لماذا يتجاهل النظام العسكري الجزائري كل شيء في جزائر الطوابير؟
عبدالقادر كتــرة
يُقال ” لكل مقام مقال ” ولم نجد لهذا المقال ما يُجسِّد محتواه الذي يتعلق ب “المهمات الصعبة ” والمضنية والفاشلة التي كلفه بها جنرالات النظام العسكري الجزائري إلا هذان المثلان الشعبيان، الأول جزائري وإن كان مغاربيا، وبالضبط من “الأوراس” وهو “خلات راجلها ممدود وراحت تعزي في محمود” …
يبدو أن امرأة مهووسة بالواجبات الاجتماعية توفي عنها زوجها.. وإذ هو مسجى لم يدفن بعد سمعت بوفاة جارها “محمود” فأسرعت تقدم واجب العزاء فيه متناسية أن تأخذ العزاء في زوجها.. ومن ثم صار يضرب هذا المثل في المواقف التي يبادر فيها أصحابها إلى حل مشاكل الغير أو العيش للآخرين مقابل تجاهل غير مسؤول لأحوالهم الأَوْلى بالاهتمام.
ويعتبر هذا المثل من أكثر الأمثلة الشعبية الجزائرية مرونة وسلاسة حيث يمكنه أن يعبر عن موقف اجتماعي كما أنه يصلح أن يكون حالة نفسية ومع كثير من “التمطط ” هو الصورة المثالية لانعكاس الفعل السياسي الذي جعل الجارة الشرقية تغرق في أزماتها المتعددة اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وبيئيا ودبلوماسيا وسياسيا … محليا ووطنيا بينما يحاول النظام العسكري الجزائري على المستوى الدولي أن يضرب الأمثال بترويج تجاربه الفاشلة واقعيا على أنها ناجحة نظريا على جميع المستويات وحال الشعب الجزائري المقموع والمغلوب على أمره ليس أحسن حالا من تلك التي “خلات راجلها ممدود وراحت تعزي في محمود “… هذه الحكاية نقلناها كما نشرها الموقع الجزائري “الأوراس “.
مناسبة هذه الحكمة البليغة التي تُجسِّد سلوك ومواقف النظام العسكري الجزائري الخبيث والمقيت هو ما تقوم به مزابله الإعلامية وقنوات صرفه الصحي التي لا تبخل على قرائها يوميا بمجموعة من الأخبار التافهة والكاذبة والمفبركة إلى درجة فقدت مصداقيتها وأضحت سخرية ومثارا للضحك والتنكيت، لغبائها وبلادتها.
وبدل أن تهتم هذه القنوات والمزابل بما يجري في بلدها وتقوم بواجبها لتغطية ما يهمُّ الشعب الجزائري الغارق في الفقر والجوع والعطش والمرض والخصاص والحرمان والتخصص في الطوابير اللامتناهية على جميع المواد الأساسية …، تراقب هذه المزابل المغرب أصل عقدة النظام العسكري الجزائري فينشر كلّ خبر كان زائفا أو صحيحا، لإلهاء الشعب عن واقعه المؤلم وتوجيه اهتماماته إلى غير ما لا يعنيه.
لم تجد مزابل الإعلام الجزائري وقنوات صرفه الصحي إلا إخبار الجزائريين ب”دعوة اللجنة الوطنية للتقنيين والتقنيات المرتبطين بالجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي بالمغرب، للمزيد من التعبئة والمشاركة المكثفة في الإضراب الوطني المزمع تنظيمه في 26 يناير لمدة 24 ساعة، وذلك احتجاجا على تجاهل الحكومة، لمطالبهم، وعلى رأسها تعديل النظام الأساسي الخاص بهيئة التقنيين المشتركة بين الوزارات”.
وإذا كانت الاحتجاجات في المغرب تتم وفق القوانين المعمول بها في الدول الدمقراطية وتسمح للمواطن المغربي بالتعبير عن رأيه والاحتجاج على وضعه والمطالبة بحقوقه، فإن النظام العسكري الجزائري لا يسمح بذلك ويقمع الاحتجاجات ويعتقل النشطاء ويمن فيهم الأطفال والقصر والنساء ويحاكمهم بعد تلفيق تهم لهم ويصدر أحكاما بعشرات السنين وتصل إلى الإعدام كما حصل لقرميط بونويرة المساعد الأسبق للراحل رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري الفريق قايد صالح، بعد فضحه لمافيا الفساد والجريمة والاتجار في المخدرات التي يتزعمها السعيد شنقريحة الذي خلف القايد صالح بعد اغتياله.
كان على هذه المزابل أن تقوم باسترسال باحتجاج المحامين الجزائريين مفتوح والذي يهزُّ الجزائر ومحاكمها ونظامها ومرتفقيها …ضد النظام الضريبي الجديد الذي تم فرضه على المحامين في قانون المالية لسنة 2020 الذي أدخل في قانون المالية 2022.
ويتضمن القانون الذي يشن المحامون الإضراب ويقاطعون الجلسات عبر كافة الهيئات القضائية، بسببه زيادات ضريبية بلغت نسبتها 35 بالمائة على جميع المهن الحرة، بعدما كانت في حدود 12 بالمائة.
وتجمّع المحامون التابعون لمنظمة الجزائر العاصمة، ببهو مجلس قضاء العاصمة للتنديد بالنظام الضريبي الذي وصفوه بـ”المجحف” في حق أكثر من 50 ألف محام، أغلبهم من الشباب، رافعين شعارات “لن نركع ولن نستسلم” و “لا لنظام ضريبي مجحف ضد المحامين” و”المحاماة ليست تجارة”. وتأسف المحتجون الذين قاطعوا كل الجلسات، لما أسموه بالضغوطات والضرب تحت الحزام بعد رفض مقترح مجلس الإتحاد حول الاقتطاع من المنبع لإخضاع المحامين لضرائب خيالية.
لقد تقرر رفع الجلسات وتأجيل جميع القضايا المطروحة على طاولة محاكم الجنايات الابتدائية والاستئنافية بمجالس القضاء ، كون عدم حضور المحامي لا يسمح قانونا بإجراء المحاكمة عكس محاكم الجنح، وأغلقت أبواب جميع قاعات المحاكم وتحويل المساجين إلى المؤسسات العقابية، وسط سخط أهالي الموقوفين الذين انتظروا طويلا من أجل برمجة ملفاتهم واعتبروا الإضراب إجحاف في حقهم، لأنه سبب في تمديد فترة حبسهم، حسب ما ورد على لسان البعض، بعد أشهر قضتها أغلب الملفات بغرف التحقيق نظرا لضخامتها، خاصة وأن الدورة الجناية تنتهي بتاريخ 29 يناير الجاري.
ودعا مجلس الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين إلى تجميد المشروع الضريبي الجديد الذي تضمنه مشروع قانون المالية لسنة 2022 والذي يفرض أعباء ضريبية على المحامين بقيمة 35 بالمائة وهذا خلافا للنظام الجزافي للضريبة الوحيدة المعمول به حاليا الذي تصل نسبته إلى 12 بالمائة، ليصف هذا المشروع بـ”المجحف” في حق المحامين ولاسيما الجدد منهم .
ويرى مجلس الاتحاد بأن فرض هذا النظام الجبائي المراقب الجديد سوف ينعكس سلبا وبصفة مباشرة على المتقاضي ولاسيما في الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.
وذكر في السياق بالمشروع الذي سبق طرحه والمتعلق بنظام الاقتطاع من المنبع والذي من شأنه أن يعود بالنفع لفائدة الخزينة العمومية والمواطن، حيث أن هذا النظام الضريبي يحقق العدالة الضريبية والتحصيل الآلي والفعلي للضريبة ويؤدي إلى رفع عائدات مضاعفة لفائدة الخزينة العمومية كما يمنع التهرب الضريبي .
وأفاد ذات البيان بأن مجلس الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين سعى خلال السنتين الأخيرتين إلى تقديم وتجسيد مقترح الاقتطاع من المنبع وهذا من خلال مختلف المراسلات لكل الأطراف المعنية، فضلا عن تنظيم لقاءات مع وزارة المالية الممثلة من طرف المديرية العامة للضرائب، والتي أبدت استعدادها لعقد لقاءات أخرى لدراسة المقترح والآليات، كما راسل وزير المالية بتاريخ 30 شتنبر 2021 للمطالبة بتعيين فريق عمل لدراسة المقترح، إلا أنه تفاجأ بمشروع قانون المالية يطرح نظاما جبائيا مغايرا على البرلمان من دون أخذ بعين الاعتبار مقترح ممثل المحامين.
واعتبر مجلس الاتحاد الاستمرار في تمرير هذا المشروع قد يتسبب في انعكاسات اجتماعية سلبية لفئة كبيرة من المجتمع بالرغم من أن اللجوء للقضاء مكفول دستوريا، مشيرا إلى أن الأخذ بهذا النظام الجبائي سيفرض أعباء مرهقة للمحامي بصفة عامة والمتقاضي بصفة خاصة، ليطالب بتجميده والأخذ بمقترح الاقتطاع من المنبع الذي يصب في الصالح العام.
ومعلوم أنه سبق لأصحاب الجبة السوداء أن رفضوا مقترح النظام الضريبي الخاص بـأصحاب المهن الحرة والذي كان مدرجا في قانون المالية لسنة 2020 ودخلوا في عدة احتجاجات ضده، قبل التراجع عنه من خلال الإبقاء على النظام الجزافي المعمول به سابقا، مع مباشرة اللقاءات مع مجلس الاتحاد الوطني للمحامين لدراسة مقترح الاقتطاع من المنبع.