إلى الجزاريو : هل تُفاوض الملوك على عروشها؟
رمضان مصباح
تقديم:
“لقد سبق أن تحدثت ،في مقال سابق،عن كون الجزائر الحالية هي الجزائر المغربية ؛في انتظار أن يسقطها الشعب الجزائري، لبناء نظامه وجزائره التي حلم بها القادة التاريخيون ،وآخر قتلاهم المرحوم بوضياف ؛ جزائر تستعيد شرعيتها وسلطة الشعب ،وتعيد للآصرة المغاربية كل العنفوان الذي كان لها أثناء معارك التحرير ،حيث كانت خرائط المستقبل تُرسم بمداد المحبة والمصير المشترك.
لقد بُنِيت الدولة المسروقة على أسس واهية ،منها كراهية المملكة المغربية ،كراهية لا مبرر لها عدا تملق المد الاشتراكي العالمي،والناصري العربي، الذي نسب كلَّ الملوك للرجعية .من الصعوبة بمكان ،اليوم، أن يتخلص النظام الجزائري الحالي من كراهية لازمت منشأه وشبابه وكهولته وشيخوخته.”
مِن “حَكْرونا” الى “ما عَنْدِي رْجَال”:
عبارتان ،وان خفتا على اللسان،تؤرخان لميلاد دولتين جزائريتين :الأولى هي دولة جماعة وجدة؛كما تأسست سياسيا،وان على الغدر ؛وكما أطاح بها ،انقلابيا، الجناح العسكري – جيش الحدود – لنفس الجماعة؛بقيادة “بوخروبة” (هواري بومدين).
أما الثانية فشهادة ميلادها مسجلة، في خلايا التاريخ – وهي لا تفنى – تحت عنوان: “ماعندي رجال” التي أجهش بها الأزهري هواري بومدين؛حينما عجم عيدانه العسكرية ليحل محل الاستعمار الاسباني في الجنوب المغربي؛لولا حكمة وفروسية المرحوم الحسن الثاني، الذي أصاخ وقتها السمع، و حتى العين،فتفطن للكيدين الاسباني والجزائري ؛ففاجأ العالم بالرد – اعتبارا لخطورة النوازل – على بيعة الصحراء ،الموغلة في القدم،بالمسيرة الخضراء؛التي لا يزال عنفوانها حاضرا في القسم المشهور.(لو كان المغاربة يزيدون في القرآن لزدناه).
وكلاهما ،المسيرة والقسم، موجهان للجزائر – أولا – وقل من ينتبه إلى الحكمة الحسنية فيهما.
وهل يواجه الملك الحكيم اسبانيا ،وهي خارجة بفلولها،أم الجزائر المتأبطة شرا ،على الحدود؟
وهل يقسم أمير المؤمنين لغير مسلم، يُفترض فيه أن يُجل القسم ؟
وهل يقسم للداخل المغربي،وهو يعرف أنه لم يرث عن اسلافه غير مثل هذا القسم؛الذي يفسر العديد من معاركنا التاريخية المشهورة؟
انه قسم ألقاه الراحل في وجه ” الجزاريو” الآخذة في التشكل ،لتتسلم مشعل النفير والحرب،من الجزائر المغربية ،التي بسَطتُ فيها القول ،وشرحت حيثيات هذا النعت الذي يستند الى أدلة كثيرة.
لقد أحبطت القوات المسلحة الملكية ؛ وقد وُجهت إلى الجنوب لتُثَبت عسكريا – في مواجهة الجيش الجزائري ،وليس ألاسباني – ما حققته المسيرة سياسيا؛(أحبطت) حلم َهواري بومدين في اقتحام أمواج الساحل الأطلسي بفرسه ؛ليردد قسم عقبة بن نافع الشهير؛ مواجها – كما أوحى إليه القادة السوفييت ،وقتها- زعيمة الغرب الرأسمالي .
هكذا بدت له حساباته العسكرية الصبيانية؛الى أن أفزعته ،وهو نائم في العسل الثوري،ضربات قواتنا الجوية ؛وتوالت بعدها المعارك الطاحنة المعروفة؛وقد وَقَرَ ،منها، في ذهن الرئيس الجزائري أمران:
أولا: استحالة تحقيق أي انتصار عسكري ،على الحسن الثاني،يحفظ به ماء وجهه ،وهو المرتدي لجلد النمر ،في الوسط الاشتراكي،بفعل انجازات سرقها من القادة التاريخيين لجبهة التحرير الجزائرية المغربية: (لم تكن جزائرية خالصة أبدا؛والدليل هو بوخروبة إياه ، الذي عسكر في شرق المغرب،وفي قلوب المغاربة ،زمن التَّثعلب الثوري).
ثانيا: لا يمكن للقتال أن يستمر – دون خسائر فاضحة – ولكل الأحلام الجزائرية (ذات البعد الاشتراكي الأممي ) أن تتحقق إلا باستراتيجية جديدة ؛على غرار ما جرى به العمل لدى ثوار أمريكا اللاتينية.
التصدي المتواصل للملكية المغربية ،من الداخل، حتى تنهار؛وتبقى بعدها كل الخرائط الممكنة – وصولا الى المحيط الأطلسي – مجرد تفاصيل.
القليل من انتبه لمغزى ربط الحسن الثاني لاستمرار الملك العلوي ،بالصحراء ،محرَّرة ونامية؛ ومن هنا مقولة : لقد طوينا ملف الصحراء. وهل يستقيم أن تفاوض الملوك على عروشها؟
ولعلنا الآن في مستوى فهم مغزى قول جلالة الملك محمد السادس: إن قضية الصحراء هي قضية وجود ،وليست قضية حدود.
مهزلة أممية: دولتان في واحدة
لعلنا نبسط الأمور كثيرا حينما نتحدث عن ميلاد جبهة “البوليساريو” ،وحتى جمهوريتها المزعومة، على يد هواري بومدين ؛والحال أن الأمر يتعلق بميلاد الجزائر المغربية الثانية؛ التي يصدق عليها اسم ” الجزاريو” إلى حد كبير؛ولا تهكم في هذا.
يجب أن ننفذ الى عمق الأشياء والأحداث؛لأن التبسيط يجعلنا نعترف بخصم غير موجود في الواقع.
لا يخفى ما نتج عن هذا التبسيط؛ولنقُلْها بصراحة:هذه المداراة “الدبلوماسية” للواقع ؛من مهزلة بحجم أممي :
محفل دولي ،بحجم وتاريخ وأسس الأمم المتحدة ،تضلله دولة عضو،لتوهمه بوجود شعب طُرد من أرضه؛ووجود دولة تحتل أرضا لغيرها .
وهل من تضليل أكثر من وجود دولة تظهر وتختفي في ظلها؟
هل من المنطق ،والقوانين الأممية،أن تعترف الأمم المتحدة بدولتين في واحدة:
الجزائر و”الجزاريو: الدولة الظاهرة ،والدولة الباطنة؟