الجزائر تتوسَّل وتتودَّد وفرنسا تتجاهل وتتوعَّد: رفض 150 طلب فيزا ل150 برلمانيا و80 % للمواطنين الجزائريين
عبدالقادر كتــرة
لا زال جنرالات النظام العسكري الجزائري وزبانيته وأزلامه من كهنة معبد قصر المرادية بالجزائر يتلقوَّن الصفعات الواحدة تلو الأخرى من طرف فرنسا ويصْبرون على ذلك، وتُمرّغُ أنوفهم في التراب ويرْضون بذلك، ويعْمد المستعمر الفرنسي إلى إذلالهم وإهانتهم بمختلف الوسائل والطرق والتصريحات والتمليحات، رغم تودُّدِهم له وتوسلاتهم واستعطافهم وتقبيلهم لأعتابه طلبا فب التفاتة واحدة بزيارة الرئيس الفرنس ماكرون للجزائر ولو لساعة واحدة.
وبمجرد ما أعلنت نتائج فوز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالولاية الثانية بفرنسا سارع رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون إلى تهنئته بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية، معربا عن أمله في أن تكون هذه العهدة “ثرية بالجهد المشترك في مسار العلاقات الثنائية للوصول بها إلى أفضل المستويات المأمولة”.
وانتظر الرئيس الجزائري جواب شكر على تهنئته لكن دون جدوى ولم يغضب من تجاهل الرئيس الفرنسي له، بل صَبر وأعاد الكَرَّة للمرة الثانية دون نتيجة، ولم يغضب، بعد أن استجدى زيارته ودعاه إلى فرنسا ولو مرورا وتوقفا.
وبعد أن أصابه الهلع وتملكه الخوف من استمرار تجاهل الرئيس الفرنسي للنظام الجزائري وعدم رضاه، سارع إلى مهاتفته، يوم السبت 18 يونيو 2022، حسب بيان للرئاسة الجزائرية الذي أشار على أن “المكالمة الهاتفية تطرقت إلى العلاقات الثنائية، وأن الجانبين أكدا عزمهما على تعميق هذه العلاقات، خاصة مع تقارب وجهتي نظر الرئيسين، وتوافقهما الكبير، على دفع هذه العلاقات إلى مستوى متميز، لا سيما بعد إعادة انتخاب الرئيس ماكرون، لعهدة جديدة.”
وحاول لمطان لعمامرة الحفاظ على شعرة معاوية مع فرنسا القوة المستعمرة السابقة للجزائر والتي صنعتها بمرسوم، بالاتصال هاتفيا وزيرة الخارجية الفرنسية، وتمّ نشر الخبر “أكد الطرفان نيّتهما مواصلة الديناميكية الإيجابية في العلاقات الثنائية بين فرنسا والجزائر”.
وغرّد العمامرة على “تويتر” قائلاً: “تبادل مثمر مع زميلتي (كاثرين كولونا) حول آفاق شراكة متوازنة ومفيدة للطرفين وحوار معزّز لخدمة الاستقرار والازدهار على المستوى الإقليمي والدولي”.
لا جديد في الأفق القريب ولا البعيد، فبادر رئيس مجلس الأمة الجزائري، صالح قوجيل، الأحد 12 يونيو 2022، بدعوة بمقر المجلس، سفير الفرنسي بالجزائر، “فرنسوا غوييت”، “حيث استعرض الطرفان العديد من القضايا التاريخية والسياسية التي تهم البلدين، حسب بيان المجلس”.
وقال بيان أن اللقاء الذي جمع قوجيل بالسفير الفرنسي الذي أدى له “زيارة مجاملة”، “شكل سانحة لاستعراض العديد من القضايا التاريخية والسياسية التي تهم البلدين، وراهن العلاقات الثنائية بينهما لاسيما البرلمانية منها وسبل ترقيتها وفقا لما نص عليه بروتوكول التعاون البرلماني الذي تم التوقيع عليه بين مجلس الأمة ومجلس الشيوخ الفرنسي عام 2015 بالجزائر”.
وأكد قوجيل للسفير الفرنسي على “تعددية أبعاد العلاقات الجزائرية-الفرنسية (على المستويات الإنسانية والتجارية والاقتصادية)، وفاعليتها المنبثقة من بعدها المتوسطي” واستعرض أهمية ترقية التعاون حول آليات معالجة قضايا الذاكرة باعتبارها “عاملا مهما للنهوض بالعلاقات بين البلدين في إطار توازن المصالح”.
يأتي هذا بعد أن شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية قبل عام توترات إثر تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي هاجم خلالها “التاريخ الرسمي” الجزائري قائلاً إنه “أُعيدت كتابته بالكامل”، و”لا يقوم على الحقائق”، بل على خطاب “قائم على كراهية فرنسا” وأن “الجزائر” المدينة لم تكن دولة ولا أمة وكانت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية قبل أن تشتريها فرنسا وتصنعها منها دولة بالتوسع على حساب البلدان الجارة التي كانت تحت نفس الاستعمار، المغرب وتونس وليبيا ومالي.
كما أن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يوجد رهينة النظام العسكري الجزائري ولا حول له ولا قوة ولا أمر له ولا حكم.
واستدعت الجزائر على خلفية التصريحات سفيرها في باريس للتشاور، وأعربت عن رفضها القاطع للتدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية والتي تتمثل في تصريحات الرئيس الفرنسي، ليستأنف السفير محمد عنتر داود، صاغرا ومذلولا، أداء مهامه في باريس بتاريخ 6 يناير 2022، بعد ثلاثة أشهر من الغياب، في تجاهل تام، دون أن تعير له السلطات الفرنسية أي اهتمام، إذ خرج من الباب وعاد من النافذة.
أكثر من التجاهل والإهانة، طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصفح من الجزائريين الذين حاربوا إلى جانب فرنسا خلال حرب تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي عام 1962 ويعرفون باسم الحَرْكَى وعددهم يقارب من 200 ألف حركي .
ودعا إلى قصر الرئاسة الفرنسية – الإليزيه – الاثنين 20 شتنبر 2021، حوالي 300 حركي وأحفادهم، في ظل دعوات من المنظمات التي تمثلهم برفع قيمة التعويضات المرصودة لهم والتي تبلغ 40 مليون يورو.
كان ردّ السلطات الفرنسية على النظام العسكري الجزائري وتوسلاته واستعطافه أكثر إهانة ومذلة إذ رفضت منح التأشيرات لعشرات النواب في البرلمان الجزائري، بقرار سياسي كان الرئيس إيمانويل ماكرون قد أعلن عنه في بداية شهر أكتوبر الماضي، يقضي بإلغاء امتياز الحصول على التأشيرات للمسؤولين الجزائريين.
وأكد مصدر نيابي في البرلمان الجزائري أن إدارة البرلمان الجزائري عجزت منذ أشهر عن تحصيل تأشيرات لنواب البرلمان لدى القنصلية الفرنسية في الجزائر، بسبب مماطلة ورفض القنصلية منح تأشيرات شنغن لـ150 نائبا، وأفراد من عائلاتهم، كان المكتب المكلف بالتأشيرات والعلاقات العامة في البرلمان قد أودع جوازاتهم لدى القنصلية الفرنسية.
وأضاف أن جوازات النواب بقيت لدى القنصلية الفرنسية لفترة غير قصيرة (أربعة أشهر)، قبل أن تقرر إدارة البرلمان استرجاعها، وتحويل جزء منها إلى قنصليات أوروبية أخرى، بينها القنصلية الإيطالية.
من جهة ثانية رفضت فرنسا طلبات الحصول على تأشيرة شنغن، لما يقارب 32 ألف جزائريا، من قبل المصالح القنصلية الفرنسية، في العام 2021، ويمثّل هذا العدد ما نسبته 80 بالمئة من التأشيرات المرفوضة للرعايا الجزائريين، حسب ما ذكره المصدر ذاته.
ورفضت القنصلية الفرنسية تقديم توضيحات إلى البرلمان عن سبب رفض منح التأشيرات للنواب الجزائريين، حسب موقع “العربي الجديد”، كما لم ترد على مراسلة احتجاج كانت قد أرسلتها لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان الجزائريين منذ شهر مارس الماضي إلى السفير الفرنسي في الجزائر “فرانسوا غويات”، حول رفض منح تأشيرات لعدد من النواب السابقين والمسؤولين الجزائريين في قطاعات حكومية.
وتؤكد هذه المعلومات أن باريس ما زالت تتمسك بتنفيذ التهديدات التي كان قد أعلنها الرئيس ماكرون في الثاني من أكتوبر الماضي خلال لقائه مجموع من الطلبة الجزائريين ومزدوجي الجنسية والفرنسيين من أبناء “الأقدام السوداء” (المعمرين السابقين في الجزائر)، عندما أعلن أنه بصدد “إزعاج المجتمع الحاكم في الجزائر، عبر منع التأشيرات عن المسؤولين الجزائريين وأبنائهم وعدم تسهيل حياتهم (تنقلاتهم)”، وكذا تقليص حصة التأشيرات الممنوحة للرعايا الجزائريين بنسبة 50 بالمائة.
وكان مساعد وزير الخارجية الجزائري عمار بلاني قد اعتبر في وقت سابق أن القرار الفرنسي بخفض عدد التأشيرات الممنوحة للرعايا الجزائريين “أحادي الجانب وغير متناسب مع البعد الإنساني الذي يقع في الأساس في صميم خصوصيات العلاقة الجزائرية الفرنسية والشراكة الاستثنائية التي تربط البلدين، لا سيما إدارة التدفقات البشرية”.
وتعطي هذه المعطيات، حسب نفس المصدر، وجها مغايرا وغير معلن للأزمة السياسية بين الجزائر وباريس، كما توضح أنه لم يتم حتى الآن تجاوز تداعيات أزمة أكتوبر الماضي حتى الآن، واستمرار بعض القرارات التي كانت السبب الرئيس في الأزمة.
يأتي ذلك على الرغم من سلسلة الزيارات لوزير الخارجية الفرنسي (السابق) “جان إيف لودريان” في يناير وإبريل الماضيين، عدا عن اتصالات هاتفية بين الرئيس ماكرون وعبد المجيد تبون، ودعوة الأخير ماكرون لزيارة الجزائر، وكذا الاتصال الأخير بين وزيرة الخارجية الفرنسية المعينة حديثا كاثرين كولينا، ونظيرها الجزائري رمطان لعمامرة، ما يعني أن الحديث عن تجاوز الأزمة قد يبدو في الوقت الحالي مسألة سابقة لأوانها.