“البوليساريو” من الشيوعية إلى التشيع عبر التطرف تحت مظلة الجزائر وإيران
عبدالقادر كتــرة
انطلاقا من سنة 1970 تم فتحت كوبا تحت زعامة الراحل “فيديل كاسترو” بطلب من المقبور الرئيس الجزائري بوخروبة المدعو هواري بومدين، العديد من معسكرات التدريب العسكري بالجزائر لمرتزقة “بوليساريو” الانفصالية، وبدعم مالي ولوجيستيكي من المُطارد من شعبه العقيد معمر القذافي” المقتول في قناة للصرف الصحي مثل جرذ، باسم الاشتراكية الأممية والمعسكر الشيوعي والاشتراكية العربية في مفهوم جمال عبد الناصر .
وتكلف “تشي غيفارا” (زعيم حرب عصابات وقائد عسكري وشخصية رئيسية في الثورة الكوبية، كما أنه ثوري ماركسي أصبح أيقونةً في عالم النضال الشيوعي) في “هافانا” بأن أطر عصابة “بوليساريو” في الجزائر، قبل إرسالهم إلى كوبا لتلقي تكوينهم في النظرية الماركسية، وكانت المسألة هي كيف يمكن التوفيق بين كل هذا والدين الإسلامي، ولكن هذا لم يمنع مئات الصحراويين من الذهاب إلى كوبا لتلقي تكوين كأطر سياسية، وآخرين ذهبوا كطلبة، بل هناك حتى أطفال تم انتزاعهم من عائلاتهم بالقوة ليتم تمدرسهم بكوبا (جزيرة الشباب)…
وانطلاقا من سنة 1970 تم فتح العديد من معسكرات التدريب العسكري بالجزائر، وما بين 1971 و1972 تغير اسم “حركة تحرير الصحراء” إلى “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” (البوليساريو)… وسوف يحفظ التاريخ بأن أقدم منظمتين مسلحتين مازالتا موجودتين فوق الأرض “إيتا” و”البوليساريو” وتم تطويرهما من طرف كوبا، والثانية على الخصوص من طرف “تشي غيفارا” نفسه.
يقول “خوان فيفيس” (في كتابه عن كواليس النظام الكاستري، الذي خدمه مدة عشرين سنة قبل أن يهاجر لاجئا إلى فرنسا سنة 1979) : “ساعدت الصحراويين في البداية عندما كان صراعهم يتخذ شكل حركة سياسية، وبعد ذلك في إطار الكفاح المسلح، أما اليوم فقد تأسلم البوليساريو والتحق به مئات الأعضاء من القاعدة بعد هزيمتهم في أفغانسان، ولكن هذه قصة أخرى”.
هذا يحيلنا إلى مقال نشره أحد المواقع الإلكترونية الدعائية لجبهة البوليساريو الانفصالية بعنوان “كيف تحول المحجوب محمد سيدي” من موالي لتنظيم ”القاعدة” إلى مدير للتوجيه الديني بالحكومة الصحراوية ؟
هذا الداعية الديني للبوليساريو الخطيب في المخيمات هو “”المحجوب محمد سيدي” له خلفية إرهابية حيث كان من مجموعة تطلق على نفسها “أنصار الشريعة”، وكان أحد رجالات تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” في الوقت الذي كان يشتغل فيه إماما بسيطا بالمخيمات يروج لأفكار هذا التنظيم الدموي… والغريب أن رجلا بهذه الخلفية الإرهابية في عهد الراحل “محمد عبد العزيز”، يصبح مديرا للتوجيه الديني في المخيمات بتندوف في عهد ابن بطوش الملقب ب “إبراهيم غالي” زعيم الانفصاليين دمية النظام العسكري الجزائري، وهذا يؤكد بأن البوليساريو استعانت برجل ذو فكر متشدد”، الأمر الذي يؤكد صفة الإرهاب بهذه الجماعة الانفصالية.
وسبق، حسب نفس المصدر، أن تم اعتقال “المحجوب محمد سيدي” في شهر يناير من سنة 2010، من طرف فرقة أمنية خاصة جزائرية التي حلت بالمخيمات، وحجزت لديه عدة أسلحة من نوع “كلاشينكوف” و20 كيلوغرام من مادة TNT الشديدة الانفجار، بالإضافة إلى مبالغ مالية بالعملة الصعبة ، ومراسلات مع “عبد المالك دروكدل”، زعيم تنظيم “القاعدة بالمغرب الإسلامي”، وهو الاعتقال الذي جاء بالتزامن مع إقدام السلطات الموريتانية، يوم 24 يناير 2010، على اعتقال ثلاثة عناصر صحراوية موالية هي الأخرى لتنظيم القاعدة، و يتعلق الأمر بكل من : “نفعي محمد امبارك” و”محمد سالم الركيبي” و”محمد سالم محمد علي”….
“عملية اعتقال “المحجوب محمد سيدي” من طرف فرقة أمنية جزائرية تطرقت لها العديد من المنابر الإعلامية، من بينها مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، يضيف الموقع البوليساري الدعائي، وقالت بأن الاعتقال تم تأكيده من قبل خبراء في المنطقة مثل “عبد الحميد بكير”، من مؤسسة الفكر الأمريكي المرموقة المتخصصة في قضايا الإرهاب، ومؤسسة “جيمستاون”، و”كلود مونيكيه”، رئيس “المركز الأوروبي للاستخبارات الإستراتيجية والأمن”(ESISC)…. كما تطرقت له مجلة “جون أفريك”، في عددها ليوم 08 نوفمبر 2012، تحت عنوان ” MALI : POLISARIO CONNECTION”.
كلّ الدلائل تشير إلى وجود جنود إيرانيين ومقاتلين من حزب الله اللبناني الإرهابي في مدينة تندوف بالجزائر من أجل تدريب وتقديم الدعم لمرتزقة “البوليساريو”، وهو ما يؤكده تصريح ابن بطوش الجزائري الملقب بإبراهيم غالي دمية الجنرالات زعيم الانفصاليين في حوار تلفزيوني، نقلته مزبلة الأنباء الجزائرية وقنوات الصرف الصحي الجزائرية، “أن قوات الجبهة باتت مرغمة على تطوير كفاحها المسلح، وأن عملية تطوير الكفاح ستكون بطريقة تتماشى مع التطورات التي يشهدها النزاع في الصحراء الغربية. ورأى أنه من الضروري عدم استباق الأحداث نظرا لأن الحرب تفرض قانونها الذي يتماشى مع الأساليب الجديدة”.
أحد المواقع الإلكترونية الموالية لجبهة “بوليساريو” أكد بما ليس فيه شكٌّ إرسال بعثات إلى إيران ولبنان بهدف الدراسة والتدريب على استعمال أنواع من الأسلحة حيث عنون مقاله ب” من الشيوعية إلى التشيّع: أدلة تقنية تكشف إرسال القيادة الصحراوية لبعثات إلى إيران من أجل الدراسة والتدريب…. !!”.
ومما جاء في المقال الذي يدين المرتزقة والنظام العسكري الجزائري:” تورط القضية الصحراوية لا يقف عند هذه الحدود، والمغامرة التي تقودها القيادة الصحراوية والحليف الجزائري بتوزيع أسهم الدولة الصحراوية على الدول المارقة والكيانات الشيطانية، تزداد كلما ضعف حضور القضية السياسي في المجتمع الدولي وكلما زادت الرباط من الضغوط أمميا..”.
وأضاف : “قيادة بوليساريو والحليف الجزائري تعاقدا سرا مع طهران، كي تعوض كوبا وليبيا في تكوين المقاتلين، وفتح أبواب الثكنات والجامعات في وجه من لم يستطع اللحاق بالجامعات الجزائرية، بعدما تخلت دول كثيرة عن القضية الصحراوية بينها كوبا وفنزويلا وليبيا وسوريا ونيجيريا وحتى جنوب إفريقيا…، التي انطفأت جمرتها وبردت نارها ولم نعد نجد فيها ذلك الدعم القوي”.
واختتم الموقع مقاله الذي يدين بصراحة ووضح قيادة بوليساريو وعرابها النظام العسكري الجزائري ب:” يكشف تورط قيادتنا الصحراوية بمباركة من الجزائر في التطبيع مع إيران، ويبرر للمغرب تطبيعه العسكري بصفقات مجنونة مع تل أبيب، ويفضح وجود رابط قوي بين الدولة الصفوية والقضية الصحراوية، والمثير للخوف أن الجالية الكبيرة التي تتابع دراستها وتكوينها العسكري بإيران، ستعود عما قريب إلى المخيمات من أجل تحويل العقيدة العسكرية للجيش الشعبي الذي سيصبح تكوينه قريبا من الشكل “الحوثي” في اليمن، والمصيبة أن المقاتلين سينقلون إلى المخيمات كل مظاهر التشيع وسيقضون على العقيدة السنية و سيمنحون لطهرن الذريعة للتواجد بعيدا عن حدودها بآلالف الأميال، وستنحرف قضيتنا عن مسارها لتصبح قضية تصلح فقط لتصفية الحسابات بين الشيعة والسنة”.
كشفت صحيفة “تاغس شبيغل” الألمانية، عن تزويد إيران لجبهة البوليساريو بصواريخ أرض-جو، والإشراف على معسكرات تدريب انفصاليي الجبهة في الجزائر بتعاون مع حزب الله.
وذكرت الصحيفة في مقال تحليلي، أن إيران مستمرة في التوسع في إفريقيا، بمساعدة جماعة حزب الله، التي تدعمها، خصوصا في إفريقيا الوسطى والكاميرون وغانا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأضافت، أن هناك مجموعات مدعومة بالفعل من طرف إيران وتشن حملات ضد مصالح الغرب والعرب السنة وإسرائيل، وأصبح ذلك جليا ومعروفا خلال تفكيك الخلايا الإرهابية في إثيوبيا وأوغندا.
وأوضحت “تاغس شبيغل”، أن دعم إيران لجبهة البوليساريو نابع من بحثها عن اكتساب نفوذ بالمناطق غير المستقرة، مضيفة، أن الجبهة ستتوصل من إيران بصواريخ أرض-جو، وأيضا تحضر لمعسكرات تدريب مع حزب الله في الجزائر لتدريب انفصاليي الجبهة.
وحذرت الصحيفة، من إستراتجية طهران التوسعية، وقالت إن قضية الصحراء هي مجرد مؤشر آخر للمجتمع الدولي من أجل التحرك لاستئناف المفاوضات مع إيران بشأن الاتفاق النووي.
وفي ماي 2018، قررت المملكة المغربية، قطع علاقاتها الدبلوماسية بإيران، كرد فعل على تورط أكيد لإيران من خلال حزب الله مع جبهة البوليساريو ضد الأمن الوطني ومصالح المغرب العليا.
وسبق لوزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة، أن أكد “أن إيران تتطلع إلى الاستفادة من دعمها لـ “البوليساريو” من أجل توسيع هيمنتها في منطقة شمال وغرب إفريقيا، لاسيما في البلدان الواقعة على الواجهة الأطلسية، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق هنا بواجهة “للهجوم الذي تشنه طهران في إفريقيا”.
وأوضح بوريطة في حديث للموقع الإخباري الأمريكي “بريتبار” في شتنبر 2018، أن “إيران ترغب في استخدام دعمها لـ البوليساريو لتحويل النزاع الإقليمي بين الجزائر والجبهة الانفصالية من جهة، والمغرب من جهة ثانية، إلى وسيلة تمكنها من توسيع هيمنتها في شمال وغرب إفريقيا، وخاصة في الدول الواقعة بالساحل الأطلسي”.
وأبرز أن “البوليساريو” ليست سوى جزء من “نهج عدواني” لإيران اتجاه شمال وغرب إفريقيا، مشيرا إلى أن الجبهة الانفصالية تعد منظمة “جاذبة” بالنسبة لطهران وحزب الله، محذرا من “الارتباط” القائم بين حزب الله و”البوليساريو”، والذي يكتسي، بحسبه، طابعا “جد خطير” بالنسبة لشمال إفريقيا، وموضحا” أن “البوليساريو”، التي تعتبر حركة عسكرية، تمثل “عاملا إيجابيا لإيران لكونها تعرف المنطقة. وهم (عناصر البوليساريو) مهربون (..) وملمون بالطرق”.
كما لفت وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، الانتباه إلى أن إيران حاولت إيجاد حضور لها في المغرب، قائلا :”اليوم، هم (الإيرانيون) يقومون بنفس الجهود بباقي دول شمال إفريقيا. ويستقطبون بعض شبابنا عن طريق تمكينهم من منح دراسية”، مضيفا أن طهران تطلق أعمالا “تبشيرية” لدى الجالية المغربية المقيمة بالخارج، لاسيما في بلجيكا”.
من جهة أخرى، أكد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن الأمن الروحي للمغاربة وللقارة الإفريقية يعتبر من بين الأولويات للتصدي للأطماع الإيرانية في القارة.
ولفت وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي، خلال مناقشة عدد من الاتفاقيات الدولية بمجلس النواب، الأسبوع الماضي، حسب تقرير نشرته لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج، إلى أن إيران تحاول الدخول إلى غرب إفريقيا لنشر المذهب الشيعي.
كما شدد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج على أن “مساندة المغرب لما تعرضت له إمارة أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة كان رسالة واضحة للتنديد بتجاوزات الحوثيين وبسياسة إيران التي تقف خلفهم”.
بوريطة تطرق كذلك إلى أهمية البعد الثقافي في إفريقيا، والحضور القوي للمغرب من خلال بعده الإفريقي العميق، مبرزا أن “الاتفاقيات ذات البعد الثقافي يمكن أن تساهم في استرجاع المآثر الثقافية المتواجدة بالقارة الإفريقية”.
وكان المغرب أعلن سنة 2018 قطع علاقاته مع إيران، بسبب إشرافها على تدريبات عسكرية لجبهة “البوليساريو” عبر عناصر من حزب الله الموالي لها في لبنان.
من جهة أخرى، اعتبر بوريطة أن للمغرب “العديد من الأدوات للتأثير على المستوى الدولي من خلال آليات الدين والثقافة والأمن”، مشيرا إلى أن “هذا يعكس مدى تنوع أدوات التأثير الدولي التي تتيح له العطاء والاقتراح في مجموعة من الاتفاقيات الموقعة”.