الصاروخ في جرادة
محمد شحلال
في أواخر الستينات من القرن الماضي،وخلال ارتيادنا لثانوية سيدي محمد بن عبد الله،كانت الحلقة متنفسا لأبناء المدينة،في ظل شح وسائل الترفيه.
كان ممتهنو الحلقة يفدون على المدينة العمالية خاصة مع اقتراب صرف الأجور،حيث لا يبخل العمال على صانعي الفرجة بجزء من عائداتهم الزهيدة
كانت الحلقة تنشط عشية يوم السبت، لتبلغ أوجها صباح اليوم الموالي الذي يلتئم فيه السوق الأسبوعي.
تحول بعض،،الحلايقية،،الى زوار منتظمين للمدينة العمالية،وأصبح لهم عشاقهم،بل ان من هؤلاء ،،الحلايقية،،من أقام بجرادة شهورا طويلة.
لعل الناس يذكرون كيف كان ،،لشيوخ الفلكلور،،وفرق،،أحواش،، مريدون كثيرون،لا سيما وأن أبناء ،،سوس،، المقيمين بالمدينة العمالية،كانوا يعيشون بعيدا عن أزواجهم الا في حالات محدودة مما جعلهم يقبلون على الاستمتاع بالفرق التي تنقلهم الى أجواء،،تامازيرت،،!
واذا كان تردد ممتهني فن الحلقة،قد تحول الى شبه تقليد يصرف بكثير من الانسيابية،فان شخصا مميزا قد بصم المدينة أواخر الستينات بلوكه وشخصيتيه المميزين.
شاءت الصدفة أن يتزامن تجولي في الفضاء الذي يختاره رواد،،الحلقة،،ذات يوم مع تزاحم حشد من الناس وهم يقتفون عن بعد، حركات رجل ضخم البنية وهو يقفز بشكل غريب ،حيث يجعل رأسه أسفل الجدران، بينما يرفع رجليه الى الأعلى،قبل أن يستأنف مساره،ليرفع شابا او رجلا ممن يمر أمامه وكأنه يرفع دجاحة !
كنت أتابع مشاهد هذا الرجل المرعب من بعيد، والناس يتأملون رأسه الحليق وبنيته الاستثنائية،قبل أن يتوقف فجأة ويتحلق الفضوليون من حوله وهم لا يخفون توجسهم من هذا ،،الوحش،، الأدمي الذي يطأ تراب المدينة لأول مرة !
عندما انتظمت الحلقة،واطمأن الحضور،شرع الرجل الضخم يعرف بنفسه،حيث أوضح بأسلوبه المراكشي،بأن،،أمريكا،، صنعت صاروخين،صعد أحدهما الى الفضاء،بينما يجسد هو الصاروخ الأرضي الذي حل فجأة بالمدينة !
تمكن،،الصاروخ،،من اجتذاب كثير من الفضوليين بأسلوبه الذي يوظف فيه الفحش بشكل لافت،وهو ما لم يستهجنه متفرجون يخفون ما لا يوصف من الرغبات المتناقضة الدفينة !
قضى الصاروخ اياما معدودة بمدينة جرادة،ثم اختفى،وكان علي أن أنتظر سنوات عديدة قبل أن أعرف هذا الرجل في عرينه،،جامع الفنا،،بمراكش.
في أول زيارة لمدينة،،البهجة،،سنة1976،وخلال استعرض حلقات صناع الفرجة، وقع بصري فجأة على ،،الصاروخ،،وهو ما زال محتفظا بأهم مقومات شخصيته،غير أنه اختار الجلوس بهدوء هذه المرة،وراح يوظف مجموعة من صوره الشخصية والعائلية لاغراق الحضور في،،مغامراته،،التي يعززها بالكلام النابي تارة، وايات من القرءان الكريم تارة أخرى.
علمت حينئذ بأن الرجل كان من أبرز وجوه الحلقة بمدينة مراكش منذ أوائل الستينات، وكان الناس يتقون شره لما تميز به من قوة البطش التي يسرتها بنيته القوية وعيناه المخيفتان.
امتد نشاط ،،الصاروخ،،الى أوائل التسعينات من القرن الماضي،حيث غادر الدنيا دون أن يغيب ذكره عن أهل مراكش الذين خلدوا شخصيته عبر كتابات عديدة.
رحم الله هذا الرجل الذي زار مدينة جرادة ذات زمان،لكني لست أدري ما ان كان هناك من عاش الفترة وراى ،،صاروخ الأرض، كما قدم نفسه وهو يبصم جرادة بلوك غير مألوف….. محمد شحلال