السماح للموظفين بمزاولة أنشطة موازية ومربحة!
اسماعيل الحلوتي
بعد أن بات واضحا لعدد من متتبعي الشأن العام أنه لم يعد مقبولا الاستمرار في اعتماد الفصل الخامس عشر من الظهير الشريف رقم: 008.58.1 بتاريخ 4 شعبان 1377 الموافق ل(24 فبراير 1958) المتعلق بالقانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، الذي يمنع على الموظف مزاولة أي نشاط آخر خارج وظيفته الأصلية. وبدا أن مطلب الزيادة في أجور الموظفين بما يتناسب مع الزيادات الصاروخية المتوالية في الأسعار، سيظل معلقا إلى ما شاء الله، مادام أنه لم يحظ بما يلزم من اهتمام سواء بالنسبة للحكومتين السابقتين بقيادة حزب العدالة والتنمية أو الحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، التي عرفت أسعار المحروقات في عهدها زيادات قياسية مقارنة مع السنوات الماضية، جراء اندلاع الحرب الروسية منذ أواخر شهر فبراير 2022.
ارتأت نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب التابعة لحزب “المصباح” أنه ليس هناك في الوقت الراهن من سبيل لتحسين أوضاع الموظفين، في ظل تواصل مسلسل الغلاء وتجميد الأجور، عدا أن تتقدم بمقترح قانون يتم بمقتضاه تغيير الفصل 15 من الظهير المشار إليه أعلاه في صيغته الحالية، الذي ينص على: “منع الموظف من مزاولة أي نشاط آخر بموازاة مع نشاطه الأصلي، تحت طائلة المتابعة التأديبية، باستثناء إنجاز الأعمال العلمية والأدبية والفنية والرياضية، شريطة ألا يطغى عليها الطابع التجاري” والعمل على منح الموظف العمومي الحق في أن يزاول بصفة مهنية أي نشاط حر أو تابع للقطاع الخاص، يدر عليه دخلا كيفما كانت طبيعته، شريطة إشعار إدارته مسبقا بطريقة كتابية، والامتناع عن أي حالة من تنازع المصالح مع وظيفته الإدارية، تحت طائلة العزل.
ويشار في هذا الإطار إلى أنه على الرغم من افتقار الترسانة القانونية المغربية إلى تعريف صريح وواضح لمفهوم “تنازع المصالح”، فإن المشرع المغربي انتبه لهذه الإشكالية وسعى إلى الحد منها والتقليل من حدتها أحيانا، تاركا مهمة التعريف إلى الفقه والقضاء. وهو ما أدى إلى الاتجاه صوب الفقه المقارن، إذ عرف المجلس الأوروبي أن “تنازع المصالح” ينجم عن وضعية يوجد فيها موظف له مصلحة خاصة، من شأنها التأثير على السير الموضوعي والعادل لمهامه الرسمية.
وفي هذا الصدد ينص الفصل 36 من الدستور على: “يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات الطابع مالي. وعلى السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها. وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها والزجر عن هذه الانحرافات. ويعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية…”
وقدد بررت النقابة السالفة الذكر مقترحها بتطور الممارسة الاقتصادية وانخراط البلاد في منظومة حقوق الإنسان الكونية، وتطور أجهزة الحكامة الجيدة والرقابة على حالات تنازع المصالح وآليات مراقبة الفساد الإداري ونزاهة الموظفين العموميين، ولاسيما أن عددا منهم في التعليم والصحة والتكوين والدراسات والاستشارة والعقار والفلاحة وغيرها يشتغلون بالفعل خلال أوقات فراغهم، بهدف الرفع من دخلهم الشهري وتمكين المجتمع من الاستفادة من كفاءتهم وقدراتهم.
ثم إنها أوضحت في نفس السياق أن الدولة تخسر إمكانات ضريبية مهمة بسبب عمل أولئك الموظفين العموميين الذين يشتغلون خلسة وبشكل يتعارض مع النصوص القانونية، وأنهم هم أيضا يشعرون بمخاطر مستديمة قد تكلفهم ضياع مناصبهم، مما يقتضي فسح المجال أمام الممارسة القانونية لأنشطة مهنية خارج أوقات العمل، على أن يتحمل كل من الموظف والإدارة المشغلة له مسؤولية أي مس أو إخلال بأخلاق المرفق العمومي، وأية حالة تؤدي إلى تنازع المصالح، مع ضرورة تشديد الجزاء للوصول إلى عقوبة العزل، إذا ما تبين للإدارة قيام الموظف باستغلال وظيفته لخدمة مصالح ناشئة عن أنشطته الاقتصادية في القطاع الخاص، انسجاما مع روح الفصل 36 من الدستور، كما سلف ذكره.
ومما لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا هو أن المشرع ألزم الموظف العمومي في الفصل 15 من ظهير 1958 بالتفرغ الكلي للمهام المنوطة به والمتعين عليه أداؤها على أحسن وجه، على أن يتقاضى مقابل ذلك أجرة كاملة تكون كافية للحيلولة دون البحث عن مداخيل أخرى، قد تتطلب مجهودا إضافيا وتستنزف طاقاته على حساب واجبه المهني الأصلي، أو يمكنها أن تحد من حريته، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة ومنها اشتغال الأطر التعليمية من القطاع العمومي في مؤسسات التعليم الخصوصي…
إننا وبعيدا عن خلفيات هذا المقترح النقابي والتوقيت الذي تم فيه تقديمه للدرس والمصادقة عليه من قبل الحكومة والمؤسسة التشريعية، علما أنه لم يأت بأي جديد مفيد وإن كان لكل مجتهد نصيب، كنا نأمل أن تعكف المركزيات النقابية ومعها الأحزاب السياسية ومجلسي النواب والمستشارين، ليس فقط على حماية القدرة الشرائية للمواطنين عامة والموظفين خاصة، من خلال مراجعة أسعار المحروقات ومعها أسعار باقي المواد الأساسية والزيادة في أجور الموظفين بما يساهم في الرفع من أدائهم وجودة الخدمات، بل وكذلك ابتكار أنجع الحلول لمعالجة معضلة البطالة، التي ما انفكت معدلاتها تتزايد في السنوات الأخيرة بشكل مقلق ومؤرق، وخاصة في أوساط الشباب خريجي الجامعات والمعاهد ومراكز التكوين بالمغرب.