من تداعيات فوضى الأسعار بالأسواق؟!
اسماعيل الحلوتي
في ظل ما خلفه انتشار جائحة “كوفيد -19” من تداعيات اقتصادية واجتماعية جد موجعة، وبينما الاحتجاجات تتواصل بانتظام وانضباط في أجواء حضارية وسلمية بمختلف المدن المغربية، مستنكرة ومنددة بما أصبحت عليه الأسواق والمحلات التجارية ومحطات بيع الوقود من التهاب حارق في الأسعار، شمل جميع المواد الأساسية الواسعة الاستهلاك والمحروقات، في تزامن واضح مع ما بات يهدد الموسم الفلاحي من جفاف إثر شح السماء وقلة التساقطات المطرية وتراجع حقينة السدود إلى أضعف المستويات في الشهور الأخيرة.
فإذا بالرأي العام الوطني يهتز من جديد على بعد يوم واحد من تخليد الذكرى الحادية عشرة لميلاد “حركة 20 فبراير”، جراء ما عرفه السوق الأسبوعي “حد أولاد جلول” بجماعة بنمنصور ضواحي إقليم القنيطرة من أحداث صادمة، كشفت عن حقيقة الواقع المتردي الذي تعيش على إيقاعه الساكنة هناك. وهو ما يمكن اعتباره إنذارا صريحا للمسؤولين حول ما يمكن أن يترتب من اضطرابات غير محسوبة العواقب عن تواصل موجة الغلاء الرهيب، التي ضربت في مقتل القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، وأحرقت أعصاب المواطنين قبل جيوبهم.
حيث أنه فضلا عما تم تناقله نشطاء الفضاء الأزرق عبر مواقع التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديو توثق بالصورة والصوت لتلك الفوضى العارمة وسرقة صناديق من الفواكه وكافة المواد الغذائية المختلفة، تفيد السلطات المحلية بالمنطقة بأن حركة قوية من التدافع والمشاحنات سجلت داخل سوق “حد أولاد حدو” صباح يوم الأحد 20 فبراير 2022، بسبب ما قام به بعض الوسطاء من سلوكات انتهازية ومضاربات غير مقبولة في أثمان عدد من البضائع والمواد الاستهلاكية، مما أثار سخط واستياء المتسوقين وأدى إلى إشعال فتيل “حرب” شعواء من خلال الرشق بالحجارة شارك فيها أطفال قاصرون. وأنه لولا التدخل السريع للسلطات وإعادة استتباب الأمن لتطورت الأمور إلى ما هو أخطر، لذلك قامت السلطات المختصة بفتح بحث عاجل قصد اتخاذ ما يلزم من تدابير تجاه المتورطين، وفق المقتضيات المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل في البلاد.
وهي الأحداث التي أعادت إلى الأذهان واقعة “رحبة دار أزماط” لبيع المواشي بحي الألفة التابعة لمقاطعة الحي الحسني بمدينة الدار البيضاء، التي عرفت اعتداء شنيعا بالضرب والرشق بالحجارة من قبل مجموعة من الشباب والمراهقين على شاحنات بعض الفلاحين من باعة الخرفان، وسلبهم بالقوة عددا من رؤوس الأغنام يوم 30 يوليوز 2020 على بعد ساعات فقط من حلول عيد الأضحى، في مشهد غريب ورهيب لم يصدق الكثير من المواطنات والمواطنين أن وقائعه جرت في مغرب القرن الواحد والعشرين، مما خلف حينها موجة من الغضب والاستنكار على الصعيد الوطني وفي منصات التواصل الاجتماعي، من جراء هذا الفعل الجرمي المرفوض والمتعارض مع قيمنا الدينية والأخلاقية.
فالحادثان معا انتهيا كما هو معتاد في الكثير من الحالات المماثلة، بتدخل السلطات المحلية والأمنية ورجال الدرك الملكي من أجل تهدئة الأجواء وإعادة الأمور إلى طبيعتها، كلما اندلعت نيران الفوضى العارمة التي تتأجج من حين لآخر في بعض الأسواق، والقيام بتوقيف المخالفين للقانون من المشتبه في تورطهم، الذين غالبا ما يتذرعون بغلاء الأسعار والمضاربة والاحتكار لتبرير ردود أفعالهم المتشنجة. والحال أن المشكل أعمق بكثير من ذلك وقد يظل يتكرر ويتطور بشكل أكثر فظاعة وخطورة ما لم يتم العمل على معالجة الأسباب الحقيقية الثاوية وراء هذه “الانفلاتات” الأمنية الخطيرة.
حيث أن معظم المسؤولين والمنتخبين في بلادنا كثيرا ما يعتقدون أن السجن وحده كفيل بردع المنحرفين والحد من مثل هذه التجاوزات القانونية، وأن معالجة المسألة تقتضي إلى جانب معاقبة الجناة تعويض المتضررين عما لحقهم من خسائر، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لما ذهب إليه الفريق النيابي لحزب الاستقلال، في واقعة سرقة أضاحي العيد سنة 2020، حيث اكتفى بتوجيه سؤال كتابي لوزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، الذي لم يكن حينها سوى رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، حول الإجراءات المتخذة لتعويض الضحايا من الفلاحين الذين سرقت خرفانهم، بدعوى التخفيف عنهم من الآثار السلبية لموسم فلاحي جاف والرفع من معنوياتهم، عرفانا بما يؤدونه من دور كبير في ضمان الأمن الغذائي للبلاد والعباد…
من هنا وبصرف النظر عما أفضت إليه الأبحاث والتحقيقات المنجزة من قبل عناصر الدرك الملكي حول ملابسات حادث السوق الأسبوعي “حد أولاد جلول”، وعن عدد الموقوفين من الأشخاص الذين عمدوا إلى إثارة الفوضى والسرقة بالقوة، وألحقوا خسائر مادية بليغة بممتلكات الغير. وعما اعتمده البعض من مبررات لذلك، حيث أن هناك من عزا الأمر في شموليته إلى الأزمة الاجتماعية الخانقة التي تعيشها جماعة بنمنصور بضواحي القنيطرة وغيرها من الجماعات الترابية في ربوع المملكة، والتي عمقتها تداعيات جائحة كورونا وموجة الجفاف، إضافة إلى تزايد معدلات الفقر والبطالة والتفاوتات الاجتماعية والمجالية.
فإن ما يثير مخاوف الكثيرين هو أن يتواصل تجاهل مطالب المواطنين ويستمر ترك الحبل على الغارب من حيث ارتفاع الأسعار والمضاربات وسيطرة السماسرة والوسطاء على الأسواق، وما يمكن أن ينجم عن ذلك من انفجار للأوضاع في ظل مظاهر الاحتجاج والاحتقان وتواتر الانتقادات اللاذعة للحكومة، التي عجزت عن حماية المواطنين من جشع المضاربين وتوفير الحماية القانونية لهم داخل السوق…