قراءة في منطق الحرمان من الترقية : هيئة التدريس في الإبتدائي والإعدادي نموذجا .
1/ لمحة تاريخية :
يعتبر قطاع التعليم في المغرب كما في سائر البلدان، من أضخم القطاعات الحكومية وأوسعها تجذرا في النسيج المجتمعي . أليس هو الذي يدبر كتلة هائلة من الموارد البشرية واللوجيستيكية وما يستدعي ذلك من ميزانيات معتبرة للوفاء بالطلب المتزايد على خدمة هي خاضعة دوما لوثيرة التزايد المتسارعة.
الدولة ،وعيا منها بأهمية القطاع ومركزيته في السياسات الحكومية ، ودوره في أي اقلاع اقتصادي واجتماعي، عمدت إلى مواكبته بالإصلاحات الضرورية التي افترضها التطور الطبيعي للبنيات المجالية والبشرية.
إن قراءة مسحية لمحطات المشاريع التي حضي بها قطاع التعليم في عهد ما بعد الإستقلال ، بدءا بإنشاء اللجنة العليا لإصلاح التعليم سنة 1957 مرورا بحوالي ثلاثين محطة تراوحت ما بين اعتماد التعريب في التعليم و إلغاءه وبين مناظرات ومشاريع إصلاح وإصلاح الإصلاح ، وهيكلة لمصالح الوزارة لا تخلو من مزاجية ،ضما وفصلا ، وانتهاء بالرؤية الإستراتيجية 2015/ 2030 ، قراءة أبانت بوضوح لا تخطئه العين أن المورد البشري لم يحظ بنفس البال الذي حظيت به أولويات أخرى عند الوزارة ، لربما بسبب بساطة تركيبة الهيئة التعليمية في بداية تشكلها ، فقد كان موظفو وزارة التربية الوطنية سنة 1967 مثلا مقسمين إلى صنفين: رجال التعليم، ورجال الإدارة وكانت كل فئة تخضع لنظام خاص بها. وبصدور مرسوم اكتوبر 1985 أعادت الوزارة ترتيب أسلاك موظفيها وصنفتهم في سبع هيئات وأقرت مبدأ الكفاءة الواحدة وعملت بالترقية الداخلية لأول مرة ، إلا أنه، ومع استمرار الإختلالات الهيكلية والوظيفية وبعد أن طفت نقائص هذا النظام على السطح ، جرى حوار مع النقابات توج بإصدار نظام أساسي جديد سنة 2003 والذي من جملة ما أبدعه تقليص الهيئات التعليمية إلى خمسة وإقرار السلم 11 (الدرجة الأولى) بالنسبة لأساتذة الإبتدائي والإعدادي والملحقين.هذا النظام ستدركه بدوره عوامل الشيخوخة وسيصير ضروريا البحث عمن سيعوضه بعد أن فقد، كسابقه، راهنيته وحجية وجوده.
2/ نظام أساسي لا يخلو من مآسي :
لنبدأ أولا بالنظام الأساسي لأكتوبر 1985 والذي عايشته في بداية مساري المهني . لقد كان ثوريا في زمانه وأكثر جرأة على ابتداع الحلول لحالة التشتت والبدائية التي عرفها القطاع آنذاك. فقد عمدت الوزارة الى ترتيب موظفيها في سبع هيئات وأقرت إجراء الإمتحان المهني لتجسيد مبدأ الكفاءة والترقي على أساسها وضمان ترقية مفتوحة الى حدود السلم10 . وبعد أن استنفذ هذا النظام شروط وجوده وأصبح متجاوزا ،سارعت النقابات الى مفاوضات مع الحكومة الإشتراكية توجت باعتماد نظام جديد في فبراير 2003 ،هذا النظام وإن حافظ على المكتسبات السابقة، فإنه أبقى على الإنسداد في منظومة الترقي بتحديد السلم 11 كأقصى درجة يمكن لأطر الإبتدائي والإعدادي الوصول إليه، وهذا لعمري ضرب من لمبدأ الإنصاف واستهتار بإمكانات هذه الأطر ووأد لطموحها وتضحياتها في ظروف الله وحده يعلم شدة وطأتها . ويبقى عيب هذا النظام عند تحججه في حرمان شريحة واسعة من أطرالوزارة من ترقية مفتوحة هو أن هؤلاء لهم نظام خاص بهم يعزلهم عن نظام الوظيفة العمومية ، ذلك الذي أقر في مرسوم 2005 بالسماح لجميع الموظفين بولوج الدرجة الممتازة (خارج السلم) واستثنى من لهم أنظمة خاصة .
هنا سينشأ مفهوم الإقصاء وسيترعرع بين أحضان الإختلالات المزمنة للقطاع، تلك التي أدخلته غير ما مرة غرفة الإنعاش. ومنه ستنبثق تنسيقية تصدح حناجرها بمطالب هي في الأصل حقوق ثابتة ، تنسيقية ضمت كل المتضررين الواقفين طوابير أمام باب الإقصاء ، والمنتظر وقوفهم بعد استكمال الشروط النظامية ، تحت إسم: التنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية المقصيين من خارج السلم ، عقدت أول مجلس تأسيسي لها في أكتوبر 2018 ، ثم توالت المحطات الاحتجاجية بأشكالها المختلفة سعيا وراء إحقاق مطلب من الحكمة التعجيل بتلبيته .
3/ الإتفاق الموؤود :
مواكبة لأوراش الإصلاح المفتوحة التي يشهدها المغرب والتي أعطاها عاهل البلا د الملك محمد السادس في خطاب التاسع من مارس التاريخي أفقا جديدا نحو إرساء منظومة دستورية عصرية من أجل تحديث هياكل الدولة ومؤسساتها، وبتزامن مع ما اصطلح عليه بالربيع العربي الذي زعزع التمثلات القائمة على التسليم بفكرة “ليس بالإمكان أبدع مما كان” ، جرى اتفاق تاريخي غير مسبوق بين المركزيات النقابية والحكومة التي كان يرأسها وقتذاك الإستقلالي الأستاذ علال الفاسي وذلك بتاريخ 26 أبريل 2011 تركزت أهم نقاطه فيما يلي:
_ تحسين الدخل بضخ 600 درهم صافية في أجور الموظفين.
_تحسين منظومة الترقي بمراجعة الأنظمة الأساسية للهيئات ذات المسار المهني المحدود ( فتح درجة خارج السلم) .
_إصلاح منظومة التقاعد.
لكن ولمكر الصدف، شاءت الظروف أن يرمى بهذا الملف، المصيري بالنسبة للكثيرين، بين أيدي حكومة ساقها القدر إلى شعب مسالم يثق في كل من يعده بنعيم أو عيش كريم. إنها حكومة الأستاذ عبد الإلاه بنكيران رجل المرحلة آنذاك ، حيث تم الإلتفاف على هذا الإتفاق بطرق التسفيه أولا ثم التجاهل ثانيا إلى أن اقترب من حافة النسيان .
الأن ، وبعد يأس مستفحل من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإنعاش هذا الإتفاق التاريخي المجهض، لم يبق أمام الشغيلة المتضررة غير تعبئة إمكاناتها الذاتية المتواضعة وذلك بالتكتل في تنسيقيات للدفاع عن ملفات عجزت النقابات عن فرضها في جلسات الترافع ،وهذا ما تفعله الأن بكل صمود ونكران ذات. عين متحسرة على الإتفاق الموؤود وأخرى متطلعة إلى ما سيسفر عنه الإتفاق المسنود.
4/ الإتفاق المسنود :
في 18 يناير من سنة 2022 وفي شبه سبات نقابي شتوي تتخلله بين الفينة والأخرى استفاقة توحي بالحضور الميداني،لكن لا تلوي على شيء ، التأم مرة أخرى شمل اتفاق جديد بين الحكومة الحالية التي لم يمر على تنصيبها إلا بضعة أشهر والنقابات الخمس ذات التمثيلية ، ولا نخفيكم سرا إن قلنا أن الكل يعلق آمالا عريضة على هذا اللقاء ، بالنظر أولا إلى أن الطرف الحكومي كان قد وعد ببرنامج اجتماعي وحدد معالمه بوضوح. وثانيا لأن الحوار القطاعي المتعلق بالتعليم كان قيد الإجراء مع الحكومة السابقة، وأضحى من الضرورة متابعته عوض تجميده أو إلغائه والعودة إلى المربع الأول.لكن يعاب على هذا النظام أخذه باليسير والسهل المتاح على حساب الملفات الضاغطة والسابقة زمنيا ، تلك التي تتعلق بهيئة التدريس التي خرجت صفر اليدين بعد لقاءات ماراطونية حسمت لصالح هيئة الإدارة التي كان من الصواب معالجة ملفها ضمن النظام الأساسي المرتقب . فهل النظام الأساسي يهم هيئة التدريس وحدها؟ لا بد إذن من التذكير بأن الإنسياق وراء الحلول السهلة تحت ذريعة احترام منهجية من نوع ما أو شكل ما ، من شأنه تعقيد الأمور وإنتاج المزيد من الضحايا وتعميق معاناتهم أكثر. كيف تتم الإستجابة القياسية لملفات بعينها لاحقة زمنيا على ملف الإقصاء الذي تكابده هيئة التدريس منذ أكثر من 11 سنة بحجة عددها الكبير؟ إن ترجيح كفة خفيفة على أخرى ثقيلة ضدا على القوانين الفيزيائية والإحتجاج بالكلفة المالية لهو البؤس التدبيري ذاته ، لهذا بات ضروريا إعادة ترتيب الأمور على قاعدة الإنصاف أولا بأول وعلى النقابات مسؤولية عدم التنازل عن دورها التفاوضي الذي هو علة وجودها ،لانه يخشى أن يتحولوا إلى مجرد كتلة من موظفين مستشارين للوساطة بدل مفاوضين حقيقيين .
إن هذا الاتفاق المسنود من قبل الأطراف الموقعة عليه يهمها هي وحدها ولا يهم هيئة التدريس الذي استمر الأفق أمامها مسدودا وأحيلت إلى نظام أساسي مبهم المعالم.
5/ مشاكل قائمة واحتجاجات دائمة :
هنالك قاعدة يحفظها المناضلون والنقابيون جيدا هي: “نل ثم طالب” هذه القاعدة هي عمليا الآن في طريق الإنقراض بسبب إصرار الحكومات المتعاقبة على تغييب الشطر الأول منها ، لكن من يا ترى سيحييها ويراهن عليها من غير الضحايا الذين يتعرضون للإقصاء ويستبعدون من دائرة الإهتمام الذي هم أجدر به من غيرهم، فلا أحد يجادل في أن الحياة يفترض أن تعاش بكرامة ، وأن للكرامة توابل يجدر بنا إضافتها وهي الإنصاف والمساواة وعدم الإرتهان إلى التمثلات الخاطئة . فهيئة التدريس ضاقت ذرعا بأساليب التسويف المفضي لليأس ، دعوها تتفرغ لما خلقت من أجله وهو التفرغ لتجويد الممارسة ، فغياب المشاكل أو التقليص من حدتها يعني بالضرورة خفوت صوت الإحتجاج .
محمد اقباش / عضو مؤسس في التنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية المقصيين من خارج السلم