مهرجان وجدة الوطني للفن الفوتوغرافي : عندما تكون الصورة في خدمة التراث اللامادي –
اللجنة الإعلامية
حرصا منه على حماية التراث الثقافي اللامادي، وحتى يبقى هذا التراث مصونا تتوارثه الأجيال، ينظم مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة النسخة الثانية من مهرجان وجدة الوطني تحت شعار: الفن الفوتوغرافي وتثبيت التراث الثقافي اللامادي المغربي، وذلك يومي 13-14 ماي 2022.
إن الاهتمام بالتراث اللامادي هو في الحقيقة اهتمام بالهوية والانتماء والذاكرة، حيث نجد أـن هذه الذاكرة كانت تنتقل من جيل لجيل عن طريق المحاكاة والتمثل والتقليد والانتقال السلس والطبيعي والعفوي للعادات والتقاليد وطرق الاحتفال ومختلف أشكال التعبير وما يرتبط بها من قطع وآلات وغيرها.
إلا أن عوامل كثيرة، منها طغيان الحداثة والتحولات الاجتماعية المرتبطة بالتكنولوجيا، قد أدت إلى تخلي الأجيال عن اقتفاء أثر الأجداد، وبالتالي تلاشي الكثير من العادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية والعروض والطقوس والاحتفالات والمعارف.
ولذلك أضحى الاهتمام بالتراث اللامادي أمرا ضروريا لإنقاذه من التلاشي والتراجع صونا للذاكرة الجماعية للشعب المغربي قبل أن يصيبها التلف والخرف والفراغ.
في هذا السياق يأتي مهرجان وجدة الوطني للفن الفوتوغرافي ليقدم مشروعا ضخما إسهاما منه في حماية التراث اللامادي المغربي من هذا التلاشي والفراغ الذي سبق الحديث عنهما، وهو مشروع يلعب فيه الفنان الفوتوغرافي المغربي دورا حاسما وهاما، على اعتبار أن من أهم الوسائل المؤثرة في التعريف بالتراث ونشره وتوثيقه وصونه الفن الفوتوغرافي حيث بواسطته يمكن إبراز معالم التراث اللامادي في أبهى تجلياته إحياء له وتثمينا حتى يصبح جزءا من الواقع اليومي للإنسان من خلال إبراز قيمته التاريخية والحضارية.
إن من خلال عدسات المصورين، في إطار مسابقات وطنية تنافسية، يمكن إنشاء موسوعة مصورة لتراثنا اللامادي وإنشاء أرشيف وطني للصورة الرقمية توضع رهن إشارة الباحثين والمهتمين بالتراث اللامادي لبلادنا. كما يمكن لهذا المشروع أن يحقق مجموعة أمور منها: تشجيع المواهب والمبدعين وبث روح المنافسة في مجال توظيف الفن الفوتوغرافي في توطين العلاقة بين الأجيال، والتحفيز على الاهتمام بالتراث وتوثيقه حماية للهوية المغربية، وتطوير آليات العمل المشترك بين المهتمين بالفن الفوتوغرافي هيئات وأفراد، مما سيفتح المجال الأرحب في وجه إقامة معارض للصور وإصدار مطبوعات تتعلق بالتراث اللامادي المغربي، فضلا عن توفير نسخ الكترونية من الصور لاستخدامات النشر وتزيين المحيط.
إن هذه الاستراتيجية ستعمل على الرفع من مستوى الأداء لدى الفوتوغرافيين المغاربة إذ سيتحول عملهم من عملية تصوير الجمادات والإنسان والحيوان والطبيعة، على أهمية ذلك، إلى تصوير المعنى والموضوع وسرد القصص، أي هي عملية تحويل العدسة إلى قلم يستطيع به الفنان الفوتوغرافي أن يكتب ما يشاء ويحكي عما يراه يستحق الحكي والسرد في سياق التوثيق لصيرورة الموضوع من خلال المجالات الحيوية والحياة الأصيلة فيه.
ولعل الحرف التقليدية ستكون أول موضوع يستحق هذا الدمج باعتبارها أحد أهم الموروثات الفنية والثقافية التي تختزل تاريخا ممزوجا بشتى أنواع التقاليد والممارسات والمناسبات وما يدخل في طي التراث اللامادي المغربي العريق.
وخدمة لهذا المشروع الوطني الهام، ودعما وتكوينا للفوتوغرافيين المغاربة، جاءت حلقات برنامج المهرجان منسجمة وداعمة، حيث سيفتتح المهرجان بندوة تتناول موضوع الفوتوغرافيا والتراث الثقافي: مقاربات متعددة، ومن خلال هذه المقاربات سيتم تسليط الضوء على المدارس الفوتوغرافية الكبرى بتركيز على النموذج أو بالأحرى المدرسة التي ستكون أكثر انسجاما مع طبيعة المشروع والتي تعتمد أساس على تصوير الشارع من جهة وعلى المنتجات من جهة ثانية، وذلك من خلال عرض نموذج أثبت نجاحه في نفخ الحياة في التاريخ بنقله عبر الفن الفوتوغرافي وباللمسة الفنية للصانع التقليدي ليتحول إلى حقيقة واقعية نراها ونلمسها.
من حقنا أن نعتبر أن هذا المشروع الموسوعاتي المتعلق بالتراث اللامادي المغربي، من خلال عملية التوثيق والأرشفة هاته، سابقة على المستوى الوطني إذ لم يسبق أن قامت أي جهة بوضع موسوعة تعنى بهذا النوع من التراث. ولن تقتصر هذه الموسوعة على الموروث الثقافي المتعلق بالحرف التقليدية فحسب، بل ستطال باقي الأجزاء والمكونات لهذا التراث كفنون وتقاليد أداء العروض، والممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات وكذا المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون.