التدبير الإداري للمؤسسات التعليمية بين استعمال المرونة وتطبيق القانون.
عبد الكريم السباعي
التدبير لغة من دبر،يدبرالأمر.أي اتخذ التدابير و الترتيبات أو الإجراءات اللازمة في مواجهة وضعية ما.أما في عالم الإدارة التربوية فالتدبير بالمختصر المفيد هو القدرة على حل المشاكل وفض النزاعات مع الحفاظ على السير العادي للمؤسسة التعليمية وضمان مصالح التلاميذ وأمنهم وسلامتهم.ويعتبر مدير المؤسسة التعليمية هو المسئول الأول عن حسن تدبيرها بصفته رئيس مجلس التدبير .لكن السؤال المطروح هو كالتالي:من هو المدير المدبر؟ما هي صفاته؟ وهل كل المديرون الممارسون في الميدان مدبرون؟بغض النظر عن إشكالية الإطار:متصرف تربوي التي سال بشأنها حبر كثير. هدفي من هد المقال هو تحليل إشكالية التدبير الإداري للمؤسسات التعليمية بين استعمال المرونة وتطبيق القانون.سواء كان ذلك المدبر خريجا لمسلك أطر الإدارة التربوية أم أستاذا مكلفا بالمهام الإدارية.
لا يختلف اثنان على أن جميع مستجدات المنظومة التربوية المتعلقة بتدبير الموارد البشرية تتطرق لمسألة “البروفايل،”سواء تعلق الأمر بأطر هيئة التدريس أم بأطر الإدارة التربوية.وإذا نظرنا إلى الشروط المنصوص عليها في توصيف اختبارات مباريات توظيف الأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين فإننا سنلاحظ لا شك التركيز على الجاهزية و الاستعداد النفسي و المؤهلات الشخصية وحب المهنة و التكوين و التجربة و الجاذبية…لأن المؤهلات المعرفية ليست كافية لقياس كفاءة الموظف.من هنا نستخلص أن الموظف الإداري يجب هو كذلك أن تتوفر فيه شروط المهننة و الجاهزية والتجربة والذكاء العاطفي الكافي لتقلد مسؤولية التدبير الإداري.و إلا سيجد نفسه يسبح سباحة المبتدئين في بحر هائج. لأن مشاكل المؤسسة التعليمية لاتنتهي والمهام تتوالد والضغوطات من كل جانب خاصة في الأوساط الهشة حيث الاكتظاظ وانتشار العنف و الهدر المدرسي والمشاكل الاجتماعية كالإهمال الأسري والمخدرات وتخريب الممتلكات والإجرام بجميع أنواعه.ناهيك عن المشاكل الداخلية الخاصة بالموظفين والتلاميذ و المرتفقين. هدا الخليط كله وسط عالم تطبعه الأنانية والمصالح الشخصية والميكيافيلية الشرسة.
في خضم هدا التدافع يطرح السؤال التالي:هل يستحسن لمدير المؤسسة التعليمية اللجوء إلى استعمال أسلوب المرونة في التعامل مع الوضعيات الإدارية أم يروم إلى المقاربة الزجرية المبنية على تطبيق القانون لتحصين نفسه من خطر الإعفاء عبر التركيز على التوثيق والدلائل المادية تحسبا للجن الافتحاص متنكرا للجانب العلائقي الإنساني؟ و الشيء بالشيء يذكر،هل أسلوب الردع يضمن المردودية والإنتاجية المنتظرة من الفريق؟وهل هدف المنظومة التربوية هو إنتاج مواطن يخاف و لا يستحيي؟ وهل الموظفون داخل المؤسسة التعليمية سواسية في التفكير وتأنيب الضمير واستحضار الوازع الديني و الوطني؟
أسئلة كثيرة تتقاطر كالسيل لا يمكن الإجابة عنها ببساطة لأن التعامل الإنساني تحكمة عواطف و علاقات معقدة يمكن أن تنتج ردود أفعال غير منتظرة تفتك أحيانا باستقرار المؤسسة بكاملها.الأمر الذي وقع في العديد من المؤسسات التي تحولت إلى حلبة للصراع الاديولوجي أو القبلي أحيانا.كان ضحيتها التلاميذ الأبرياء .
هنا يتجسد دور المدير المدبر ليستغل ذكاءه العاطفي وقدرته على خلق التماسك الاجتماعي داخل المؤسسة وتوفير الجو الملائم للعمل داخل فريق متكامل بدون إقصاء لأي طرف مع الحرص على مصالح التلاميذ و ضمان أمنهم وسلامتهم.وهذا بدون تشكي أو تملص من المسؤولية أو اللجوء لأسلوب المظلومية لتبرير الفشل التدبيري بغياب الحقوق الوظيفية.
وإذا أردنا أن يتحقق الهدف يجب انتقاء الأطر المؤهلة لتقلد مهام المسؤولية .القادرة على الدمج مابين المرونة الايجابية و روح القانون .القادرة على العمل بجدية في جو مرح، نقي و صاف من الشوائب و المعكرات.المتمكنة من تخطي مرحلة التدبير اليومي الميكانيكي إلى تدبير حي ينبض بالأنشطة التربوية، يستحضر كل صباح مشروع المؤسسة ونادي التوجيه المبكر النشيط وأحكام القانون الإطار 51/17 بعيدا عن الانفرادية في التسيير والشطط و التسلط.فالبلدان المترتبة عالميا في المراتب الأولى في التعليم تشتغل بمفهوم القيادة التربوية Educational Leadership. وتسلم المدير المدبر الاستقلالية وحرية التصرف ،لكن تحاسبه عن نتائج المتعلمين وتطورهم المعرفي و السلوكي المهاراتي. ادا نجح تتم ترقيته إلى مرتبة أعلى و مجازاته ،لكن ادا فشل تحاسبه حسابا دقيقا.
كخلاصة يمكن القول أن مهنة التعليم بصفة عامة و الإدارة التربوية على وجه الخصوص هي مجال للتضحية بالوقت و الجهد وأحيانا المال من أجل خدمة الآخر، سواء كان موظفا أو تلميذا.هي مجال للتقاسم والتعاون والتكامل في احترام للقانون ، وليست بتاتا حقلا لتصريف المكنونات أو الانتقام أو ممارسة الوصاية أو الرقابة على الغير أو استغلال المنصب للشطط و التحايل و الزبونية…