اللجوء إلى العقاب الجسدي والنفسي مؤشر على فشل المدرس في مهمته التربوية/التعليمية
لا يستوعب الطفل المتعلم لماذا يستلذ المدرس بتعنيفه بالضرب واللكم والصفع واستعماله لوسائل متنوعه لإذلاله أمام زملائه، هذا الطفل المتعلم الذي لا حول له ولا قوة إلا البكاء والصراخ والتوسلات أمام مدرس راشد قوي البنية مسلح بجميع “الأسلحة” التي تناسبه من قضبان حديدية وخشبية وأنابيب بلاستيكية، في الوقت الذي كان ينتظر منه أن يحتضنه ويرعاه ويحميه ويدرسه ويحبب له المدرسة كما تتضمنه الأناشيد التي يحفظها الأطفال ويحلو لهم ترديدها والتي تعتبر من ركائز التنشئة الاجتماعية.
اللجوء إلى العقاب الجسدي والنفسي مؤشر على فشل المدرس في مهمته التربوية/التعليمية
عبدالقادر كتــرة
لم يتوقف اللجوء إلى وسائل العقاب الجسدي والنفسي داخل المؤسسات التعليمية، خاصة في المدارس الابتدائية والإعدادية المحتضنة للتلاميذ صغار السن سواء العمومية او الخصوصية، رغم استهجان جميع الطرائق التربوية والبيداغوجية لها وإجماع علماء التربية وعلم النفس على عدم جدواها بل إفرازها لنتائج عكسية على نفسية المتعلم تولد لديه الكره للمؤسسة التربوية والتعليمية ونفوره منها وتؤدي إلى فشله في الدراسة والتعلم والتحصيل.
أمثلة للعقاب الوحشي
قرر وكيل الملك لدى ابتدائية بني ملال وضع أستاذة بمؤسسة تعليمية خاصة بمدينة بني ملال تحت تدبير الحراسة النظرية، وذلك على خلفية الاشتباه في تعنيفها لتلميذ قاصر يدرس بنفس المؤسسة، حيث اتهمت أسرة التلميذ الأستاذة بضربه على مستوى الرأس متسببة له في فقدان الوعي ونقله في حالة غيبوبة إلى مستعجلات المركز الاستشفائي الجهوي لبني ملال، قبل تحويله إلى إحدى المستشفيات بالدار البيضاء أين يتلقى العلاجات الضرورية.
وكانت المديرية الإقليمية للتعليم ببني ملال قد أكدت، في بلاغ لها، أنها وفور علمها بالحدث، سارعت إلى الـتواصل المباشر مع مختلف الأطراف وتتبع تطورات هذا الوضع بتنسيق مع عائلة التلميذ وإدارة المؤسسة التعليمية، كما أنها قامت بتكليف لجنة إقليمية للبحث والتقصي في الموضوع، من أجل اتخاذ الإجراءات الإدارية المناسبة، كما قامت بالتنسيق والتتبع مع السلطات القضائية المختصة من أجل تحديد حدود المسؤوليات في الموضوع، ومتابعة الوضع الصحي للتلميذ، ومواكبة تطورات حالته الصحية بالتنسيق مع عائلته.
وأضافت المديرية الإقليمية، أنها لن تتوانى في حماية جميع مكونات المجتمع المدرسي من كل مظاهر العنف وأشكاله، وأنها ستتخذ كل التدابير والإجراءات القانونية والإدارية في سبيل ذلك.
حوادث تتكر كلّ يوم في مؤسساتنا التعليمية منها ما يتم فضحه والكشف عنه لما يصل العقاب حدود الوحشية ، والعديد منها يتم التستر عنه وتجاوزه لاعتبارات عدة منها إقرار الجهلة بكونه من مكونات التربية والطرائق التدريس ومنها ما يتكتم عنه الطفل خوفا من مزيد من العقاب ويترك لوحده، رغم هشاشته الجسدية والنفسية، فريسة للرعب والفزع تلازمها تداعياتهما أناء الليل وأثناء النهار قد تبرز من خلال النوم المضطرب والتبول والهلع عند أي حركة أو صوت..
لا يستوعب الطفل المتعلم لماذا يستلذ المدرس بتعنيفه بالضرب واللكم والصفع واستعماله لوسائل متنوعه لإذلاله أمام زملائه، هذا الطفل المتعلم الذي لا حول له ولا قوة إلا البكاء والصراخ والتوسلات أمام مدرس راشد قوي البنية مسلح بجميع “الأسلحة” التي تناسبه من قضبان حديدية وخشبية وأنابيب بلاستيكية، في الوقت الذي كان ينتظر منه أن يحتضنه ويرعاه ويحميه ويدرسه ويحبب له المدرسة كما تتضمنه الأناشيد التي يحفظها الأطفال ويحلو لهم ترديدها والتي تعتبر من ركائز التنشئة الاجتماعية.
ولا بدّ من الإقرار أنه رغم كلّ المذكرات الوزارية التي صدرت في موضوع منع وتجنب العقاب الجسدي أو النفسي أو أي وسيلة من الوسائل والأساليب والطرائق العنيفة التي يعتقد أنها كفيلة بتقويم الاعوجاج السلوكي عند الطفل و”ترويضه”، أو “تحفيزه” على العمل والتحصيل، (رغم المذكرات) ما زال عدد كبير من المدرسات والمدرسين سواء في المؤسسات العمومية أو الخاصة يمارسون هذه الأساليب التقليدية في التربية التي تنبذها جميع النظريات العلمية التربوية والبيداغوجية والسيكولوجية الحديثة.
العقاب مؤشر على فشل المدرس
سبق لابن خلدون أن حذر من الشدة على المتعلم، إذ بين أن المبالغة في عقاب المتعلم تضر بنفسية المتعلم، إذ العقاب الشديد يضيق على النفس، ويزرع في المتعلم خلق الكذب والخبث كما قال ابن خلدون، فالمتعلم خوفا من العقاب يلجأ إلى الكذب والنفاق والمكر والخديعة، وهذا هو المقصود بصفة الخبث عند ابن خلدون. وهذه الصفات الذميمة التي ينشأ عليها المتعلم الصغير ليست مؤقتة، بل ستصبح خلقا وعادة كما قال ابن خلدون، وهذا معناه أن ضرر الشدة في العقاب خطير، لأن آثاره لن تزول بتجاوز المتعلم مرحلة الطفولة.
ويعتبر المربون المتخصصون في التربية وعلم النفس أن العقاب البدني وسيلة من لا وسيلة له كأسلوب لردع المتعلم وتقويم سلوكه، لكن سلوك هذا “المربي” ينم عن ضعفه وافتقاده لأساليب التربية الحديثة من حوار ومناقشة وبحث عن الاسباب، وبالتالي عجزه في القيام بمهمته التربوية وفشله في تحقيق العملية التعليمية/التعلمية.
ويعتبرون العقاب البدني أسهل الحلول وأرخصها لأنه لا يكلف المربي عناء ومشقة التحاور وفي الوقت ذاته لا يوصله سوى لنتيجة واحدة “عدم حل المشكل بل تفاقمه مع العقاب”، إذ أن المتعلم لا يتفاعل مع الضرب والسب كأسلوب لتقويم سلوكه ولكنه يتفاعل معه كاعتداء يمارسه عليه الراشد.
“إننا كأساتذة ومربين مسؤولون إلى حد كبير، على تزكية العداء المجتمعي للمدرسة والمدرس، وذلك باعتمادنا لأساليب التربية الكلسية المتحجرة العقيمة، التي لا تنجب سوى أطفالا حاقدين على المنظومة منذ نعومة أظافرهم”.
طرق عقابية وحشية ومهينة
يلجأ بعض المدرسات والمدرسين في المؤسسات الابتدائية والإعدادية وحتى التأهيلية سواء بقناعة أو بحسن نية أو عن جهل إلى طرق وأساليب تقليدية مختلفة ومتنوعة لممارسة العقاب البدني والنفسي قد يلحق أضرارا جسدية بالغة بالمتعلم كما بالمدرس وتتحول إلى جنحة أو جناية يعاقب عليها القانون ويحاكم بها الجاني، منها عدد من القضايا تتبعها التضامني الجامعي ورافع عنها منذ سنوات وهي خير دليل على نتائج وخيمة صدرت عن مدرسين ومدرسات في حالة انفعال وغضب أو جهل.
إن أساليب العقاب المرفوضة تربويا متعددة ومتنوعة ومنها المبتكرة من طرف بعض المدرسين الساديين، وتتمثل هذه الأساليب في الضرب المبرح واللكم والصفع و”الفلقة” والضرب على الأصابع وعلى الأنامل والأظافر وعلى المؤخرة وإرغام الطفل على الوقوف على رجل واحدة والوقوف وجها أمام جدران القسم في زاوية من زواياه والحجز في مكان مغلق والإهمال والتجاهل وعزله عن باقي زملائه ووضعه في طاولة في آخر الفصل والحرمان من فترة الاستراحة والإذلال باستعمال الألفاظ القاسية الحاطة من الكرامة وخصم نقط من معدل المادة المحصل عليه وإرغام التلميذ على كتابة جمل وعبارات لمئات المرات والتشهير به بتعليق عبارات ذلّ واحتقار على ظهره أو على صدره او إرغامه على حمل لوحة مكتوب عليها ما يحيل على حيوان وتطويفه على الأقسام وعرض امام التلاميذ في الساحة وإرغامه على القيام بأشغال مهينة وصعبة كتنظيف المراحيض…
حالات عرفت طريقها على المحاكم
ومن بعض الحالات التي عرفت طريقها إلى المحاكم الضرب بقضيب بلاستيكي، ووفاة بعض التلاميذ نتيجة الضرب، وإصابة عيون بعض التلاميذ، وإدانة بسبب الإقرار باستعمال العنف، وإدانة بسبب ضرب تلميذ ، ووفاة تلميذ بسبب الإهمال وعدم المراقبة، وإيداع أستاذة بمؤسسة للأمراض العقلية بعد الحكم بانعدام مسؤوليتها الجنائية ، ومؤاخذة معلم من أجل الجرح الخطأ، واعتقال ومحاكمة بغرفة الجنايات بسبب إصابة تلميذ في عينه، وإدانة معلم ومعاقبته بالحبس لضرب تلميذه، وحينما يقود التأديب البدني إلى انتقام الأهل وإدانة القضاء، ووصول بعض التلاميذ إلى حالة نفسية سيئة والتعقيد من دراستهم، وخروج بعض التلاميذ من المدارس بعد كرههم للدراسة.
مذكرات وزارية تحت الغبار
بيّنت جميع أبحاث العلمية والنفسية والتربوية والبيداغوجية أن للعقاب المادي والمعنوي أضرارا خطيرة على المتعلم، إضافة إلى انتشار ثقافة حقوق الطفل والحرية والديمقراطية والإعلان عن حقوق الطفل في العالم وغيرها، كما انخرطت بلادنا في طرق التربية والتعليمية الحديثة وذكرت وزارة التربية الوطنية ، غير ما مرة، بمنع العقاب الجسدي او النفسي واجتنابه عبر موضوع “ظاهرة العقاب البدني في حق التلاميذ” (المرجع : المذكرة الوزارية رقم 99/ 807. بتاريخ 23شتنبر 1999).
جاء فيها ” فقد توافد على مصلحة الشؤون التربوية عدد كبير من الآباء والأمهات يشتكون من العقاب البدني الذي تعرض له أبناؤهم داخل المؤسسات التعليمية، سواء من طرف الأساتذة أو من طرف بعض أطر الإدارة التربوية.
ومعلوم أن العقاب البدني لا يمكن أن يكون وسيلة تربوية ناجعة لتعديل السلوك بسبب الآثار السلبية التي يتركها في نفسية التلميذ، سواء على المدى القريب أو البعيد، والحقد الذي يمكن أن يتولد لديه تجاه المدرسة والمدرسين، مما يخلق أحيانا ردود أفعال مختلفة ضدهم من طرف الأطفال وأوليائهم.
وعليه فإنني أذكر بمحتوى المذكرة الوزارية المشار إليها في المرجع أعلاه، وأطلب من السادة المدرسين ورجال الإدارة التربوية اجتناب أي شكل من أشكال العنف الجسدي أو النفسي ضد التلاميذ واللجوء إلى الأساليب التربوية الحديثة لتقويم سلوكهم”.
وذكرت المذكرة المرجع ما لاستعمال العنف والكبت والتسلط من آثار سلبية خطيرة على النمو العقلي والنفسي للأطفال وعلى استقرار ومردودية المدرسين، فضلا عن تناقض هذه الأساليب مع مبادئ الحرية وحقوق الطفل وثقافة الحوار والانفتاح التي تحرص بلادنا على ترسيخها وتنميتها.
كما طالبت المذكرة الوزارة من النواب الإشراف شخصيا على تنظيم عملية تحسيسية واسعة بمشاركة الطر التربوية تهدف إلى تعريف المديرين والمدرسين والمفتشين بمخاطر ظاهرة العنف بالمؤسسات التعليمية وآثارها السلبية نفسيا وتربويا وأخلاقيا على التلاميذ والمربين على السواء، كما تستهدف حثّ الجميع على التحلي بروح التسامح واحترام الكرامة الانسانية وكرامة الطفل على الخصوص وذلك بتقبل حرية الرأي والتعبير وتشجيع الإبداع والتفتح.
القانون الجنائي المغربي يجرم العقاب في حق المتعلم
ويعاقب القانون الجنائي في المغرب العقاب البدني في حق المتعلم، وحقوقيا يعتبر ” إعلان حقوق الطفل” و”اتفاقية حقوق الطفل” العقاب البدني مسا بكرامته. أما على المستوى فالتعنيف النفسي له تأثير سلبي على قابلية المتعلم للاكتساب، وعلى مواظبته واتجاهه نحو المدرسة والمدرسين، وانخراطه في الأنشطة المدرسية، حيث يغيب الحماس والإقبال على الدراسة، وتخبو الرغبة والتلقائية وحافز التعلم… وكلها عوامل هامة، كما هو معروف، في نجاح العمل التربوي، وغيابها يحل محله الخوف والانطواء والكراهة (الصامتة التي قد تنقلب إلى أعمال عنف) ضد المربي والمدرسة، وقد يكون التعنيف الجسدي والمعنوي، من أسباب التعثر الدراسي والهدر(وحتى الانحراف).
ولذا حث علماء التربية والنفس على تجنبه، ودعوا إلى تفهم شخصية الطفل وحاجاته وخصائصه النفسية، واللجوء إلى الأساليب والوسائل التربوية، لمعالجة أخطائه وعثراته، وحتى شيطنته وأفعالِه غير اللائقة .