عربدة الغش في أسواقنا!
اسماعيل الحلوتي
مما لا خلاف عليه في كافة بقاع الأرض، هو أن الغش آفة اجتماعية مقيتة، تتعارض مع القوانين وتعاليم الديانات السماوية والقيم الأخلاقية، لما ينتج عنه من أضرار متفاوتة الخطورة بالأفراد والمجتمع. فهو من الظواهر الكونية التي من أجل مكافحته سنت بلدان العالم قوانين صارمة، وحرصت على معاقبة كل تسول له نفسه طمس الحقائق في جميع مناحي الحياة.
ويأتي حديثنا عن هذه الآفة على إثر ما تناقلته بعض الجرائد الإلكترونية والورقية يوم 7 أبريل 2022 حول البلاغ الصادر عن مديرية المنافسة والأسعار والمقاصة التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، بخصوص اجتماع اللجنة الوزاراتية المكلفة بتتبع التموين والأسعار وعمليات مراقبة الأسعار والجودة المنعقد خلال يوم الأربعاء 6 أبريل 2022 تحت رئاسة وزارة الاقتصاد والمالية، وبحضور ممثلين عن القطاعات الوزارية المكلفة بالداخلية والفلاحة والصيد البحري والصناعة والتجارة والانتقال الطاقي والمؤسسات العمومية المعنية.
حيث أن مديرية المنافسة أفادت في ذات البلاغ أن تدخلات اللجن المختلطة المحلية لمراقبة الأسعار وجودة المواد الغذائية خلال الفترة الممتدة من فاتح شعبان 1443 إلى 3 من الشهر الفضيل رمضان، أسفرت عن ضبط 2550 مخالفة في الأسعار، وهي المخالفات التي تشمل 514 كانت موضوع إنذارات للمخالفين و2036 مخالفة تم بشأنها إنجاز محاضر أرسلت إلى المحاكم المختصة.
ولمزيد من التوضيح، فإن المخالفات المسجلة تتوزع على النحو التالي: 1030 منها ما هو مناف لمقتضيات القانون رقم 31-08 المتعلق بحماية المستهلك، وتخص بالأساس عدم إشهار قائمة الأسعار وتقديم الفاتورة للمستهلك. و347 مخالفة للقانون رقم 104-12 المرتبط بحرية الأسعار والمنافسة، تهم أساسا الزيادة غير القانونية في الأسعار المعتمدة. و597 مخالفة للقانون رقم: 77-15 بشأن حظر استخدام الأكياس البلاستيكية و62 مخالفة للنصوص المتعلقة بالصحة والسلامة.
وفضلا عما كشفت عنه هذه المراقبة التي همت 61321 نقطة بيع من مخالفات متفاوتة، ومكنت من حجز وإتلاف 100 طن من المنتجات غير الصالحة للاستهلاك أو غير المطابقة للمعايير التنظيمية المعمول بها، فإنها تظل مجرد غيض من فيض حيال ما باتت تعرفه أسواقنا ومحلاتنا التجارية من استشراء للغش بمختلف مظاهره من خداع وتزوير وكذب وزيادات عشوائية في الأسعار. وتؤكد اللجنة المشتركة على أنها ستواصل عقد اجتماعاتها كل يوم أربعاء لرصد تطور حالة الأسواق، ووضعية التموين ومستوى الأسعار وحصيلة تدخلات لجن المراقبة، قصد التصدي لكافة أساليب الغش والاحتكار والمضاربة والتلاعب في الأسعار.
فالغش من الأفعال الذميمة التي لا يأتي على ممارسته سوى الشخص الخسيس والمنعدم الضمير، سواء كان تاجرا أو شركة أو منتجا أو متعاملا بالخدمات، من الذين يعمي الجشع بصرهم وبصيرتهم، أولئك الذين يقضون أوقاتهم في اللهث خلف الكسب السريع، مستخدمين في ذلك مختلف الأساليب والوسائل الدنيئة. وهو بشكل عام خداع مقرون بسوء النية دون مراعاة انعكاساته السلبية على الغير، من خلال التزييف أو التدليس بطرق مخالفة للقانون أو الأعراف المهنية والتجارية والدينية. وإلا ما كان الله سبحانه وتعالى ليبغضه ويتوعد الغشاشين بالعذاب الشديد في الآيات الكريمة 1/3 من سورة المطففين، حيث يقول: “ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون”.
وهو في اللغة مشتق من فعل غش يغش غشا، أي أظهر لغيره عكس ما يضمره، وتدور جميع معاني الغش حول الخداع بكل ما يرمز إليه من خبث ودناءة. ويعني أيضا مزج الشيء بغيره مما هو أقل سعرا وجودة منه مثل خلط اللبن بالماء. وفي الشرع هو خلط الرديء بالجيد، وفي الاصطلاح هو إخفاء عيب الشيء، أو نيل شيء دون موجب حق أو هو تزوير للأمانة، أو أن ينسب الغاش لنفسه شيئا لا يخصه كالسرقة الأدبية، وهو بإيجاز تام عرض الباطل في صورة الحق، وكل ما يترك أثرا سلبيا على مظاهر الحياة الاجتماعية.
فالمغرب الذي يتهيأ لتنزيل النموذج التنموي الجديد، بهدف تحسين ظروف عيش المواطنين وتمكين الشباب من الانخراط في حلقات الإنتاج والاستهلاك، ومحو الأمية والقضاء على البطالة وإعادة توزيع الثروات الوطنية وإعطاء الأولوية للصحة والتعليم والبنيات الإدارية والمؤسساتية والتشريعية والقيمية، مطالب بإلحاح في ظل التحديات التي تواجهه جراء تداعيات جائحة “كوفيد -19” وضعف التساقطات المطرية، بالانكباب على محاربة مختلف أشكال الريع والمحسوبية والفساد والغش بكافة أصنافه.
ذلك أنه من غير المقبول أن يظل المواطن/المستهلك عرضة لمختلف أنواع الاستنزاف والأضرار أمام جشع التجار وغياب المراقبة الصارمة، والحال أنه من حقه على الدولة واجب حمايته، باعتباره الحلقة الضعيفة في علاقته مع البائع، إذ تعتبر حمايته من أسمى حقوق الإنسان، ليس فقط بإصدار القوانين التي كان آخرها القانون 83.13 المتعلق بزجر الغش في البضائع، وإنما في السهر على حسن تطبيقها، خاصة أن الأمر يتعلق بسلامة الجسم والنفس والحفاظ عليهما، ويضر بالأمن الغذائي ويهدد الصحة العامة.
عموما يشكل الغش أحد مظاهر الفساد في ظل انعدام الضمير وغياب الوازع الأخلاقي والقناعة، الانسياق خلف أهواء النفس والرغبة في الإثراء السريع، دون مراعاة ما يمكن أن يترتب عن ممارسته من أضرار جسيمة على الأفراد والمجتمع، الذي يؤدي فاتورة هذه الآفة بسبب ضعف التوجيه التربوي على صعيد الأسرة والمدرسة والإعلام، مما يستلزم الضرب بقوة على يد كل المتورطين في العبث بحقوق المواطنين ومغالطتهم بكل وسائل التحايل المتاحة….