مهرجان “المهابيل*”: كذب وشطحات و”تسييس وترييض” المناسك على خطى شيعة إيران
عبدالقادر كتــرة
“ألم أقل لكم قبل أيام بدأ العهر الجزائري يخرج على العلن. هؤلاء الأوباش حجاج أو مشجعي كرة القدم. أين حرمة المكان. في بيوت الله تكون السكينة وليس برفع الأعلام والنهيق”، بهذه العبارة علّق مدوّن (كريم/قاصد رضاكم) على خروج حجاج الجزائر في جماعات، بساحة المسجد النبوي بالمدينة المنورة، حاملين الرايات الجزائرية ورافعين شعارات “وان تو ثري، فيفا لالجيري” و”الجيش الشعب معاك يا الخضرا” كما لو كانوا بمدرجات ملعب يحضرون مباراة كرة القدم لتشجيع منتخبهم الوطني في كرة القدم،
وعلّق أخر بقوله :”منتخب الولاية الفرانكورغولية يفوز على الشيطان في مقابلة شيّقة بالحرم المكي برسم كأس الحج العالمية”.
مشهد مقزز ومرفوض وغير مفهوم حيث لم يسبق أن قامت بذلك أية بعثة من الحجاج من بقاع العالم الإسلامي إلا بعثة جزائرية سبق أن سلكت نفس النهج سنة 2019، سلوك أغضب المملكة العربية السعودية وضيوف الرحمان من كلّ فجّ عميق، سلوك غريب لم يحترم قدسية المكان ولا حرمة المسجد النبوي، ولا مشاعر الحجاج المسلمين أو مشاعرهم، إذ لا احد استطاع ان يستوعب هذا السلوك الذي لا يمكن أن يُصنَّف إلى في خانة “تسييس وترييض” الدين الحنيف، والتي قال فيه رسول الله :” ( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالكٌ من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بما عرفتم من سُنَّتِي وَسُنَّةِ الخلفاء الرَّاشِدِينَ الْمْهدِيِّينَ. عَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ “.
وسبق هذا المشهد البئيس، خطبة الإمام الجزائري محند إدير مشنان، عضو لجنة الفتوى التابعة لوزارة الشؤون الدينية الجزائرية، ألقاها، يوم عرفات، على مجموعة من الحجاج الجزائرية من البعثة الجزائرية، يتقدمهم وزير الشؤون الدينية بالجارة الشرقية، تزامنت بالذكرى 60 لاستقلال الجزائر، قال فيها :”إن الشعب الجزائري أهدى استقلال الوطن لنبي الاسلام محمد صلى الله عليه وسلم، بعد استرجاع السيادة الوطنية.”
واستشهد الإمام الجزائري، بكلّ وقاحة وجهل، بكلمات أغنية أهداها مغني جزائري لطفل اسمه محمد، غداة الاستقلال، تقول :” يا محمد مبروك عليك * الجزائر رجعت ليك/إلي عليا راني خدمتو* باقي تخدم للي عليك
أبيك جابلك الحرية * مات شهيد و هداها ليك/خلا ليك الجمهورية * و المستقبل بين يديك/راك خذيت المسؤولية * و دم الشهداء يحاسب فيك/هذي أرض الحرية فيها * كنوز يا محمد ليك/قلب بالفاس أراضيها * و اجعل خيرها يفيض عليك/و اصنع مدفع باش تحميها * و اخدم طيارة بيديك/رحم و اقرا الفاتحة علي * بالك تبكي هذي وصيتي ليك/و على قبري ماذا بيا * تكتب باحرف عربية/تعيش تعيش الجمهورية * و تحيا الامة العربية.”.
افمام الجزائري أثث خطبنه الغبية بقوله :”مرشد الجزائر خاطب الرسول بعد الاستقلال: يا محمد مبروك عليك.. الجزائر رجعات ليك”، مضيفا أن “الجزائري لم يجد أعز من رسول الله ليهدي إليه تراب الجزائر”، وهو ما اعتبره المسلمون تطاولا نبي الرحمة الرسول الكريم واستخفافا غريبا بعقول مستمعي خطبته، الذين لا شكّ أن العديد منهم صدقوه وتباكوا معه.
وهذا السلوك أجج غضب المسلمين وثار موجة جدل واسعة على مواقع التواصل، علق عليه نشطاء مواقع التواصل، بكونه محاولة جديدة بائسة من نظام العسكر للعب على وتر المقدسات وربط الدين بالسياسة.
وسبق لمجوعة من الحجاج الجزائريين أن تركوا التلبية خلال الطواف على الكعبة واستبدلوها بدعوات لبلادهم والدعاء على أعدائهم، حلّف صدمة لدة الحجاج المسلمين ورددوا وهم يطوفون محرمين :”اللهم احفظ الجزائر المنكوبة، ربنا علّ راية الجزائر لألوان الجنة، اللهمّ اجعلها شامخة منصورة، الجزائر العزيزة”، المشهد الذي وصفه جزائريون بالخروج عن الدين وتشييع الجزائريين، محملين النظام العسكري الجزائري بعسكرة الدين وتسييسه.
ومن هرطقات الجزائريين حكاية الشيخ الجزائري الذي رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله: ” أي البلاد أحبُّ إليك يارسول الله بعد مكة والمدينة ؟ قال ” الجزائر” ثم ماذا؟ قال “الجزائر” ثم ماذا؟ قال “الجزائر”.، مع العلم أن خرائط العالم القديم لم تضم دولة باسم الجزائر والتي لم تكون موجودة أصلا، بل إن “الجزائر المدينة” ذاتها لم تظهر ألا في القرن الثامن عشر، وظلت طوال القرون جزءا من المغرب إلى أن احتلها فرنسا وصنتها بمرسوم بعد إضافة أجزاء من البلدان المجاورة، وتخلّت عنها بعد استفتاء تقرير المصير سنة 1962.
وسبق للشيخ الجزائري شمس الدين أن بشر الشعب الجزائري وصرح بأنه رأى رسول الله في الحلم وقال :” قالوا لي أن رسول الله جاء ليزور الجزائر . خرجت من بيتي وشرعت في البحث عنه من مسجد إلى آخر، إلى أن دخلت إلى مسجد بالعربي بالحامة في بلوزداد أين ترعرعت وتعلمت، فلما رأيته عرفته، لكن لم يعرفه أحد، وكان رسول الله جالسا. فاقتربت منه وقابلته وابتسمت لها وابتسم إلي. جلست أمام وسألنه “يا رسول الله واش جيت ادير في الجزائر؟” قال لي “والله الذي لا إله إلا هو، جئت لأنشر القرآن. وهذه علامة على أن الشعب الجزائري لن يتخلى عن القرآن…”
هرطقات وترهات هؤلاء تنبع من سلوك الشيعة الذين يتخذون من الكذب “تقية” والتقية بمعناها المعروف المشهور من أصول الرافضة الاثني عشرية التي يخالفون بها أهل السنة والجماعة ويخرجون بها عن صراط الله المستقيم .
فالتقية في دين هؤلاء هي أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن تديّنا ؛ فينسبون الكذب والخداع لدين الله ظلما وعدوا .
وليست هذه العقيدة الفاسدة من عقيدة أهل السنة في شيء ؛ فالكذب عند أهل السنة من صفات المنافقين ، ولا يزال الإنسان يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ، وهؤلاء يكذبون ويتحرون الكذب في كل شيء ، ثم يجعلون من ذلك اعتقادا ودينا !!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” الرَّافِضَة أَجْهَلُ الطَّوَائِفِ وَأَكْذَبُهَا وَأَبْعَدُهَا عَنْ مَعْرِفَةِ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ وَهُمْ يَجْعَلُونَ التَّقِيَّةَ مِنْ أُصُولِ دِينِهِمْ ، وَيَكْذِبُونَ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ كَذِبًا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ ، حَتَّى يَرْوُوا عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّهُ قَالَ : التَّقِيَّةُ دِينِي وَدِينُ آبَائِي ، و ” التَّقِيَّةُ ” هِيَ شِعَارُ النِّفَاقِ ؛ فَإِنَّ حَقِيقَتَهَا عِنْدَهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَهَذَا حَقِيقَةُ النِّفَاقِ
من جهة أخرى، في عهد جاهلية قريش، لم يقحم الكفار فريضة الحج في صراعات القبائل، ولم يجعلوا من الحج الذي كان يمثل حينها جزءاً مهماً من شعائر قبائل العرب الوثنية مادة لتصفية الخصومات والنزاعات السياسية، فكان زائر مكة يلقى عدوه في رحابها فلا يتعرض له بسوء.
فرق كبير بين تديين السياسة وتسييس الدين، ففي الشق الأول يتم تذويب فكرة الدين وتقديمها في قالب عملي هدية انقاذ عالمية، وذلك غاية الإسلام المحمدي الخاتم لرسالات السماء، وفي الشق الثاني يتم افراغ الدين من روحه وتحويله الى مطية لخدمة مصالح الأنا البشرية المجافية لروح ولب الإسلام، وصدق الله القائل “الذين اتخذوا القرآن عضين” والشاهد “عضين” والتي تعني: منجماً بحسب أهوائهم ونزواتهم ومصالحهم، وهو ما دأبت عليه القيادة السعودية الوهابية، في تعاملها مع فريضة الحج واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية.”
وسعى تنظيم الإخوان الإرهابي منذ تأسيسه إلى استغلال فريضة الحج لأهداف سياسية، وإن اختلفت تلك الأهداف في بدايات تأسيس التنظيم عن الفترة الحالية، حيث كانوا يستغلون الحج للترويج لأفكار الجماعة واستقطاب الأنصار، ولكن تلك الأهداف اختلفت بعد تصنيف السعودية الإخوان كتنظيم إرهابي، حيث تحول التنظيم إلى التآمر على السعودية خلال موسم الحج.
وتلاقت أهداف الإخوان ونظام الخميني في إيران في تسييس الحج، حيث سعت إيران وتحت شعار “تصدير الثورة” إلى استغلال مواسم الحج للإعلان عن مواقف سياسية كانت تتبناها عبر إقامة مراسم ما يسمى بـ”البراءة من المشركين”.
وإعلان “البراءة من المشركين” هو شعار طائفي ألزم مرشد إيران الخميني، الحجاج الإيرانيين برفعه وترديده في مواسم الحج، من خلال مسيرات أو مظاهرات “تتبرأ ممن يعتبرونهم مشركين”، باعتبار أن الحج يجب أن يتحول من مجرد فريضة دينية إلى فريضة سياسية.
وخلال موسم الحج عام 2013، احتشد أتباع جماعة الإخوان لرفع شعار “رابعة” على جبل عرفات، رغم التحذيرات السعودية بعدم إقحام السياسة في المناسك الدينية.
وتقف السعودية بحزم أمام محاولات تسييس الحج، مشددة على أهمية المحافظة على مقاصد الحج الإيمانية، وتعظيم شعيرة الحج واستغلاله في بذل الطاعات والعبادات تقربًا لله، وعدم الخروج عن شعيرة هذا النسك العظيم برفع أي شعارات سياسية أو مذهبية.
ودعا الرئيس العام لشؤون الحرمين الشريفين، الشيخ عبدالرحمن السديس، الحجاج للتفرغ للعبادة دون شعارات أو هتافات أو مسيرات.
وبلغ عدد الحجاج عام 2019 نحو 2,5 مليون حاج، لكن بعد تفشي فيروس كورونا في 2020 سمحت السعودية لعشرة آلاف شخص فقط من داخل المملكة بأداء الفريضة في هذا العام، قبل أن يتم رفع العدد في العام التالي 2021 إلى 60 ألفا ملقحين بالكامل من داخل المملكة من مختلف الجنسيات.
تواصل توافد قوافل ضيوف الرحمن إلى المملكة لأداء فريضة الحج، معلنين فشل مؤامرات الإخونجية، وسط تكامل الخدمات في السعودية، سواء على الصعيد الديني أو الصحي أو الأمني، وتوفير كل ما من شأنه أداء الحجاج مناسكهم بسهولة ويسر وأمن وأمان، ليعودوا إلى بلادهم بحج مبرور وذنب مغفور.
ومن أبرز مبادرات خدمة ضيوف الرحمن هذا العام، مبادرةُ “طريق مكة” ، التي تم إطلاقها في 5 دول هي إندونيسيا وماليزيا وباكستان والمغرب وبنجلاديش، وجاءت للتيسير على ضيوف الرحمن، وحرص المملكة على رعاية ضيوف الرحمن وسقايتهم وإعانتهم والاهتمام بشؤونهم.
وتهدف مبادرة “طريق مكة”، إحدى مبادرات خدمة ضيوف الرحمن وضمن برامج رؤية المملكة 2030، إلى إنهاء إجراءات ضيوف الرحمن المستفيدين من بلدانهم، بداية من إصدار التأشيرة إلكترونيًا وأخذ الخصائص الحيوية، ومرورًا بإنهاء إجراءات الجوازات في مطار بلد المغادرة بعد التحقق من توافر الاشتراطات الصحية، إضافة إلى ترميز وفرز الأمتعة وفق ترتيبات النقل والسكن في المملكة، وعند وصولهم ينتقلون مباشرة إلى حافلات لإيصالهم إلى مقار إقامتهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة، بمسارات مخصصة، في حين تتولى الجهات الخدمية إيصال أمتعتهم إلى مساكنهم.
يذكر أن وزارة الحج السعودية قامت بتقليص بعثة الحج الجزائرية هذا العام من 40 ألفا إلى 10 آلاف حاج فقط، بسبب الإجراءات التي اتخذتها السعودية لتأمين موسم الحج من عدوى الوباء، والتي أجبرتها على تخفيض عدد الحجاج من أربعة ملايين إلى 400 ألف حاج فقط، بهدف تسهيل تطبيق إجراءات الوقاية من الفيروس، على غرار التباعد وحماية الحجاج من الاكتظاظ والزحمة في مختلف المشاعر، التي من شأنها أن تساهم في انتشار العدوى وتشكل خطورة على صحة زوار بيت الله الحرام.
*أعتذر لصديقي وزميلي وابن حيي المرحوم الأستاذ الفيلسوف الكاتب المسرحي “محمد مسكين” لاستعارة عنوان مسرحيته “مهرجان المهابيل”