أين تباع خرفان وزير الفلاحة؟!
اسماعيل الحلوتي
غريب هو أمر بعض الوزراء المغاربة الذين على الرغم مما حظوا به من ثقة ملك البلاد محمد السادس، كثيرا ما لا يتورعون عن نشر الأضاليل والكيل بمكيالين في عديد اللقاءات ومعالجة بعض القضايا التي تشغل بال الرأي العام الوطني. حيث أنهم لا يستحون من الله حين يجيزون لأنفسهم إطلاق الكلام على عواهنه في أكثر من مناسبة وخاصة أمام عدسات الكاميرات، دون أدنى مراعاة للمشاعر واحترام عقول المواطنات والمواطنين. وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول المعايير المعتمدة في انتقائهم ليتقلدوا مناصب ليست على مقاسهم، في الوقت الذي تزخر به بلادنا وأحزابنا السياسية بشخصيات وطنية ذات كفاءات عالية وأخلاق راقية.
فهم لا يستفيدون من أخطاء الوزراء السابقين في الحكومات المتعاقبة ولا يأخذون العبرة مما تعرضوا له من حملات تهكم واسعة وانتقادات لاذعة، سواء عبر صفحات التواصل الاجتماعي أو في عدد من المنابر الإعلامية الورقية والرقمية، جراء تصريحاتهم العشوائية والاستفزازية. إذ طالما تحدث بعضهم من خلف شاشة التلفزيون وفي عز أزمة ارتفاع الأسعار واختفاء بعض المواد الأساسية، عن وفرة الخضر والفواكه واللحوم والأسماك وغيرها والاستقرار الكبير في الأسعار، بما يتناسب والقدرة الشرائية لكافة الشرائح الاجتماعية، في حين أن الواقع غير ذلك ولاسيما في شهر رمضان الأبرك.
ويمكن في هذا الإطار استحضار بعض الفضائح التي أثارت عند تفجرها جدلا واسعا في المجتمع وعلى مختلف وسائط التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر فضيحة القيادية والعضو بالمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، الوزير المنتدبة المكلفة بالماء سابقا شرفات أفيلال التي صرحت عند حلولها ضيفة عام 2015 في برنامج تلفزيوني بالقناة الوطنية الأولى، في ردها على سؤال منشط البرنامج حول أسباب رفض البرلمانيين التقليص من معاشاتهم في ظل ما تمر به البلاد من أزمات، بالقول إن ما يتقاضى البرلماني من معاش مجرد “جوج فرانك”، علما أنه مبلغ 8000 درهم يعادل الأجرة الشهرية للكثير من أطباء القطاع العام.
والمؤسف أنه لم يمر على تصريح الوزيرة السابقة شرفات أفيلال التي سيتم إعفاؤها فيما بعد لأسباب مازالت إلى اليوم غامضة سوى حوالي ثلاث سنوات حتى خرجت علينا سنة 2018 بسيمة الحقاوي العضو البارز في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ووزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية سابقا، بتصريح لا يقل إثارة واستفزازا عن سابقه، حيث أنها وخلال استضافتها في برنامج إذاعي بعنوان “قفص الاتهام” يذاع على أمواج إذاعة “ميد راديو”، قالت دون خجل ولا وجل بأن من يكسب “20 درهما” في اليوم لا يندرج في خانة الفقراء، وأن الفقر في عهد حكومة حزبها تراجع بشكل ملحوظ حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط.
ودون الاستمرار في جرد المزيد من النماذج لبعض الفضائح الأخرى التي خلفت جدلا واسعا داخل المجتمع ومازالت ظروف حدوثها محفورة في ذاكرة المغاربة، سنكتفي هنا في هذه العجالة بالعودة إلى حديث وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات محمد صديقي المحسوب على حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي رفض خلال ندوة “التصريح الحكومي” في 23 يونيو 2022 الترويج لأسعار أضاحي بقيمة ستة آلاف درهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وغض الطرف عن تلك التي تتراوح أثمنتها ما بين 800 و1500 درهم، مدعيا أن جميع الأسعار متوفرة، مشيرا إلى أن الاستعدادات جارية على قدم وساق، حيث تم توفير ما لا يقل عن 8 ملايين أضحية، في حين أن الطلب لا يتجاوز 5,6 ملايين أضحية، فضلا عن أنه تم ترقيم 6,6 ملايين رأس من أجل تتبع مسار الأضاحي والعودة إلى الأصل في حالة حدوث أي مشكل، وأن مصالح وزارته تواكب الوضع الصحي للقطيع عن كثب، ومشددا كذلك على أن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية “أونسا” يراقب عملية التسمين…
وبعيدا عما راكمه المغاربة من خيبات أمل كبرى وشعور بالإحباط في ظل إخلال الحكومات المتعاقبة بالتزاماتها ووعودها في تحسين ظروف عيشهم والنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والحد من معدلات الفقر والأمية والبطالة والفوارق الاجتماعية والمجالية وإصلاح منظومتي التعليم والصحة ومحاربة الفساد والريع. ولأنهم شعب يحسن الظن بالله ويعيش على أمل أن يأتي يوم تصحو فيه ضمائر مدبري الشأن العام، فقد أبى الكثير منهم إلا أن يصدقوا مرة أخرى ما جاء على لسان وزير الفلاحة في أن تكون أضاحي العيد هذه السنة بالوفرة والأثمنة التي تحدث عنها…
وعلى عكس الوزراء والبرلمانيين الذين اعتادوا على تلقي الأكباش السمينة بالمجان، فقد انتشر العمال والأجراء والمتقاعدون فور توصلهم برواتبهم ومعاشاتهم الشهرية، في أسواق الماشية المنتشرة بالمدن وضواحيها، بحثا عن خرفان وزير الفلاحة المتراوحة أثمانها ما بين 800 و1500 درهم، بيد أنهم لم يلبثوا أن اصطدموا بموجة غلاء في أسعار الأضاحي غير معهودة مقارنة مع السنوات الماضية سرقت منهم فرحتهم. وذلك جراء تزامن العيد مع الأزمة العالمية من حيث تداعيات جائحة كورونا، الحرب الروسية الأوكرانية وندرة التساقطات المطرية ببلادنا، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المحروقات والأعلاف ومجموعة من المواد التي تدخل ضمن تربية المواشي، ودفع بأعداد كبيرة من المواطنين إلى إطلاق حملات رقمية تدعو إلى عدم اقتناء أضاحي العيد تحت شعارات من قبيل: “ممعيدينش” و”خليه يبعبع”.