عمدة مراكش وفضيحة السيارات العشر!
اسماعيل الحلوتي
مرة أخرى تتأكد لنا بلاغة ما جاء في الحديث الشريف عن قيام الساعة من خلال قوله عليه الصلاة والسلام: “إذا أسند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة”، وهو ما ينطبق فعلا على بعض المسؤولين والمنتخبين البعيدين كل البعد عن الحكامة الرشيدة والتدبير الجيد للشأن العام، وخاصة فيما يرتبط بحماية المال العام. إذ في الوقت الذي مازالت فيه بلادنا تمر بظروف عصيبة، جراء تفشي فيروس كورونا ومتحوراته، وما خلفه من آثار اقتصادية واجتماعية، وبفعل موجة الجفاف التي ضربت الموسم الفلاحي في مقتل، فضلا عن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاساتها السلبية على اقتصادات بلدان العالم.
تأبى عمدة مراكش ووزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، القيادية البارزة في حزب “الأصالة والمعاصرة” فاطمة الزهراء المنصوري، إلا أن تعلن عن فتح طلب عروض تحت رقم 13/2022/ج.م، وستفتح أظرفته يوم 22 مارس من أجل كراء 10 سيارات بقيمة 200 مليون.
وهي الصفقة التي أثارت جدلا واسعا واستياء عميقا في أوساط الفعاليات الحقوقية ونشطاء المجتمع المدني، الذين استنكروا بشدة مثل هذه الصفقات “المشبوهة” التي تأتي في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، وما تعرفه الأسعار من ارتفاع جنوني في المحروقات ومختلف المواد واسعة الاستهلاك، الذي ألهب جيوب الطبقات الفقيرة والمتوسطة، علما أنها في أشد الحاجة إلى مشاريع تنموية تعود على المدينة بالخير الوفير. وهي الفضيحة التي تعيد إلى الأذهان نماذج سابقة عن غياب روح المواطنة والحس بالمسؤولية لدى بعض رؤساء المجالس والجماعات الترابية وغيرهم من المنتخبين، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر قضية عمدة مراكش السابق محمد العربي بلقايد عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، المتابع ونائبه يونس بنسليمان من ذات الحزب أمام غرفة الجنايات الخاصة بجرائم الأموال، باختلاس وتبديد أموال عامة، في شأن الاختلالات التي شابت 50 صفقة تفاوضية بقيمة 28 مليار على هامش مؤتمر “كوب 22”.
كما لا يفوتنا هنا استحضار فضيحة القيادي بحزب العدالة والتنمية الحبيب الشوباني الرئيس السابق لأفقر جهة في المغرب جهة درعة-تافيلالت، الذي بدل أن يفكر في النهوض بأوضاعها سارع إلى تخصيص اعتماد مالي سنة 2015 بقيمة 300 مليون سنتيم لشراء سيارات فارهة ذات دفع رباعي، بدعوى تيسير مأمورية أعضاء المجلس في التنقل بين المسالك الوعرة. كما لا تفوتنا في هذا الصدد الإشارة إلى ما سبق أن أقدم عليه حكيم بنشماس الأمين العام السابق لحزب “الأصالة والمعاصرة” ورئيس مجلس المستشارين السابق حين سمح لنفسه خلال عام 2016 برصد مبلغ 700 مليون سنتيم لاقتناء 12 سيارة فارهة من نوع “مرسيديس”.
ونحن هنا لا نشكك في نزاهة “البامية” المنصوري عمدة مراكش، بقدر ما نريد أن نبين إلى أي حد يتشابه من يتولون مسؤولية تدبير الشأن العام في التسابق نحو هدر المال العام في غياب المراقبة الصارمة. إذ ما جدوى اللجوء إلى كراء سيارات بذلك القدر الكبير من المال في وقت تتوفر فيه بلدية مراكش على أسطول من 22 سيارة قدرت قيمتها بأربعة ملايين درهما من اقتناء المجلس الجماعي السابق، لم يمض على اقتنائها سوى أثلاث سنوات، خصص بعضها لنواب العمدة في المجلس الجماعي السابق؟ فمن غير المعقول أن يقدم من ائتمن على صون المال العام على استئجار عشر سيارات بما قدره 208 آلاف و800 درهم للواحدة خلال الثلاث سنوات المحددة في دفتر التحملات، في مثل هذه الظروف الصعبة!
فالمدينة الحمراء كما لم يعد خفيا على رئيسة مجلسها ومن زينوا لها تلك الصفقة/الفضيحة تعاني كثيرا من أزمة السياحة وغيرها من المشاكل المتنوعة، وليست بحاجة إلى كراء 10 سيارات فارهة لفائدة نواب العمدة ورؤساء لجان وموظفين محظوظين يكلف ميزانية مجلسها 70 مليون سنتيم سنويا، ولا إلى تلك التبريرات الواهية، وإنما هي أحوج ما تكون إلى عقلنة تدبير ميزانية الجماعة بنوع من الشفافية واحترام القانون، خاصة أنها ما انفكت تشكو من عدة اختلالات وتجاوزات في مجال تنظيم عمليات آليات الجماعة واستهلاك المحروقات وغيرها، حيث تقتضي الأولوية العمل مثلا على إحداث ممرات تحت أرضية لحل مشكل الاختناق الذي تعرفه العديد من الشوارع على مستوى السير والجولان، كما يشهد بذلك عدد من المتتبعين للشأن المحلي. ثم أين نحن من سياسة التقشف وترشيد النفقات، التي يجدر بأعضاء المجلس الجماعي اعتمادها في مثل هذه الأزمات المقلقة والمؤرقة، التي تستلزم بحث السبل الكفيلة بإيجاد حلول بديلة ومعقولة في المجال السياحي وسواه من المجالات الأخرى في اتجاه إنقاذ الأسر المتضررة؟
إنه لمن المؤلم أن يتوسم المواطنون الخير في بعض المسؤولين والمنتخبين ولاسيما العنصر النسوي، ثم سرعان ما يخيب ظنهم ويصابون بالإحباط عندما يكتشفون أنهم أمام نفس العقليات من حيث انعدام الكفاءة وغياب الشفافية والحكامة والقدرة على التخطيط والتدبير الجيدين، إذ تتواصل مظاهر التخبط والارتجال وتبذير المال العام سواء في عقد الصفقات غير المجدية، أو عبر التغاضي عن الموظفين الأشباح أو سوء استغلال وسائل العمل أو التوزيع غير العادل للتعويضات والامتيازات. مما يتطلب تحمل السلطات المعنية المسؤولية القانونية والأخلاقية في حماية المال العام والحد من مسلسل الفضائح المتوالية والحرص على تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، تفاديا للمزيد من استنزاف ميزانيات الدولة، وكل ما ينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد والعباد.