تقرير “لاماب” المخالف للصواب!
اسماعيل الحلوتي
غرائب وعجائب تتناسل بيننا خلال هذه الأيام وتجعلنا عاجزين عن إيجاد تفسير لها وإدراك أبعادها. ولأن الحيز لا يتسع للحديث عنها مجتمعة، سنقتصر هنا والآن على الإشارة فقط إلى ثلاثة نماذج منها، ويتعلق الأمر بتصريح نائب برلماني من فرق الأغلبية، الذي قال دون أدنى احترام لعقول المغاربة وذكائهم، بأن البرنامج الحكومي مصادق عليه من قبل صاحب الجلالة، فيما قال زميل له بمجلس النواب بأنه من غير المقبول أن يحتدم النقاش قبل خطاب العرش حول “تقرير” وكالة المغرب العربي للأنباء، المعروفة اختصارا باسم “لاماب”.
ترى ما الذي يتضمنه هذا التقرير من أسرار حتى يستدعي تأجيل مناقشته إلى ما بعد خطاب العرش؟ فخلافا للقانون رقم 15.02 المتعلق بإعادة تنظيم وكالة المغرب العربي للأنباء، الذي يحدد اختصاصاتها وأنشطتها في ثلاث نقط، وهي: تثمين الهوية الوطنية وتعزيز إشعاع المغرب وتقوية حضوره على المستوى الدولي، المساهمة في إيصال صوت المملكة أمام المحافل الوطنية والدولية وتحفيز النقاش العمومي الديمقراطي عبر تنظيم لقاءات فكرية وإعلامية كالمنتديات واللقاءات الحوارية والندوات، والقيام ببث كل خبر ترى السلطات العمومية الدستورية فائدة في إبلاغه للعموم. أبت ذات “الوكالة” في سابقة تعد هي الأولى من نوعها إلا أن تنصب نفسها للدفاع عن الحكومة ورئيسها عزيز أخنوش، وتشن هجوما عنيفا على منتقديهما، وهي تقصد المعارضة السياسية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، موجهة لهم تهمة التخوين والتحريض، حيث وصفتهم ب”التواطؤ مع جهات سرية بغرض زعزعة استقرار الحكومة”
ترى أي ذي عقل سليم يقبل بمثل هذا الهذيان من قبل مؤسسة إعلامية رسمية، يفترض فيها التحلي بالموضوعية وتحري الدقة في نقل الأخبار بنزاهة وحيادية واحترام أخلاقيات المهنة؟ ثم ألا يعتبر ما ورد في تقريرها الاستفزازي من اتهامات خطيرة للمعارضة مخالفا للصواب، ويجر “الوكالة” إلى اقتراف خطأ مهني جسيم، خاصة أن المادة الرابعة من نفس القانون المشار إليه أعلاه، تنص على أنه: “يناط بالوكالة مهمة البحث في المغرب كما في الخارج عن عناصر الخبر التام وذي مصداقية وموضوعية ومعالجتها بشكل منفتح ومتوازن ومتعدد وبحيادية، وفقا لأخلاقيات مهنة الصحافة”؟ وتبعا لذلك، أين نحن من الموضوعية والحياد والمهنية، أمام توزيع الاتهامات جزافا في غياب المعطيات والدلائل؟
فالمؤسسة الذائعة الصيت التي أراد المشرفون على موادها الإعلامية الترافع من خلال التقرير/المقال عن الحكومة والمصالح الشخصية لرئيسها عوض الاهتمام بما هو منوط بها من مسؤوليات والتزامات، لم تعمل في واقع الأمر سوى على ضرب ما تبقى لديها من مصداقية وصب الزيت على النار، مخلفة بذلك ردود فعل غاضبة وامتعاض الكثير من النخب السياسية وخاصة في المعارضة، من الذين يرفضون بقوة أساليب التخوين والترهيب ويشجبون تلك الاتهامات المباشرة، لاعتقاد “الوكالة” الخاطئ أنهم يقفون خلف هاشتاغ “أخنوش إرحل” المنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي منذ يوم: الخميس 14 يوليوز 2022 والحملة الوطنية الشعبية الواسعة المطالبة بخفض سعر الغازوال والبنزين، إسوة بباقي الدول التي سارعت إلى ذلك مباشرة بعدما تراجعت أسعار النفط والحبوب في السوق الدولية…
ففي الوقت الذي اكتفى فيه الناطق الرسمي باسم الحكومة والقيادي في حزب رئيس الحكومة مصطفى بايتاس الرد على الحملة الشعبية ووسم “أخنوش إرحل” بالقول: “إن الحكومة تتابع باهتمام جميع الاحتجاجات سواء في الفيسبوك أو في الشارع أو عبر الشكايات وتحاول أن تتفاعل قدر الإمكان مع مطالب الشعب المغربي”، آثرت الوكالة إياها أن تزيغ عن سكتها في اتجاه خدمة ودعم السياسة العمومية للدولة وتوجهاتها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وتنصب نفسها محامية شرسة على الحكومة ورئيسها، معتبرة أن الاحتجاجات بمختلف تعابيرها اعتداء مباشر على شخص رئيس الحكومة، ويعكس بجلاء المستوى المنحط للعمل السياسي في بلادنا، رافضة أن يتم تضليل المواطنين البسطاء، ومؤكدة على أن هناك رغبة واضحة لدى البعض في محاولة تكرار تجربة المقاطعة الاقتصادية التي عرفها المغرب سنة 2018 ضد ثلاث شركات بما فيها “إفريقيا غاز” المملوكة لرئيس الحكومة.
ولم تقف الوكالة عند هذا الحد من الاتهامات الباطلة ضد المعارضة السياسية الواردة في تقريرها، الذي جاء في عشر نقط رئيسية حاولت من خلالها تقديم توضيحات في شأن الحملة الشعبية، نيابة عن الحكومة والوزارة الوصية على قطاع الطاقة، بل تجاوزته للتأكيد على أن الحملة الرقمية تغذيها حسابات مزيفة، تم إحداثها بشكل فوري من قبل أوساط حاقدة وغير معروفة. وانتهت إلى التشديد على أن الحقيقة لن تتأخر في الظهور، لأن انتقاد التدبير الحكومي ينبغي أن يتم بشكل شرعي وبالوسائل التي توفرها الديمقراطية، وليس عبر النشر غير المسؤول للحقد والعنف والتشهير وازدراء الرأي العام….
إن تقرير وكالة المغرب العربي للأنباء “لاماب” الذي سيظل يشكل وصمة عار على جبين مديرها، ليس عبارة عن زلة لسان لأحد المنتسبين إليها كان فاقدا للوعي أثناء النطق بكلمة في غير موضعها، وإنما هو “بيان” من عشر نقط عريضة تم انتقاؤها بدقة وعن سبق إصرار، ويظهر إلى أي حد أن طريق الديمقراطية في بلادنا مازال طويلا وشاقا وشائكا، مادام يوجد بيننا أشخاص جبناء وانتهازيون، يستهويهم الاصطياد في الماء العكر. فهل كانت خرجة “الوكالة” غير المحسوبة العواقب ضرورية في ظل ما تعرفه بلادنا من غليان بسبب الصعوبات الاقتصادية والإكراهات الاجتماعية والضغوطات السياسية؟