بطاقة المتقاعد وغياب الجدوى!
اسماعيل الحلوتي
على غرار العديد من الموظفين الذين أحيلوا قبل سنوات على التقاعد، بعد بلوغي ستين سنة من العمر. سررت أيما سرور وكما لم يسبق لي ذلك من قبل، ليس فقط لأنني أنهيت حياتي المهنية سليما ومعافى، ولا لأنني نجوت من “مقصلة” المخطط الجهنمي الذي وضعه رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله ابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بدعوى “إنقاذ” الصندوق المغربي للتقاعد من الإفلاس، بل لكوني توصلت في زمن قياسي عبر البريد العادي ب”بطاقة المتقاعد”، وهي بطاقة ذات جودة عالية في الصنع والإتقان، تحمل اسمي العائلي والشخصي، رقم بطاقتي الوطنية للتعريف، تاريخ ميلادي، رقم المعاش وطبيعته: مدني، تحت شعار “جميعا المستقبل في أمان”.
وكان لا بد لي من أن أتساءل في بداية الأمر عن جدوى الحصول على مثل هذه البطاقة في شكلها الأنيق، وما تتضمنه من معلومات شخصية بالغة الأهمية، وعن الشعار الذي اختير لها بدقة وعناية؟ كما تساءلت عن طبيعة الامتيازات التي يمكن أن تخولها لي وغيري من حامليها؟ وهل ستكون بذات الأثر الإيجابي كباقي البطاقات في البلدان الديمقراطية، التي تولي عناية خاصة بالمتقاعدين؟ وهل هي بمستوى تلك الأهمية التي تكتسيها البطاقة الوطنية للتعريف أو بطاقة البنك الخاصة بالشباك الأتوماتيكي؟
إنه إذا كانت بطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية تعتبر وثيقة رسمية وذات مدة محدودة من الصلاحية، وتشكل جسرا سريعا وآمنا لولوج مجموعة من الخدمات والقيام بعدة معاملات حتى عبر الأنترنت. فضلا عن تفردها بتصميم مستلهم من الهوية المغربية، وتميزها بخصائص مادية ورقمية تعزز حصانتها وموثوقيتها، حيث استعملت في إنجازها آخر الابتكارات والتقنيات التكنولوجية، التي تضمن لها مستوى عال من الأمن والحماية على عدة مستويات بصرية ورقمية ومادية. وتمكن من تفادي الأخطاء المحتمل وقوعها من حيث المعطيات الشخصية وحماية صاحبها بشكل لا يستطيع معه أي شخص آخر استخدامها باسمه، لكونها تتوفر على قن سري خاص به حصريا.
وأن البطاقة البنكية أو بطاقة الشباك الأتوماتيكي عبارة عن بطاقة بلاستيكية أو من لدائن أخرى ذات أحجام متساوية، بمواصفات فنية عالمية، محددة ومميزة، بحيث من الصعب على أي كان القيام بتزويرها، وأنها هي الأخرى ذات صلاحية محدودة وتحمل قنا سريا خاصا بصاحبها. وتستخدم غالبا في إجراء عمليات السحب المالي من الشبابيك الأتوماتيكية في جميع أيام الأسبوع وفي أي وقت ليلا أو نهارا بمختلف المدن المغربية، أو عند دفع قيمة المشتريات من المحلات التجارية الكبرى التي تقبل التعامل بها أو التسويق عبر الأنترنت…
فإن “بطاقة المتقاعد” خلافا لما سلف، والتي تم إحداثها منذ فاتح يناير 2012 من لدن الصندوق المغربي للتقاعد بدعوى تعويض العمل بكناش الأداء القديم، وفي إطار تجويد الخدمات للمتقاعد وذوي حقوقه، باعتبارها وثيقة رسمية تحدد هوية المستفيد من الخدمات التي يقدمها الصندوق. والحال أنها ليست في الواقع وعبر تجربتي المتواضعة سوى وثيقة غير ذات جدوى، إذ لا تفيد حاملها في أي خدمة كيفما كان نوعها، عدا أنها تشهد له بنهاية حياته المهنية، ثم إنها لا تتقادم وتظل تلازمه إلى حين الوفاة.
إذ كيف لا يشعر بالغبن من أفنى زهرة عمره في خدمة وطنه وهو يحمل بطاقة بلا معنى ولا فائدة، فهي لا تمنحه أي امتياز أو تفسح له مجال الاستفادة من أي تخفيضات سواء تعلق الأمر مثلا بأثمنة تذاكر السفر عبر الحافلة أو الباخرة أو الطائرة، أو المبيت في الفنادق أو التبضع في الأسواق، أو دخول المسارح والأندية الثقافية أو دور العروض السينمائية والملاعب الرياضية وغيرها كثير، كما هو الشأن بالنسبة لعدد من المتقاعدين في بلدان أخرى؟
فالكثير من الخبراء في علم النفس يشددون على أن مرحلة التقاعد، تعد من بين المراحل الأشد تعقيدا في حياة الإنسان. حيث تبدأ معها عديد المشاكل الصحية والنفسية المختلفة، لشعور الشخص المتقاعد بنهاية “صلاحيته” وأنه أصبح خارج نطاق اهتمام الجميع وبعيدا عن الأنشطة المنتجة في المجتمع، ومن ثم ينطوي على نفسه وتدمره العزلة التي تفرض عليه، لما لها من آثار نفسية عميقة، في ظل الإحساس بالإقصاء والتهميش اللذين يرافقانه. حيث أن الاعتقاد الخاطئ لدى الكثيرين بفقدانه القدرة على العطاء، يبث بداخله شعور باليأس والإحباط وقد يصل أحيانا إلى حد الاكتئاب.
لذا تقتضي الضرورة مراعاة مشاعر المتقاعد والعرفان بما قدمه لبلاده من أعمال ساهمت في تنمية المجتمع وبناء حضارته، الالتفات إليه والحرص على حسن معاملته من خلال إشراكه في البرامج التنموية، والدفع به نحو الانخراط في مختلف الأعمال التطوعية، التي من شأنها تقوية الصحة النفسية والعقلية لديه، والرفع من قيمة المنحة الشهرية التي تظل مجمدة لسنوات طوال، وإعادة النظر في جدوى بطاقة المتقاعد، بما يمنحه جرعات إيجابية للإقبال على الحياة بهمة ونشاط في اتجاه تنمية المجتمع…
إنه لمن الإجحاف أن يقضي المواطن أفضل مراحل عمره في خدمة وطنه بتفان وإخلاص سواء في تنوير العقول أو حماية الحدود أو بناء السدود وغير ذلك، ويتحول في الأخير بعد الإحالة على المعاش إلى مجرد رقم في بطاقة غير ذات جدوى، تحول له منحة شهرية جامدة لا تصمد في وجه توالي الزيادات في الأسعار ومواجهة تكاليف العلاج من الأمراض المزمنة التي تداهمه بقسوة…