بعد المستجدات الدولية والإقليمية، موريتانيا تسير نحو سحب الاعتراف ب”بوليساريو”
عبدالقادر كتــرة
في هضم التغيرات والمستجدات الدولية والإقليمية، مصادر سياسية في موريتانيا تتوقع الإعلان قريبا، عن موقف جديد من قضية إقليم الصحراء، داعم لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، وهو الموقف المنتظر التي يشجعه إعلان الحكومة الإسبانية الأسبوع الماضي دعم حكم ذاتي للإقليم تحت السيادة الكاملة للمملكة المغربية.
ويعتبر بعض أصحاب الرأي في موريتانيا أن موقف بلادهم من قضية الصحراء، يعد أهم حجر عثرة مؤثرة في العلاقات التاريخية الراسخة مع جارتهم الشمالية (المغرب) رغم أن الأخيرة تحاول بكل جهدها كتم غيظها من ذلك الموقف الذى لم يعد له ما يبرره، خاصة وأن موريتانيا اليوم ليست هي الأمس، وأصبح لها جيش قوي وقادر على حماية مؤسساته وحدوده ونظامه.
ويتطلع أغلب الموريتانيين، حسب الموقع الإلكتروني الموريتاني “أنباء انفو”، وبشكل قوي أن تخرج حكومة بلادهم قريبا، من الخانة الرمادية، حسب وتعلن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية كما هو موقف جميع الدول العربية و الإسلامية باستثناء دولة واحدة هي الجزائر .
مصلحة موريتانيا والمغرب، حسب رأي أولئك، “هي تجاوز كل ما من شأنه عرقلة العلاقات بين البلدين، أو التأثير عليها، وعلي حكومة موريتانيا أن تستظل اليوم قبل غد، اللحظة المناسبة وتعلن بشكل واضح وصريح دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي الذى نال دعما دوليا “.
وجاء انعقاد اللجنة العليا الموريتانية المغربية المشتركة مؤخرا في الرباط ، مؤشرا إيجابيا على تحسن كبير في علاقات البلدين الجارين وترجيح لكفة الخيار الاستراتيجي الذي يتسم بالواقعية والمصلحة العليا للبلدين، لمواجهة التحديات المشتركة من جهة، وتعزيز سبل التعاون والشراكة في أكثر من قطاع من جهة أخرى.
ويتوقع بعض المحللين أن تخرج حكومة موريتانيا قريبا، حسب نفس المصدر، بموقف جديد ينسجم مع مواقف جميع الدول العربية (استثناء الجزائر) والدول الكبرى، في مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا، التي أعلنت جميعها دعم مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة الكاملة للمملكة المغربية.
وحسب أولئك المحللين، “غابت المخاوف الأمنية التي كانت تمنع حكومات موريتانيا السابقة، الخروج بمثل ذلك الموقف، حيث أن حكومة موريتانيا اليوم لا توجد لديها تلك المخاوف، بعد أن أصبح الجيش الموريتاني يملك القوة العسكرية الكافية لحماية حدود بلاده من أي اعتداء خارجي.”
ويعتبر بعض أصحاب الرأي في موريتانيا، أن الاعتراف بالمقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء سيساهم لامحالة في تعجيل حل القضية التي تشكل عائقا كبيرا في تنمية المنطقة وازدهارها، ويشجع موريتانيا في اتخاذ موقف جديد من قضية الصحراء، موقف إسبانيا التي ظلت ملتزمة بالحياد لعقود، وقد خرجت اليوم معلنة أن الخطة المغربية، “بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف”.
ورجح بعض الباحثين، أن ينعكس التطور الحاصل في علاقات البلدين إيجابا، على القضايا المشتركة بينهما خاصة على مستوى التحديات التي تهدد الأمن والاستقرار بالمنطقة المغاربية.
وسبق أن دعت مجموعة من المثقفين والأكاديميين والخبراء الموريتانيين، السبت 22 ماي 2021، إلى مراجعة الموقف الموريتاني من قضية الصحراء بما يخدم المصالح الموريتانية ومصالح المنطقة بشكل عام، ودعت هذه المجموعة إلى مراجعة الاعتراف الموريتاني بالصحراء، حسب ما نقله الموقع الالكتروني الموريتاني “صحراء ميديا”.
الندوة الفكرية التي نظمها منتدى الأواصر للتحاور، في العاصمة نواكشوط، ناقشت الواقع الأمني والاستقرار السياسي والتحديات الجيوستراتيجية، في القارة الإفريقية، وقضية الصحراء، حيث خصص المشاركون في الندوة حيزا كبيرا من النقاش لقضية الصحراء، باعتبارها إحدى أهم القضايا التي واجهت الاتحاد الإفريقي منذ تأسيسه.
رئيس المنتدى عبيد ولد اميجن قال: “إن الندوة تسعى للإجابة على تساؤلات وانشغالات الخبراء المهتمين بالشأن الإفريقي، كما تشكل مبادرة للتواصل من أجل الإصلاح المؤسساتي لمنظومة الاتحاد الإفريقي وتشجيع الأفكار الواقعية”، معتبرا أن دور الاتحاد الإفريقي في قضية الصحراء ظل يتسم بالغموض، دون أن “يملك طموحات لإنهاء النزاع على حيازة الصحراء رغم العروض الواقعية المقدمة من المغرب”، وفق تعبيره.
من جهته، استغرب الأستاذ محمد أفو، وهو أحد المشاركين في الندوة، الموقف الموريتاني تجاه قضية الصحراء وخاصة الاعتراف بالصحراء “منذ البداية”، وأضاف ولد افو “موريتانيا دفعت ثمن هذا الاعتراف أمنيا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا”.
واستعرض ولد أفو وقائع تاريخية إبان الأحداث الصحراوية – الموريتانية، مطالبا الحكومة بضرورة “إعادة النظر في الاعتراف الغريب”، واعتبر أن العلاقات الدولية تقوم على المصالح العليا للدولة، مشددا على أن “علاقة موريتانيا بالمغرب أهم بكثير وأقوى مردودية على الدولة من علاقة مع كيان وهمي”، على حد قوله.
وطلب ولد أفو من النخبة الموريتانية تسليط الضوء على العلاقة الموريتانية بالصحراء، معتبرا أن “الموقف الموريتاني من هذه القضية ظل جامدا وبعيدا عن النقاش”، وأكد أن “الوضعية الراهنة تهدد الأمن القومي الموريتاني”.
من جانبها قالت البرلمانية الموريتانية زينب بنت التقي:” إن قضية الصحراء قضية استراتيجية بالنسبة لموريتانيا، في المجال الأمني بالدرجة الأولى”، وطلبت بنت التقي من السلطات الموريتانية “مراجعة اعترافها بالدولة الصحراوية”، معتبرة أن اعتراف موريتانيا بالصحراء كدولة مستقلة “ليس مقدسا وإنما عمل ساسي اقتضته ظروف معينة، وهو خطوة غير استراتيجية”.
وفي سياق متصل قال النائب البرلماني العيد ولد محمدن، إن “العائق أمام الاتحاد الإفريقي هو غياب النموذج الأوروبي، خاصة في الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي”، مشيرًا إلى أن الاتحاد الإفريقي “تحول إلى نقابة رؤساء”.
وحول الموقف من قضية الصحراء، قال ولد محمدن إن “الموقف الموريتاني يجب أن يكون واقعيًا، ومتماشيًا مع الدور الذي تستطيع أن تلعبه داخل هذا الصراع”، مشيرًا إلى أن “موريتانيا ليست جزء من الحل، وإنما أقصى قدراتها أن تكون مساعدا عليه، ودورها في النهاية هو دور مكمل لأدوار بقية الأطراف وليس دورا حاسما”.
من جهته، أكد النائب البرلماني والمحامي أن موريتانيا يجب أن تعمل على “حماية نفسها من تبعات هذا النزاع، لأنها لا تملك مفتاح الحل”، وشدد على أن أهم شيء بالنسبة لموريتانيا أن “اتقاء شر القضية الصحراوية”، على حدّ تعبيره.
واعتبر الدكتور السيد ولد أباه، أن الوضع الراهن للمنطقة الإفريقية يعاني من خلل تصور استراتيجي، وهو التمييز بين اتحاد المغرب العربي والمنظومة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، مضيفا أن “المنطقة الإفريقية منطقة متداخلة من واد درعة وبلاد سوس، وتمتد حتى شمال مالي واتشاد وحتى شمال نيجيريا”، معتبرا أن “الحدود الحالية مجرد حواجز خلقها المستعمر، بينما كانت هناك هوية موحدة وبدون أي حواجز”.
وقال: “إن المنطقة تواجه ثلاث مشاكل كبرى، منها مشكل الصحراء ومشكل شمال مالي والحركات المسلحة على غرار بوكو حرام”، مشددا على أن “هذه المشاكل لن تحل إلا بحلول واقعية كالحكم الذاتي”، مشيرا إلى أن “موريتانيا عليها أن تنتقل من دور الحياد الإيجابي إلى الحياد الفاعل، لأنها هي المحور الحقيقي والاستراتيجي لهذا الإقليم بمفهومه الواسع”.
واختتم ولد أباه مداخلته بالتذكير أن “المنطقة الإفريقية تحتاج إلى بلورة تصور إقليمي جديد، وأن الحل الجذري سيكون في بناء هذا الإقليم الجديد، بعد أن نتجاوز الوحدة المغاربية ومنطقة دول الساحل.”