الدرك الملكي في أزرو يفسد عليّ عطلة الأحد
يقلم: إدريس الواغيش
قد ننبهر بنجاحات الديبلوماسية المغربية في الداخل والخارج، وبما يقوم به صاحب المقص الذهبي ناصر بوريطة من مجهودات بتعليمات من جلالة الملك محمد السادس، ونفخر بما تحققه درونات القوات المسلحة الملكية من نجاحات في تحصين حدود الصحراء المغربية في الجنوب. ويعمينا أحيانا فوز فرقنا الوطنية، إن هي فازت، ببطولات كأس الكاف أو عصبة الأبطال في كرة القدم، وحين نمر فوق قناطر حديثة معلقة أو على طريق ساحلي بالمحاذاة مع كورنيش البحر المتوسط أو المحيط الأطلسي تحت أضواء مصابيحه الكاشفة في الليل، وتتراءى لنا أضواء لمبات عمارات زجاجية من بعيد، وهي تضيء سماوات بعض مدننا، ونفخر بالعبور من الطرق السيارة أو السريعة وحتى المخططة في غابات جبال الاطلس المتوسط. ولكن المغرب الحقيقي ليس هناك، بل في الهامش المنسي ودهاليز المستشفيات والإدارات العمومية وعلى المدارات والملتقيات الطرقية في البوادي والمدن، ووراء علامة “قف” حيث يقف رجال الدرك الملكي مختبئين وهم يحملون كاميراتهم فوق الأكتاف مغطاة بالأعشاب أحيانا. هناك توجد عَتمات مغرب الظلمات، مغرب موحش ومخيف، ومغرب لا يشعر به إلا الضعفاء والمكتوون بظلماته. وإليكم الحكاية:
مع اشتداد صهد فاس وحرارتها، قلنا نبتعد قليلا عنها مثل باقي الناس. ونحن في الطريق إلى تمحضيت عبر ميشليفن، وجدنا ثلاثة من رجال الدرك واقفين على مفترق الطريق الرابطة بين أزرو وتيمحضيت ورابعهم علامة “قف” واضحة للعيان باللونين الأحمر والأبيض. كانت الساعة تشير حينها إلى الواحدة بعد الزوال أو يزيد قليلا. أثناء عملية التقليل من السرعة والاستعداد للوقوف، أشار علينا دركي بالتحرك، كانت الطريق خالية من الحركة في الاتجاهين بين تمحضيت وأزرو، عكس ما تعودنا عليه أيام العطل ويوم “الأحد” الذي هو عطلة نهاية الأسبوع، وهذا مؤشر اقتصادي آخر لمن يهمه الأمر. ولكن رئيسهم (الشاف) أصر على أن يوقفنا، ويسحب منا رخصة السياقة والبطاقة الرمادية. عندما استفسرنا عن السبب، أجاب بأننا لم نحترم علامة “قف”. قلنا له أن الدركي أمرنا بذلك، وإذا بالأخير ينكر أمام استغرابنا ودهشتنا…!!
أحسسنا في الحال بوقع الخديعة وثقلها، وأننا كنا ضحية مكيدة وعملية نصب مدبرة “طلع تاكل الكرموس، نزل شكون قالها ليك”. طالبنا “الشاف” بأداء 400 درهم نقدا ثمن مخالفة لم نرتكبها أصلا، فرفضنا، وطالبناه نحن، إن كان لا بد، بتحرير مخالفة نؤديها في المحكمة، فرفض، وهنا بدأت الحكاية.
هاتف الدركي نقيبا جاء من أزرو في سيارته الخاصة، بعد حوالي ساعة من الانتظار، شرحنا له ما يمكن شرحه، ولكنه طلب منا أن نرافقه إلى سرية الدرك في مركز أزرو لتسجيل شكاية تظلم، وهناك سيبدأ مشوار آخر مختلف.
عند الوصول إلى مركز أزرو، اعتقدنا أننا سنجد حلا عند مسؤول ما في السرية، وإذا بنا أمام فخاخ محكمة وسلسلة من التواطؤات والتسويفات بين المسؤولين المداومين الثلاث الأعلى رتبة في السرية (Les adjudants) . أحسست بالظلم و”الحكرة”، مع وجود رضيعة لم تكمل عامها الأول مصحوبة بجدتها وامرأة مسنة تركناهم في السيارة. بعد نفاذ صبرنا، هددناهم في انفعال بالقيام بسلوك طائش، إن لم يسلمونا الأوراق المحتجزة، كأن نقصد باب منزل وكيل الملك أو دار النقيب(capitaine).
لم يكن في إمكاننا التحرك بالسيارة من أزرو رجوعا إلى فاس من دون أوراق، وبالتالي لم نغادرها إلا بعد غروب الشمس حوالي الثامنة والنصف ليلا، بعد أن سلمها لنا أحد الدركيين يحمل رتبة ضابط صف، بعد أن هددناه بالاعتصام الجماعي أو الاحتجاج في مركز المدينة. كنا قد قضينا زهاء أربع ساعات ونيف في السرية “شبه محتجزين”.
صرخت كثيرا محتجا حتى بح صوتي، وشرحت أكثر، لكن لمن…؟ كلهم متواطئون على كلمة سواء. جددت حينها، دون وعي مني، صلة الرحم مع الإحساس بظلمات إدارية سابقة، كنت قد نسيت بعضا من مراراتها في مؤسسات المكاتب والإدارات والشوارع عبر ربوع المملكة. عرفت كم هو صعب أن تجد نفسك مواطنا لا قيمة له في حضرة مسؤولين يتواطؤون عليك باسم القانون، مفروض فيهم تطبيقه وحمايته في مؤسسة تحترم نفسها. وتأكد لي بما لا يدع مجالا للشك أننا لا زلنا بعيدين كل البعد عن دولة الحق والقانون، ولذلك لا يغرنك طراوة وحلاوة كلام بعض المسؤولين عندنا في إداراتنا المدنية وشبه العسكرية، ولا تفرح لوجود شباب حديثي التخرج من معاهد وطنية في مراكز ومهام مدنية أو شبه عسكرية في بعض إداراتنا المغربية، لأنه لم يتغير في وقعنا الحقوقي شيء، لازال “ولاد عبد الواحد كلهم واحد” في إداراتنا المغربية.
لا زلنا في المغرب بحاجة إلى تجديد نخب إداراتنا في مختلف المجالات، وأمام مسؤولي وقيادات الدرك الملكي طريق شاق وطويل لدسترة حقوق الإنسان والمواطنة الحقة بعيدا عن نشرات أخبار المساء، وتنزيل روح العصر في دستور المملكة الجديد إلى الشوارع، والعمل به في مدارات وملتقيات الطرق في الأرياف، والتعامل مع المواطن المغربي وفق ما تمليه متطلبات الدستور كواقع حضاري ثابت، لا كما تمليه علينا مزاجيتنا المتقلبة، مع وجوب احترام الحاكم والمحكوم لقانون المملكة ودستورها الذي يعلو فوق الجميع.