هل من حقّ المواطن ضحية الحوادث الناجمة عن تردّي الطريق العام أن يقاضي الجماعة المسؤولة؟
عبدالقادر كتــرة
كثيرة ومتنوعة هي الحوادث الخطيرة التي يتعرض لها المواطن بالطريق العام، سواء كبوة في حفرة غير مؤمنة أو عثرة بسبب أتربة وأحجار متناثرة هنا وهناك أو سقوط أشجار أو أغصان بسبب تهالكها وشيخوختها أو أعمدة كهربائية أو جدران قديمة آيلة للسقوط أو خيوط كهربائية عارية من أغلفتها ظاهرة للعيان أو أرصفة غير متجانسة وغير خاضعة للمقاييس المتعارف عليها أو مطبات ( مي ضو ضان les dos d’âne) ) أو انعدام إشارات المرور وممرات الراجلين أو مياه متسخة نزلت من فوق عبر قناة شقة في عمارة أو برك مياه أمطار أغرقت محلات وتسببت في أضرار أو مضايقة بسبب احتلال الأرصفة والطرقات من طرف باعة أو تدمير مآثر تاريخية ونافورات من طرف البعض أو اختناق قنوات الصرف الصحي بسبب الأتربة والأوساخ والأزبال، أو تسليم تراخيص لورشات أنشطتها خطيرة مهددة لحياة المواطن ومزعجة ومقلقة لراحته …
ويتساءل المرء عن المسؤول عن هذه الحوادث ومن يتحمل تبعاتها إن هي وقعت للمواطن، لا شكّ أن من يتحمل مسؤوليتها بشكل مباشر المجالس البلدية أو الجماعات الحضرية، إذ ينص القانوني بشكل صريح على أن الجهة المكلفة بصيانة تلك الطريق مسؤولة نسبيا عن الأضرار الناجمة عن الحادث، كما أن المسؤولية هنا تقوم في جميع الحالات التي يكون فيها الشخص ملزم بتعويض الضرر الذي أصاب شخصا آخر وحينما يمكن أن يكون الأول هو المتسبب في هذا الضرر، سواء كان شخصا ذاتيا أو شخصا معنويا.
سبق لجريدة “التجديد” أن تطرقت للموضوع واسترشدت بحادثة سير تعرض إليها أحد المواطنين “سعيد” حين علقت سيارته بحفرة بالطريق العمومي، حين كان آتيا من ساحة ابن رشد ومتوجها نحو حي الفتح بالرباط عبر شارع الحسن الثاني، حيث فوجئ بحفرة عميقة هوت بها السيارة فزاغت إلى اليمين، وارتطمت بشجرة منتصبة، وخلفت له أضرارا بدنية جسيمة إضافة إلى خسائر مادية بسيارته.
وبسبب المخلفات المادية والنفسية لحادثة السير، رفع “سعيد” دعوى قضائية في مواجهة الجماعة الحضرية للرباط بمقرها بالرباط التي حلت محل المجلس البلدي ليعقوب المنصور الدولة المغربية في شخص الوزير الأول، وزارة الداخلية في شخص وزير الداخلية، الوكيل القضائي للمملكة بمكاتبه بوزارة المالية بالرباط.
وطالب “سعيد” الحكم لفائدته بعدة تعويضات عن الأضرار التي لحقته من جراء تعرضه لحادث نتيجة سقوط سيارته بحفرة وسط الطريق العام، بناء على تقرير الخبرة الطبية، انتهت فيه الخبيرة المذكورة إلى أن مدة العجز الكلي المؤقت محددة في 75 يوما وأن نسبة العجز الجزئي الدائم محددة في 15 في المائة ونسبة الآلام جد مهمة.
كشفت ظروف وملابسات الحادث الذي وقع للمدعي، حسب نفس الجريدة، مسؤولية الجماعة الحضرية للرباط المسؤولة عن تتبع وصيانة الطرق العمومية الواقعة داخل دائرتها، وتعتبر المسؤولية قائمة بالنظر إلى أن الحفرة الموجودة بالطريق شكل عاملا أساسيا في وقوع الحادث، وبالتالي قررت المحكمة تحميل مسؤوليتها في حدود الثلثين للجماعة، والثلث المتبقي للمدعي الذي ساهم عدم تبصره في وقوع الحادث.
واستنادا إلى مختلف الوثائق والمعطيات المتوفرة، ارتأت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية تحديد مختلف الأضرار التي لحقت بالمدعي بسبب الحادث، سواء البدنية أو المادية الناتجة عن الخسائر التي لحقت بسيارته، في مبلغ إجمالي قدره 90.000,00 درهم، تتحمل الجماعة ثلثيه وفق ما تقدم ليكون مجموع التعويض الذي يتعين إلزامها بأدائه هو مبلغ 60.000,00 درهم .
وتطبيقا للقانون رقم 41.90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية، قضت المحكمة الإدارية بأداء المدعى عليها الجماعة الحضرية للرباط لفائدة المدعي تعويضا إجماليا قدره 60.000,00 درهم مع رفض ما عدا ذلك، حسب نفس المصدر.
ونختم هذا المقال بمدخل لبحث مطول ومفصل قام به الأستاذ الباحث عبد الله الادريسي عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السابق بجامعة محمد الأول وجدة وسبق نشره، تحت عنوان ” المسؤولية الإدارية للجماعات الترابية ” جاء فيه :
“تعتبر نظرية المسؤولية الإدارية من النظريات التي ابتدعها الاجتهاد القضائي حديثا والتي جاءت نتيجة حتمية لازدياد تدخل الدولة وتوسع أنشطتها التي غالبا ما تؤدي إلى حدوث اخطاء تسفر عن إصابة الأشخاص من جراء هذه الأنشطة، وقد شكل حكم الصادر عن محكمة التنازع بفرنسا سنة 1873 الشرارة الحقيقية لإبراز الخطوط العريضة للمسؤولية الإدارية لقد أكد الحكم بأن المسؤولية الإدارية لا يمكن ان تسودها قواعد القانون المدني اد تحرر القاضي بالتالي من قواعد القانوني المدني وأخد يستنبط مبادئ وقواعد المسؤولية الادارية بالنظر الى تطور الأوضاع الادارية .
فحتى أواخر القرن 19 لم يكن من المتصورات ان تسأل الإدارة الجماعية باعتبارها صاحبة السيادة ولا تتحمل مسؤولية أعمال موظفيها، إلا أن هذه النظرية لم تعد موجودة وأصبحت مسؤولية الجماعات الترابية مقررة وصار الاشخاص العموميون شأنهم شأن باقي الأفراد يتعلمون مسؤولية أعمالهم التي تتولد عنصر آخر ينبغي تعويضها .
والمسؤولية الإدارية هي أداة تقنية تلزم الأشخاص العموميون تحمل مسؤولية أعمالهم وتصرفاتهم التي تتولد عنها اضرار ينبغي تعويضها وفق لقواعد قانونية متميزة عن تلك المطبقة في نظام المسؤولية المدنية وإن كان القضاء يسترشد في بعض الحالات في قضايا المسؤولية الادارية في القواعد المسلم بها في القانون الخاص .
وتعتبر الجماعات الترابية شخصا من أشخاص القانون العام تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والإداري مما يجعلها تتحمل مسؤوليتها اتجاه جميع تصرفاتها القانونية والمادية. وإذا كانت المسؤولية المدنية تقوم اساسا على الخطأ، فإن الاجتهاد القضائي أدخل نظرية المسؤولية بدون خطأ كاستجابة حتمية لتوسع أنشطة الإدارة وتعقدها .
وتقوم أنشطة المسؤولية الإدارية بصفة عامة على أساس الخطأ الذي ينبني على مبدأ التعويض إلا أنه هناك الحالات التي يتعرض فيها الأفراد لمخاطر بسبب النشاط الإداري وتحمل الإدارة مسؤوليتها اتجاه القرار المشروع الغير موجب لضرر، فيقرر القضاء المسؤولية الإدارة في مثل هذه الحالات وهذا ما يعرف بالمسؤولية الإدارية بدون خطأ.
وهذا ما يفهم من مقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي أشار في مضمونه عن مسؤولية الجماعات الترابية عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وهو نفس المبدأ الذي صار عليه الفصل 8 من قانون المحاكم الإدارية، وبالتالي فضمان الجماعات الترابية للضرر واجب بمجرد أن يكون ناشئا بصفة مباشرة عن العمل الذي تقوم به أو عن عدم قيامها بالعمل المنوط بها أو البطء في أداء الخدمة وهذا ما يعطي للمتضرر الحق في مطالبتها بالتعويض في ضوء المسؤولية الإدارية بدون خطأ وتقوم هذه الأخيرة على ركنيين: حصول الضرر وقيام علاقة سببية بين الضرر الحاصل والنشاط الإداري.
وإذا كانت المسؤولية الخطَئِية تقوم على مبدأ مؤداه أن من أحدث ضررا للغير بخطئه يتحمل مسؤولية هذا الخطأ فإن المسؤولية الادارية بدون خطأ تجدها أساسها انطلاقا من اعتبارات العدالة والمساواة التي تقتضي أن يؤخذ بعين الاعتبار الثقل الذي وقع على عاتق الفرد والذي تسببت فيه السلطة الإدارية في سبيل تحقيق الصالح العام.
وتتجلى أهمية إقرار المسؤولية الإدارية في تمكين الأفراد من المطالبة بحق التعويض كلما تعرضوا لأضرار تسببت فيها الجماعات الترابية….”.