جنون العظمة: “الجزائر الأولى والأقوى والأحسن والأحقّ…” شعار الضُّعف والاستسلام
عبدالقادر كتــرة
” جنون العظمة أو جنون الارتياب (Paranoia)، مرض ينطوي على مشاعر وأفكار غالبًا ما تنتج عن القلق، أو الخوف، أو الاضطهاد، أو التهديد، أو التآمر، أو الاضطرابات النفسية، أو الاضطرابات الذهانية.
ويمكن أن تتحول هذه المشاعر إلى أوهام، أو معتقدات غير عقلانية ترسخ في ذهن المريض لدرجة أن لا شيء حتى مع وجود أدلة قطعية يمكن أن يقنعه بأن ما يشعر به غير صحيح.
ويمكن أن يتخذ مرض جنون العظمة أشكالًا مختلفة، لكن قد تتمثل أعراضه الأكثر شيوعًا في الشك دائمًا في دوافع أو أفعال الآخرين، وعدم الوثوق بالغرباء أو المعارف أو الأحباء بدرجة مبالغ بها، والتساؤل دائمًا عما يفعله الآخرون، سواء داخليًا أو بصوت عال، والاعتقاد في وجود معنى خاص في الطريقة التي ينظر بها الناس إليك ونبرة صوتهم، أو الجوانب الأخرى من سلوكهم التي ليس لها أي معنى آخر في الواقع، والاعتقاد بأن الرسائل الموجودة في الشريط التلفزيوني، أو الصحف، أو رسائل البريد الإلكتروني الجماعية، أو الإنترنت هي رسائل تنقصدك أنت دون غيرك، والاعتقاد بأن لديك دورًا أو أهمية خاصة في العالم غير معترف بها، أو تم إحباطها من الآخرين.
ويُعد الفصام من الاضطرابات النفسية الخطيرة التي تصعّب عليك التفرقة بين ما هو حقيقي وما هو متخيل، مما يجعلك أكثر عرضة للإصابة بمرض جنون العظمة.”
مناسبة هذه المقدمة نوردها لفهم حالة الاضطراب النفسي التي يعيشها الشعب الجزائري بسبب سياسة جنرالات ثكنة بن عكنون بالجزائر، والتي أغرقت المواطن الجزائري في أطنان من الشعارات والأوهام والأحلام والهلوسة إلى درجة أنه اقتنع بأن له حظٌّ كبير لكونه جزائري في بلاد الأولى والأكبر والأقوى والأحسن والأحقّ…في العالم وهي دولة قارة وقوة إقليمية قاهرة بل ارتقت إلى دولة كوكب ودولة عظمى…، هذا المواطن الذي يقضي أغلب أوقاته في الطوابير اللامتناهية والتي اعتبرها وزير في حكومته “أسلوب حضاري”، بلاد لُقِّبتْ ب”بلد المليون ونصف المليون طابور”، وطالب بعضهم تسجيلها ك”تراث جزائري محض”…، طوابير لا متناهية بحثا عن شكارة حليب أو قنينة زيت أو كيس سميد أو كيلو بطاطا أو رطل حمص أو عدس أو حبّة من الخضر أو الفواكه أو وحدة من سمك أو أرجل دجاج أو ربع كيلو لحم حمير أو كأس ماء أو جرعة أوكسيجين أو علبة دواء أو دفتر وكتاب مدرسي أو لباس العيد للأطفال…
بلد جزائر النظام العسكري أول من اعترف بالولايات المتحدة وأهدى جورج واشنطن مسدسات لقراصنة جزائريين وأول من اعترف بفرنسا وشيّد برج أيفل وهو من فتح الأندلس ونشر الإسلام في أوروبا وبنى قناة السويس والأزهر وحارة المغاربة في فلسطين وحمى الامبراطوري المغربي الشريفة، بل هو من بنى العالم، وهو من هلك الجنود الفرنسيين وضحى بمليون ونصف شهيد (ارتفع العدد إلى مليونين ثم إلى حوالي ستة ملايين ومنهم من رفع السقف إلى 12 مليون شهيد أكثر بكثير من عدد سكان الجزائر قبل الاستقلال لكن ربما تمّ إحصاء البغال والحمير والبقر والأغنام والدجاج والأرانب…)…
الجزائر لها أحسن منظومة صحية في إفريقيا والوحيدة في العالم التي تنجز تحليلات على الموتى، وهي الدولة الوحيدة القادرة على تنظيم كأسين اثنين للعالم في كرة القدم، ولها أقوى جيش في العالم ترعب به أعتى الجيوش وأكبر ترسانة للسلاح من كلّ الأنواع برية وبحرية وجوية رغم الأعطاب التي تصيبها، وهي مكّة المناضلين والمقهورين والمحتجزين والمضطهدين والمستعمرين من جميع أنحاء العالم رغم مئات الحِراكيين النشطاء والصحافيين والمحامين والقضاة الذين يقبعون في السجون، الجزائر لها الحق في التدخل في سيادة الدول لكن لا حقّ للدول في التحدث عن سيادتها لأنها الدولة العظمى، وإذا ذُكر اسمها يخرون رُكّعاً سُجَّدا على حدّ تعبير الرئيس الجزائري المعين عبدالمجيد تبون و…و..
الجزائر هي الأخت الكبرى للدول العربية وهي التي تقودهم إلى الرقي والتقدم وتمنحهم النصائح والمشورة والوعظ والإرشاد ولمّ شملهم ولو تحت أوامر مُلاَّت وآيات النظام الإيراني، كما أخذت على عاتقها الدفاع عن فلسطين وتحريرها، ومستقبلا سترسل العساكر والغواصات والمقاتلات وحاملات الطائرات نحو إسرائيل لمحوها من الخريطة والانتقام للعرب وحفظ ماء وجههم…
لا يمكن للجزائر أن لا تشارك في كأس العالم “مونديال قطر 2022″، فالمنتخب الجزائري “تسيّد العرب وسَيتسَّيدُ العجم”، ولأن بدون المنتخب الجزائري لا يمكن أن تكون هناك كأس للعالم، وليس الجزائر التي تخسر المونديال بل العكس المونديال هو الذي يخسر الجزائر، لذا على الاتحاد الدولي لكرة القدم أن يعدم الحكم الغامبي “كاساما” ويسجن المنتخب الكاميروني ويعاقب الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ويوقف المناخ ويحرق عشب الملعب، ويحتفل بتأهيل “ثعالب الصحراء” التائهين في الأوهام والأحلام، لأن الجزائر هي “الأولى والأقوى والأحسن والأحقّ”، وإن لم يكن ذلك فالكلّ متآمر ومتواطئ وخسيس وعميل وقبيح ومارق ويكره جزائر الأنوار المحروسة المباركة التي وطئت أرضها سفينة “نوح” عليه السلام…
“لماذا يكره الجميع الجزائريين؟” مقال للصحافي الجزائري حبيب خليل نشره في 24 يناير 2022 بجريدة “لوماتان” الجزائرية، حوال فيه تحليل مواقف الجزائريين الذين أصيبوا بجنون العظمة إلى حدّ رفضهم كلّ ما يمس عجرفتهم وكبرياءهم ولا يقبلون النزول من برجهم العالي الوهمي إلى أرض الواقع، ولو كان ذلك واقعا وحقيقة وصراحة، ويتهمون الأخر بالمؤامرة والتواطؤ والغش والخداع والاعتداء والعدوان و…و…، إلى درجة أنه لم يعد لهم قابلية للمناقشة ولا للتفاهم ولا حتى للاستماع…، وأصبح بالنسبة لهم “الجحيم هو الآخر” على جدّ قول الفيلسوف الفرنسي “جان بول سارتر”.
لا حظ الصحافي الجزائري “ردود الفعل المحيرة، والغريبة في بعض الأحيان، لكثير من الجزائريين، في اليوم التالي لإقصاء المنتخب الوطني من كأس إفريقيا للأمم، تظهر درجة التحلل المتقدم للبلاد.”
وزاد قائلا :”لتفسير الفشل، بثت أجهزة التلفاز المخدرة للعقل، التي تتسرب في ظل الجزائر الجديدة، تقارير، حيث أظهرت ، في كل مكان في البلاد ، في عمق الجزائر كما في نخبتها، مؤامرة مفزعة وغاضبة، لا شك أن البلد مستهدف .. اليد الأجنبية ضربت مرة أخرى!
“نحن نتهم الجميع بعبارات مؤذية، بإيحاءات عنصرية قوية بشكل عشوائي، بغطرسة، بدون ضبط للنفس، بعجرفة وتطرف. نشجب الاتحاد الإفريقي لكرة القدم والمغرب والكاميرون والدول التي هزمتنا رياضيا. لقد رأى الكثيرون، في هذا الإقصاء المبكر، يد الشيطان، وأربطة الجن، ومكانس السحرة، وشامانية “الكحلوش” وسحر الأولياء!”
وتساءل “الأموات والأحياء، العالم المرئي وغير المرئي، إفريقيا وأوروبا، سيتحدون جميعًا ضدنا! ضد أعظم دولة في إفريقيا، مكة القضايا العادلة، الصورة الرمزية لفلسطين ، ذراع الله المسلح على هذه الأرض! هل كل جزائري يخفي “تبون” بداخله يجهله؟ هل في كل مشجع “شنقريحة” أم خليفة في طور التكوين؟ هل يتكلم النظام والشعب المتعصب أخيرًا بصوت تآمري واحد؟ الدمى و”المتكلمون من بطونهم” في اندماج تام.”
عجز الرقاة والقرَّاء الذين أرسلوا على وجه السرعة إلى الكاميرون ولا التعويذات ولا ماء زمزم عن كسْر “العكس” وإيجاد طريق إلى شباك الخصم، “اختلطت الأزمات الجماعية المهلوسة والفصامية بخيبة الإقصاء. هذا كثير: انهزم الثعالب والقرآن الكريم، ترتعد البلاد ومعتقداتها! صحفي رياضي، ليعبر عن حبّه الأعمى للمنتخب الوطني الجزائري، رأى واجبا، شيء لا تصدق ، استعداده للذهاب والجهاد في فلسطين! ما العلاقة ، تقول؟ لا شيء ، مجرد دليل على الحب!
الشعب الجزائري لا يريد التفكير في واقعه المرير كما جاء على لسان الصحافي حبيب خليل :” في البلد حيث كرة القدم هي الملاذ الرئيسي، فإن الهزيمة مرادفة للعودة إلى الواقع والحياة اليومية المحبطة. وهذا ما لا يريده النظام الحاكم. إن العودة إلى نقص الحليب والزيت له، وإلى الفقر، وإلى فيروس كوفيد 22، وانهيار النظام الصحي، ونقص الدقيق والأدوية، وإلى التضخم ، وإلى قبح المدن والدواوير، إلى عنف الحياة اليومية، إلى مطارح الأزبال والنفايات، إلى تقنين المياه إلى البطالة، إلى الملل إلى التعسف، إلى سجناء الرأي ، إلى الحراقة … إلى الجحيم!”.
وخلص المحلل الجزائري إلى “أن جزائر 2022 تغرق، كل يوم أكثر بقليل، في العصور الوسطى. تنخر الإسلاموية في وجهها وتجعلها تكشط من جبينها، خمس مرات في اليوم، أسفل سجادة الصلاة التي جلست عليها منذ الاستقلال.
الصلاة هي أفضل ما يترك لمن ينتظر الموت، عندما يكون قد استنفد الإمكانيات والأمل. عندما يكون مصير المباراة أهم من مصير 300 من سجناء الرأي. عندما نحترم لا الأحياء ولا الأموات ولا النساء ولا معتقدات الآخرين ، في مثل هذا البلد الشاب، فهذا أقرب إلى وأد الأطفال. هل الأمل مازال مسموحا به؟ لا، ما لم تكن هناك معجزة غير محتملة، لأن الأمل ليس هو الذي ينقذ، بل الأفعال التي تجعله ممكناً.”