حملة الفطور
محمد شحلال
تنظم وسائل الإعلام الرسمية ببلادنا خلال هذه الأيام، حملة من أجل التحسيس بأهمية وجبة الفطور بالنسبة للمتعلمين على وجه التحديد.
لم أكن على علم بهذه الحملة،،الطريفة،،لولا الصدفة التي جعلتني أفتح إذاعة شهيرة ،خصصت لموضوع فطور الصغار، حيزا هاما من النقاش الذي تدخلت فيه أطياف اجتماعية مختلفة.
لم يكن الفطور كوجبة اعتيادية نفتتح بها يومنا منذ أن كنا،هو ما أثار اهتمامي،وإنما ،،الفتوحات،،التي ،،شنفت،،أذني على يد هذه الطينة الجديدة من المتخصصين الذين يتمتروسون وراء لقب،،الكوتش،،حيث أصبح لدينا ،،كوتشات،،في كل جزئيات الحياة :فهذا،، كوتش،،في التغذية،وذاك في الرقص العصري والآخر في كيفية استمالة الغير ،والقائمة مفتوحة للمزيد.
تدخل مجموعة من الأشخاص بمرجعيات عديدة، للإدلاء بوجهة نظرهم في هذا الموضوع،،الخطير،،حيث حاول كل طرف أن يبين مكونات الفطور القمينة بإعداد المواطن المتكامل ،عبر تضمين الوجبة الصباحية مجموعة من العناصر التي لا بديل عنها في تحقيق الهدف !
ودون الخوض في كل التفاصيل التي تراكمت خلال مدة البرنامج،فإن القاسم المشترك بين ،،الكوتشات،،هو تنصيصهم على ضرورة حضور مواد وفواكه معينة، لتفعل الوجبة فعلها السحري في رجل الغد ،الذي لا يحتاج بناؤه إلا غذاء بمواصفات حددها هؤلاء الذين ينوبون عن فئة محدودة في المجتمع هي أصلا في غنى عن نصائحهم.
وبمناسبة هذا الحديث الذي دار حول ضرورة وجبة الفطور وغناها،وجدتني ألوك سؤالا سورياليا لن يختفي من الذاكرة ما دام مجتمعنا يعيش مفارقات بنيونية وتنافسا محموما لدخول طبقة ،،الهاي كلاص،،بكل ما يجعلها نشازا في بلد يحلم غالبية أبنائه بعيش يسمح بالاستمرار على قيد الحياة وكفى !
لست أدري ما إن كان،،الكوتشات،،يجهلون بأن الفواكه الجافة والطازجة التي اعتبروها عنصرا أساسيا في وجبة الصباح،هي بالنسبة للسواد الأعظم من الناس مجرد كماليات؟ لأن فاكهة البسطاء،موسمية،حيث أنهم ينتظرون الصيف لاقتناء البطيخ الأحمر الذي يشبع نهم الجميع،فإذا انصرم الصيف،عرجوا على البرتقال من الدرجة الثالثة أو غيره من الفواكه المرفوضة لعدم ملاءمتها لأذواق الميسورين.
إن الذين يقتنون حاجياتهم الضرورية والكمالية من الأسواق العصرية المتناسلة،ثم يخرجون وهم يسوقون عربات ،،مدججة،، بالسلع الراقية من داخل الوطن وخارجه،يتناسون بأن إخوانا لهم في الوطنية،إنما يقصدون الأسواق الشعبية حيث يجدون الباعة الذين ،،يقرأون جيوبهم،،فيحضرون السلع غير المصنفة والتي لا يجد معظمها من يحتضنها إلا بعد أن تجوب عدة أسواق !
عندما كان ،،الكوتشات،، يجتهدون في إبراز مخاطر عدم حضور بعض المواد في الفطور من قبيل،، التوتر،،في القسم وعدم المسايرة والتجاوب ،عادت بي الذاكرة إلى مرحلة الدراسة الابتدائية،حيث كنت وزملائي متساوين في الغذاء إلى أبعد الحدود.
وهكذا،فإن كل واحد منا كان يحضر زجاجة شاي تعدها الأمهات في جنح الظلام،وبرفقة الزجاجة قطعة خبز من الشعير لا نتاولهما إلا بعد أن تعودا إلى حالتهما الخام !
كان خبز القمح أو أي مرفق طارىء،يعتبر حالة عابرة لا تؤثر على القاعدة الثابتة،لكن ذلك لم يحل دون ظهور مواهب وعبقريات أجهض الفقر مئات الحالات منها،ومع ذلك وصل العديد من هؤلاء ،،الجوعى،،إلى مستويات عالية ،بل إن بعض المناطق قد تمكن التلاميذ الفقراء المنحدرون منها من إحراز درجة الدكتوراه في الرياضيات وغيرها من العلوم ،ناهيك عن المهندسين والأطر المختلفة.
أترك المجال،،للكوتشات،، ليصفوا ،،للكبار،، ما يضمن مضي،،أنجالهم،،بثبات نحو الهدف،لكن هؤلاء ،،الكوتشات،،ومن كان على شاكلتهم،ربما يتحملون نصيبهم من وزر ما يعج به الشارع والمؤسسات التعليمية من نماذج بشرية لا يميزها إلا القزع المقرف والتمرد على كل ما يمت بصلة للمواطنة السليمة.
أما بالنسبة لجيلنا،فإنني أجدد الشكر للشاي وقطعة الخبز اللذين لم يصنعا منا عباقرة، ولكنهما حكما علينا أن نظل أوفياء لحدودنا..