ذكرى الطرد الجائر من الجزائر!
اسماعيل الحلوتي
من المفارقات الغريبة التي يصعب على المتتبع للشأن العام المغاربي استيعابها وتفكيك خيوطها المعقدة، أن يواصل “كابرانات” العسكر في قصر المرادية بالجزائر، ادعاءاتهم الكاذبة وتلفيق الاتهامات الرخيصة والعشوائية للمغرب، معتبرين أنه أكبر خطر يتهدد بلادهم، في محاولة بئيسة لتصدير أزماتهم الداخلية وإلهاء الشعب الجزائري الشقيق عن مشاكله الحقيقة ومسؤوليتهم في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. والحال أنهم هم جيران السوء الذين لا يتوقفون عن استفزازتهم الرعناء ومعاكسة مصالح المغرب والمس بوحدته الترابية. وإلا فمن غيرهم يبدد ثروات الجزائر في تمويل ودعم ميليشيات البوليساريو الانفصالية منذ عقود، سعيا إلى استنزاف المغرب وتعطيل مسيرته التنموية؟
فالرئيس الصوري عبد المجيد تبون الذي يصر بأمر من رئيس البلاد الفعلي ورئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة، على رفض مختلف الوساطات الدولية الهادفة إلى التخفيف من حدة التوتر المتصاعد بين البلدين وإعادة العلاقات فيما بينهما إلى طبيعتها، بعد أن سبق للمجلس الأعلى للأمن برئاسته أن قرر قطعها بشكل فجائي ودون سابق إشعار في 24 غشت 2021 على خلفية ما تم وصفه آنذاك ب”الأعمال العدائية المتواصلة للمغرب ضد الجزائر” ضاربا عرض الحائط بخطاب اليد الممدودة الموجه لهم من قبل ملك المغرب محمد السادس في 31 يوليوز 2021 بمناسبة حلول الذكرى 22 لعيد العرش. حيث أنه ولتبرير ذلك القرار الأرعن والخارج عن السياق، أبى إلا أن يشدد في أكثر من مناسبة على أنه لن يقبل بأي وساطة مهما كانت الظروف والأحوال، واصفا بلاده الجزائر بالضحية المعتدى عليها والتي لا يمكن مساواتها مع جلادها والمعتدي الدائم عليها، الذي ليس سوى المغرب ذو السوابق ضدها منذ عام 1963 مباشرة بعد نيل استقلالها، متهما إياه بإيواء إرهابيين وتقديم الدعم لهم لضربها وغير ذلك من الترهات التي لم تعد تقبل بها الكثير من بلدان العالم، بعدما انكشف لها بوضوح تام زيف أقاويلهم…
لا يمكن له وغيره ممن بات الشعب الجزائري يطلق عليهم اسم “العصابة”، مهما حاولوا طمس الحقائق أن ينكروا تحرشهم المستمر بالمغرب، وأن سلطات بلادهم كانت قد أقدمت على طرد ما لا يقل عن 45 ألف أسرة مغربية صباح عيد الأضحى الذي يصادف يوم 18 دجنبر 1975، بناء على قرار الرئيس هواري بومدين “غفر الله” له جريمته الشنعاء، في رده على تنظيم المغرب في 6 نونبر 1975 “المسيرة الخضراء” المظفرة، لاسترجاع أراضيه المغتصبة من قبل الاستعمار الإسباني. حيث أنه تم اقتياد تلك الأسر البريئة تحت حراسة مشددة والإلقاء بها دون أدنى رحمة على الحدود المغربية-الجزائرية في المنطقة المسماة “جوج بغال”، معرضا إياها إلى التشرد وفقدان ممتلكاتها وأهلها، ومساهما في التفريق بين الأزواج وبين الأبناء وآبائهم وغير ذلك من الفظائع، كما هو الحال بالنسبة لمئات المزارعين المغاربة الذين تم طردهم في مارس 2021 من منطقة “العرجة” الحدودية التي عملوا بها لعقود. فمن هو إذن جار السوء الذي لا يكف عن إرسال سهامه المسمومة لجاره ويتمادى في الإنكار؟
فها هي الذكرى 46 لجريمة الطرد الجائر لآلاف الأسر المغربية تحل اليوم، ومازال جرحه الغائر ينزف قيحا وصديدا من فرط الوجع الذي خلفته خناجر الغدر في الظهر، دون أن يقوم لا تبون ولا شنقريحة ولا من سبقوهم بما يتعين عليهم من إقرار بالظلم ورد الاعتبار للضحايا الأبرياء الذين كانوا يقيمون بصفة شرعية في بلد ظلوا يعتبرونه بلدهم الثاني، معتقدين أنه لن يأتيهم منه يوما ما يسيء إليهم أو يضرهم. لاسيما أنهم عاشوا فيه عقودا من الزمن، كونوا أسرا فوق ترابه وربطوا عدة علاقات أخوة وصداقة متينة، ومنهم حتى من حملوا السلاح في وجه المحتل الغاشم. فهل من الشهامة أن تسمح سلطات الجزائر بترحيلهم القسري ظلما وبهتانا؟
ثم كيف لمن تربى على الكراهية والغدر ونشأ في أحضان الطغاة المتجبرين، الذين أقدموا على مثل هذه الجريمة الشنعاء، وغيرها الكثير من الجرائم حتى في حق أبناء الشعب الجزائري كتلك التي سميت بالعشرية السوداء، أن يكون رحيما وكريما مع الفلسطينيين أو التونسيين وغيرهم من الشعوب العربية الأخرى؟ وبمرارة كبرى يتساءل عديد الضحايا وأبنائهم ممن عاشوا تلك المأساة الإنسانية وجردوا من كرامتهم وممتلكاتهم، عمن يقف خلف تجميد ملفهم والحيلولة دون جبر الضرر ورد الاعتبار لهم ولتاريخهم المليء بالآلام والأشجان، خاصة أن “أحداث دجنبر 1975” ليست بالأمر الخفي عن المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية ومجلس حقوق الإنسان ولجنة حماية العمال المهاجرين وسواها؟
إن تاريخ 18 دجنبر من كل سنة تاريخ أسود في حياة المغاربة، تاريخ سيظل لعنة تطارد “كابرانات” النظام العسكري الجزائري المتغطرس، وتاريخ يشهد على عدائهم الدفين الذي يكنونه للمغرب وأبنائه، ويعيد للأذهان شريط تلك المأساة الإنسانية البشعة التي عاشت أطوارها المفجعة 45 ألف أسرة مغربية. وهو كذلك تاريخ يذكر بتفاصيل تلك الجريمة النكراء التي مازالت تشكل كابوسا مزعجا لها. فأي الحروب أخطر على حياة الإنسان أكثر من تلك التي تدوس على كرامته، تدمر نفسيته وتفرق بينه وبين أهله؟ ثم كيف لدولة تطالب فرنسا بتقديم اعتذار رسمي لها عن سنوات الاستعمار والتجارب النووية في صحراء “الرقان”، أن تتجاهل مطالب آلاف الأسر المطرودة بشكل تعسفي ولا إنساني، دون تعويضها عن الخسائر المادية والمعنوية التي ألحقتها بها؟