عصابة البرنوصي نموذج للعنف والإجرام!
اسماعيل الحلوتي
في أوج ترقب المغاربة للحظة إنهاء الحكومة مفعول قرار إغلاق الحدود الجوية، فإذا بهم يستيقظون صباح يوم الثلاثاء 25 يناير 2022 على صدى شريط فيديو زلزل مواقع التواصل الاجتماعي بما يتضمنه من أحداث خطيرة، أبطاله شبكة من الجانحين الذين جعلوا من الطريق الرابط بين حي التشارك ومنطقة “السبيت”، مسرحا مفتوحا لعملياتهم الإجرامية الشنعاء.
حيث أن الشريط يوثق بالصورة والصوت مشاهد مرعبة عن تنفيذ تلك العصابة لاعتداءاتها الخطيرة أثناء ساعات متأخرة من الليل، من خلال اعتراض سبيل السيارات والحافلات والدراجات النارية بالسيوف والرشق بالحجارة. وقد شملت إحدى حملاتها العدوانية مواطنا كان يمتطي دراجة نارية، وألحق به أفرادها إصابات بليغة كادت تودي بحياته لولا الألطاف الربانية، مما جعله يربط الاتصال بمصالح الشرطة التي تفاعلت مع شكايته بالجدية والسرعة اللازمتين.
وبناء على تلك الشكاية وتفاعلا مع مقطع الفيديو المتداول على نطاق واسع بين المواطنين عبر الشبكة العنكبوتية، الذي يظهر بوضوح قيام أفراد الشبكة الإجرامية بمداهمة مستعملي الطريق بالأسلحة البيضاء والحجارة وتعريض سلامتهم للخطر، باشرت السلطات الأمنية المختصة بولاية مدينة الدار البيضاء بحثا سريعا أثبت التحريات الأولى أن الأمر يتعلق بمنطقة البرنوصي، وأسفرت عن إيقاف أربعة من المشتبه بهم تتراوح أعمارهم ما بين 18 و19 سنة، ثلاثة منهم من ذوي السوابق القضائية.
وفي أعقاب عملية تمشيط واسعة وبتنسيق مع نظيرتها بالعاصمة الاقتصادية أوقفت عناصر الشرطة بواد زم صباح يوم الجمعة 28 يناير 2022 شخصين يبلغان من العمر 20 و22 سنة، على متن حافلة للنقل العمومي فور وصولهما للمدينة، للاشتباه في كونهما من بين المتهمين بارتكاب أفعال إجرامية في إطار عصابة متورطة في اعتراض مسار الناقلات والسيارات في الشارع العام بغرض السرقة بالعنف، وإلحاق خسائر مادية بممتلكات الغير في منطقة البرنوصي. وقد تم تقديم المشتبه بهم أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ومتابعتهم بتهمة “تكوين شبكة إجرامية والسرقة بالعنف”.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن مقتضيات الفصل 293 من القانون الجنائي المغربي تعتبر أن “كل عصابة أو اتفاق، مهما تكن مدته أو عدد المساهمين فيه، أنشئ أو وجد للقيام بإعداد أو ارتكاب جنايات ضد الأشخاص أو الأموال، يكون جناية العصابة الإجرامية بمجرد ثبوت التصميم على العدوان باتفاق مشترك” وتتراوح العقوبة من خمس سنوات إلى عشر سنوات للأفراد، ومن عشر سنوات إلى عشرين عاما ل”زعيم” العصابة.
ومهما بلغت مدة العقوبة في حق أفراد عصابة البرنوصي ومن يتزعمها على أفعالهم العدوانية المقيتة، فإنها للأسف الشديد لن تكون الأخيرة ما لم تتضافر جهود الجميع للحد من ظاهرتي العنف والإجرام المتفاقمين بشكل رهيب في بلادنا، والتي بلغ بعضها إلى حد القتل والتمثيل بالضحايا. إذ لم يعد هناك أحد في منأى عن أن تطاله يد العنف، التي يمكنها أن تباغته في كل لحظة وحين، ليس فقط في جنح ظلام الليل، بل حتى خلال وضح النهار وأمام أعين الجميع، في الشارع كما في محطة الحافلات كما في الأسواق والملاعب الرياضية وغيرها، مما جعل عديد الأسر المغربية تفقد طعم الشعور بالأمن والأمان وتعيش حالة من القلق والهلع، خوفا على أفرادها وممتلكاتهم الشخصية التي باتت أكثر عرضة للنهب والسلب، تحت التهديد بالسلاح الأبيض أو الاعتداء الجسدي في أجواء تعطي الانطباع بانعدام القانون وانتشار الفوضى والتسيب، حيث أنه ما إن تتلاشى أصداء جريمة هنا حتى تظهر أخرى هناك، في مسلسل إجرامي خطير ومرعب.
إذ تشير بعض التقارير والإحصائيات الرسمية والدولية إلى أن معدلات الجريمة في ارتفاع متواصل خلال السنوات الأخيرة، وتتزايد معها المطالب الشعبية بإشاعة الأمن والعمل على محاربة الظاهرة. ففي تقرير صادر عام 2019 عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات، تم تسجيل زيادة سنوية في جرائم القتل، بلغت نسبتها 2,1 في المائة من كل 100 ألف حالة وفاة، وأشار أيضا إلى أن عدد هذه الجرائم عرف ارتفاعا خلال عام 2017 حيث بلغ 761 حالة مقارنة مع سنة 2016 التي لم يتجاوز عددها سوى 594، في حين أن عام 1990 عرف فقط 89 حالة قتل. فما هي أسباب تنامي ظاهرة العنف وتوالي الجرائم؟
وجوابا على هذا السؤال وغيره كثير، يرى بعض الخبراء أن أسباب تنامي ظاهرتي العنف والإجرام تعود إلى تداخل عدة عوامل، منها مثلا تراجع دور الأسرة والمدرسة ومؤسسات الحماية الاجتماعية وضعف القيم والفقر والأمية والبطالة والهدر المدرسي وتنامي أحزمة البؤس في ضواحي المدن، وترويج الحبوب المهلوسة والمخدرات… ويقول أحد الباحثين في علم الاجتماع إن “الديناميكية المجتمعية الحديثة التي تأتي في سياق ظاهرة العولمة، ضاعفت من نفوذ سلطة الجناة بعدما تجاوزت تلك الصور التقليدية منها، وفي النتيجة نشهد تحولات جذرية، حيث انتقلنا من النزعة الفردية للإجرام إلى النزعة الجماعية”.
إن مسؤولية مكافحة الجريمة والتصدي لمختلف مظاهر العنف لا تنحصر فقط في الأجهزة الأمنية رغم أهمية دورها المركزي، بل هي مسؤولية الجميع من المواطن البسيط إلى الأسرة والمدرسة وعلماء الدين والسلطات العمومية والمنتخبين، من خلال السلطة التشريعية في سن قوانين تواكب تطور الجريمة، وترسيخ قيم المواطنة وروح المسؤولية الاجتماعية، وإعادة الروح إلى دور الشباب والأندية الرياضية والثقافية والتصدي للجرائم الإلكترونية وترويج المخدرات بمختلف أصنافها…