من دلتا إلى أوميكرون!
اسماعيل الحلوتي
في الوقت الذي مازال فيه أصحاب البدلة السوداء يواصلون احتجاجاتهم على الدورية الثلاثية الصادرة عن وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، التي تفرض عليهم الإدلاء ب”جواز التلقيح” كوثيقة رسمية لولوج المحاكم، رافضين بقوة القرار وما يسمونه “عسكرة المحاكم”، ويطالبون بإسقاط الدورية ورحيل وزير العدل عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، تأبى حكومة عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار إلا أن تواصل استصدار قراراتها، بدعوى العمل على الحد من مخاطر “كوفيد -19” وسلالاته، حفاظا على صحة وسلامة المواطنات والمواطنين، لاسيما بعد ظهور إصابات بمتحور “أوميكرون” الأكثر سرعة وانتشارا من متحور “دلتا”.
حيث أن السلطات العمومية وفي إطار سعيها الدؤوب إلى كبح تفشي فيروس كورونا المستجد، قررت تمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية في سائر أنحاء البلاد إلى غاية نهاية شهر يناير 2022، كما أصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف ميراوي مذكرة استدراكية إلى رؤساء الجامعات يدعوهم من خلالها إلى اعتماد نمطي التعليم الحضوري وعن بعد وفق تطور الحالة الوبائية محليا وجهويا ووطنيا بتنسيق مع السلطات العمومية المختصة، كما أتاح لهم فرصة الاختيار بين تأجيل الامتحانات أو تنظيمها عن بعد، على أن يتم الالتزام الصارم بالتدابير الوقائية للحماية الفردية والجماعية، إذا كان لا بد من إجرائها حضوريا. وفي نفس الاتجاه تقرر تمديد تعليق الرحلات الجوية التجارية من وإلى المغرب حتى 31 يناير من العام الجديد 2022…
وهي قرارات شئنا أم أبينا ومهما اختلفنا مع بعضها، من حيث التخبط والارتجال وسوء التقدير أحيانا، تظل في المجمل قرارات ذات أهداف نبيلة مادام أن هناك حرصا شديدا من قبل أعلى سلطة في البلاد على حماية أرواح العباد. لذلك نرى أن الحكومة أحسنت صنعا عندما رأت بأن الإبقاء على الرحلات الجوية من وإلى المغرب، واستمرار الدراسة وإجراء الامتحانات حضوريا في الجامعات دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة، من شأنهما الإسهام في انتقال العدوى إلى المغرب من الخارج وتحول الكليات إلى بؤر وبائية خطيرة، خاصة أن متحور “أوميكرون” يوصف بكونه شديد السرعة، متفادية بذلك قرار الإغلاق الشامل، لما له من تداعيات قاسية.
ذلك أن دراسات حديثة أظهرت أن متحور “أوميكرون” سريع الانتشار بدرجة أكبر من نظيره “دلتا”، لكن خطورته تظل أقل منه بنسبة تتراوح ما بين 35 و80 في المائة، ولم يتضح بعد إن كانت قلة الخطورة تأتي من خصائص المتحور نفسه أو هي بسبب إصابته أشخاصا تكون لديهم مناعة جزئية، جراء تلقيهم اللقاح أو إصابتهم بالعدوى سابقا. ويحذر عديد الخبراء من مغبة التهاون في التعامل معه بعد أن اجتاح بقوة عددا كبيرا من البلدان الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا والدانمارك اللتين تجاوزتا عتبة 100 ألف حالة يوميا، قادما إليها من جنوب إفريقيا.
فالمغرب كما هو معلوم عاش زهاء خمسة شهور من القلق والفزع على إثر موجة متحور فيروس كورونا المسمى “دلتا”، وعرف وفق ما أفاد به معاذ المرابط المنسق الوطني لعمليات الطوارئ العامة بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، مرحلة بينية سابقة تميزت بمعدل إصابات يومي تراوح بين 300 و400 حالة، أي بمعدل 7 في المائة حالة لكل 100 ألف نسمة أسبوعيا، ومتوسط وفيات يومي بين 5 و6 حالات، وما بين 29 و30 من الحالات الحرجة، وبلغ المعدل العام للحالات الإيجابية 4 في المائة، باستثناء الفترة التي شهدت ظهور بعض الإصابات بمتحور “ألفا”، فهي لم تسفر عن موجة وبائية بفضل ما اتخذ من تدابير احترازية…
ثم زاد المرابط مشددا على أن موجة “دلتا” أسفرت في المجمل خلال فترة انتشارها المقدرة ب”19″ أسبوعا عن 419 ألف و494 حالة إصابة، منها 4,3 في المائة من الحالات الحرجة و5430 حالة وفاة أي بنسبة 1,3 في المائة. وأن عملية التطعيم ساعدت كثيرا في تراجع معدل الفتك مقارنة بالموجة الأولى، إذ أن نسبة الساكنة التي تلقت جرعات اللقاح بشكل كامل عند انطلاق الموجة كانت تصل إلى 23 في المائة، و26 في المائة قبل أسبوعين من بلوغ ذروة انتشار العدوى…
إننا وبعد أن سجلت بلادنا أول إصابة مؤكدة بالمتحور “أوميكرون” يوم الأربعاء 22 دجنبر 2021 لشابة مغربية غير وافدة من الخارج، وما تلاها بعد بضعة أيام من تطور وتنامي الحالات، خاصة أن أعضاء من اللجنة العلمية والتقنية يؤكدون على أن سيرورة وديناميكية الفيروس أثبتت قدرته على التحور، وأنه بحلول منتصف شهر يناير 2022 قد يصبح “أوميكرون” أكثر انتشارا وطغيانا بين المغاربة، مما يقتضي الدعوة إلى الانخراط الكثيف في الحملة الوطنية للتلقيح والاستفادة من الجرعة الثالثة على الخصوص، لأن فعالية اللقاح تتجاوز نسبة 75 في المائة حسب ما أوردته بعض الدراسات، فضلا عن تعزيز التعبئة والالتزام بالتدابير الوقائية واحترام البروتوكول العلاجي الوطني…
فبلادنا بفضل الرعاية الملكية السامية قطعت أشواطا مهمة في مواجهة الجائحة على عدة مستويات، غير أن الطريق مازال طويلا وشاقا في ظل تواصل ظهور هذه المتحورات المقلقة وتسجيل الإصابات والوفيات بأعداد متزايدة، ولا سبيل أمامنا لتفادي تفاقم الوضعية الوبائية وتجاوز هذه الظروف الصعبة والعودة للحياة الطبيعية وإن بشكل تدريجي، عدا التحلي بالصبر واتخاذ المزيد من الاحتياطات اللازمة…