أهي صيغة جديدة ل :” عفا الله عما سلف. “؟
يحي طربي
أكاد أجزم أن 99.99% من المنتخبين، كي لا أعمم و أقول : “ليس في القنافذ أملس ” ارتكبوا و يرتكبون و سيرتكبون جرائم في حق المال العام و ممتلكات الدولة، و رجال و أعوان السلطة يؤكدون ما أقول؛ كونهم على علم بكل صغيرة و كبيرة عما يقع في البلاد من تجاوزات و مخالفات للقوانين الجاري بها العمل.
يمثل رؤساء الجماعات و نوابهم أكثر المنتخبين فسادا، حسب القضايا المعروضة أمام القضاء و محاكم جرائم الأموال. فمن لم يختلس الملايير منهم اختلس الملايين من الدراهم، و من لم يسطو على الهكتارات من أراضي الدولة سطا على آلاف الأمتار المربعة منها، و من لم ” يضرب ” الصفقات العمومية الكبرى ” ضرب ” ميزانية الجماعة و ميزانيات المشاريع التنموية المخصصة لجماعته و ساكنتها، و حولها لحسابه الخاص و حساب أفراد أسرته، مستغلا النفوذ و الحصانة و علاقته بالمجلس الجماعي. ناهيك عن التزوير و المتاجرة في المحاضر و الوثائق الرسمية و مختلف الرخص. و لو أطلع السيد وزير العدل على ما راكمه هؤلاء من ثروة، داخل المغرب و خارجه، لأصيب بالصدمة من هول ما اقترفوه من جرائم مالية، و أدرك حينها لماذا يعيش الملايين من المغاربة تحت عتبة الفقر، يعانون الحرمان و الهشاشة، و لماذا يكون مآل النماذج التنموية الفشل في كل مرة. لقد أعمى الطمع و الجشع بصيرتهم و قتل في قلوبهم حب الوطن، و أصبحوا لا يفرقون بين المال الحلال و المال الحرام. واهم من يظن أنهم يشتغلون لله في سبيل الله و الوطن، بل من أجل مصالحهم الشخصية بالدرجة الأولى. إنهم قوم لا يشبعون من الرشوة و نهب المال العام، خاصة و أن الدولة سخية جدا و المال ” سايب “؛ مع العلم أن ما سرقوه و اختلسوه من الأموال العمومية يكفي لتأمين حياتهم و حياة أسرهم 50 عاما أو أكثر. هذا، وقد سبق لجلالة الملك أن تساءل: ” أين الثروة؟ “.
و من أجل فضح هذه الجرائم و نقلها أمام المحاكم المختصة، تأسست جمعيات و منظمات و هيئات مواطنة من المجتمع المدني، تضم حقوقيين و محامين و رجال القانون و الاقتصاد و صحفيين و سياسيين، متمكنين من مهامهم و وسائل عملهم الخاصة و الفعالة، و لهم غيرة على الوطن و مصالح المواطنين و لا ينطقون عن الهوى؛ يناضلون بكل ما أوتوا من قوة، الى جانب المجلس الأعلى للحسابات والنيابة العامة، من أجل حماية المال العام و محاربة الرشوة.
نحن ديمقراطية فتية، مقارنة مع أكبر الديمقراطيات الغربية، و ما يميزنا عن الدول العربية و الإفريقية هو أننا نسير نحو ديمقراطية حقيقية و شاملة بخطى ثابثة و سريعة، و كي تنضج ديمقراطيتنا و تكتمل أركانها، يجب إشراك المجتمع المدني في تدبير الشأن العام و المحلي و السياسات العمومية؛ لأن إشراك الجمعيات في التسيير و اتخاذ القرارات يدخل في إطار الديمقراطية التشاركية، الشرط الأساسي لمفهوم الديمقراطية. من تم، فإن منع جمعيات حماية المال العام و الوقاية من الرشوة من مزاولة عملها الإنساني و مهامها النبيلة، ضربة مميتة للمكتسبات و لدولة الحق و القانون و المساواة، و بمثابة ” ضوء أخضر ” أو ” carte blanche ” لبعض المنتخبين كي يتمادوا في المزيد من النهب و الاختلاس و الاغتناء اللامشروع، و التسلط و الطغيان و الإفلات من العقاب. بل كان حري بالسيد الوزير أن يتقدم بمشروع قانون يمنع الأميين و ذوي السوابق القضائية من الوصول إلى المجالس الجماعية و قبة البرلمان؛ لأنهم يشكلون خطرا على حاضر و مستقبل البلاد، خاصة و أن المغرب، ملكا و حكومة و شعبا، عازم على استئصال الفساد من جذوره و محاسبة المفسدين و استرجاع الأموال العمومية المسروقة.