نجزم أن الدول الغربية لا تريد الخيرلا للمغرب ولا لغيره وتبقى النظرة الفوقية والاستعمارية هي السائدة .اذا،يبقى على المغرب أن يدبرالمرحلة جيدا ويبحث عن شراكات أخرى، ولما لا، التوجه نحو الصين كقوة اقتصادية فرضت نفسها على الساحة الدولية. ولكن قبل كل هذا، يبقى الاختيارالواقعي هوالاعتماد على النفس وخلق ثورة صناعية وفلاحية حقيقية تستفيد من مداخيلها الدولة لتمويل المشاريع المسطرة .
بالاضافة الى التدبير المالي يبقى تطويرالهيكل التنظيمي للادارة أمرا ملحا .أي ،المطلوب هو خلق ادارة مستقلة ومرقمنة وشفافة تستجيب لاحتياجات المواطنين .الادارة المغربية في حاجة ماسة الى اصلاح جذري، والاسلوب المتبع حاليا،والمتسم بالفساد وعدم الوضوح وغياب الردعلى طلبات وشكاوي المواطنين، والتهاون في نشرالمعلومات، وتراخي بعض الموظفين، اضافة الى أسباب أخرى معروفة لدى المواطنين في تعاملهم اليومي مع الادارة، كل هذه الأمور مجتمعة وجب على الدولة المغربية تصحيحها والوقوف عند مكامن الضعف فيها، وجعل الادارة تتماشى مع ما جاء في التقرير من توصيات وخلاصات تستجيب لحاجيات المواطنين .المستوى الثالث التي يمكن أن نتحدث عنه ، يتعلق بالعنصر البشري باعتبار أن انجاح النموذج التنموي الجديد يتطلب عملا جماعيا متكاملا يشارك فيه الجميع.المواطن له حقوق ولكن عليه ايضا واجبات.وبالتالي يجب الانتقال من التراخي والاتكال الى أخذ المبادرة والابتكار.الموظفون عليهم مساعدة الدولة لانجاز مخطاطتها وبرامجها وذلك بالانضباط وتحمل المسؤولية كاملة واحترام أوقات العمل. كما أن التعامل مع المواطنين يجب أن يتغير، ويكون الوضوح هو السائد سواء تعلق الأمربالوثائق المطلوبة أو المواعيد وغيرها .أما بالنسبة لقطاع الصحة فالمطلوب من الدولة أن تقوم بتغيير شامل وتوفير التجهيزات اللازمة و من بينها آلات الكشف بالأشعة، وأن لا تبقى الأمورمركزة فقط في الرباط أوالدارالبيضاء .كما أن للأطباء دورمهم ورئيسي .فالى جانب أطباء شرفاء يقومون بعملهم على أحسن وجه، هناك فئة أخرى يغلب عليها الجشع والتفكير فقط في المداخيل ،والجمع بين أكثر من مهمة والانتقال بين القطاع العام والخاص، مما يسبب ضعفا في المردودية وأخطاء في العمليات الجراحية وتأخيرا في المواعيد، وما ينطبق على الطبيب ينطبق كذلك على رجل التعليم وباقي القطاعات المختلفة .
اذا يمكن القول، بأن النموذج التنموي الجديد يمكن تحقيقه كما أراد وتفضل بذلك صاحب الجلالة نصره الله،ولكن كما أشرنا في البداية، يجب أن تكون الارادة قوية، وأن توفرالشروط المذكورة.لأن المشاكل معروفة لدى الجميع ولكن الحلول والانتقال من الأدبيات الى التطبيق هي الأهم .هذا،ولقد سبق وان وجهنا دعوة الى اللجنة المكلفة بهذا الملف في شخص السيد شكيب بنموسى انطلاقا من مؤسسة آفــاق للفن والثقافة والتعليم بهولندا وبمشاركة العديد من الفعاليات من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وايطاليا لعقد لقاء تشاوري بمدينة روتردام، واستمرارية للقاءين السابقين في كل من أمستردام و مدينة وجدة، بغية المساهمة ببعض التوصيات وطرح بعض الأفكار.علما أن تحويلات مغاربة العالم تفوق 7 مليارات من الدولارات سنويا وربما تتعدى ذلك من خلال بعض المبالغ التي لا تمرعبر مكتب الصرف، من خلال المغاربة الذين يأتون عدة مرات في السنة أو الفئة الأخرى التي يتجاوزعددها 3 مليون وتزورالمغرب في العطلة الصيفية وتحمل معها بعض المبالغ النقدية .وحيث أن هذه التحويلات من العملة الصعبة في ازدياد مضطرد والحمد لله، وتبقى رافعة قوية للاقتصاد الوطني، ودعما وتضامنا مع الأسروالأقارب،وجب اشراك مغاربة العالم بشكل فعلي في انجاح هذا الورش الكبير، ويبقى تبادل الاراء مع بعض الفعاليات النشيطة أمرا ضروريا لتجاوزبعض المشاكل ،ومن بينها معيقات الاستثمار وخلق مناخ الثقة لبلوغ الهدف المنشود وكذلك كيفية الاستفادة من الخبرات التي يتميز بها بعض مغاربة العالم في مجال التكنولوجيا الرقمية والتقنيات الحدبثة . والله من وراء القصد .