صحيفة “لوماتان الجزائر” تتساءل : “لماذا يَكْرهُ الجميع الجزائريين؟”
عبدالقادر كتـرة
كتب أحد ألمع الصحافيين الجزائريين وأفضل الأقلام الإعلامية الجزائرية النزيهة والجريئة، مقالا جدّ قاسٍ على أعمدة صحيفة “لوماتان الجزائر”، نقل فيه حقائق محزنة وصريحة إلى كل الجزائريين لن تروق لجنرالات النظام العسكري بثكنة بن عكنون وأزلامهم كهنة معبد قصر المرادية، ستخدش عجرفتهم وكبرياءهم وتفضح أسرارهم وتكشف عن وجههم الحقيقي المتوحش وتعري عن صورته المارقة الرعناء…
استهل الصحفي الجزائري حبيب خليل مقاله بالحديث عن سلوك الشعب الجزائري وردود فعل الجماهير الرياضية الجزائرية غداة إقصاء المنتخب الوطني الجزائري في الدور الأول من إقصائيات كأس إفريقيا التي جرت أطوارها بالكاميرون شهر مارس الماضي، والذي كان النظام العسكري الجزائري يعقد عليه الأمل لتنويم شعبه وإلهائه عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية السياسية التي كان يتخبط فيها، وقال :”ردود الفعل المحيرة، وأحيانا الغريبة من قبل العديد من الجزائريين، في اليوم التالي لإقصاء المنتخب الوطني من كأس الأمم الأفريقية، تظهر درجة التحلل المتقدم للبلاد”.
واستطردا :”لشرح الفشل، فإن أجهزة التلفاز الغبية، التي سربت تحت شعار “الجزائر الجديدة”، وبثت تقارير، حيث أظهرت، في كل مكان في البلاد، في الجزائر العميقة، أناسا مذعورين وغاضبين يصرخون : إنها مؤامرة، والبلد مستهدف، واليد الأجنبية ضربت مرة أخرى! يتهمون الجميع بعبارات مؤذية، بإيحاءات عنصرية قوية… عشوائياً، بغطرسة، بدون ضبط النفس، بالعجرفة والتظاهر، نُدين الاتحاد الإفريقي لكرة القدم والمغرب والكاميرون والدول التي هزمتنا رياضياً”.
“لقد رأى الكثيرون، في هذا الإقصاء المبكر، يد الشيطان وأرواح الجن، ومكانس السحرة، وتعاويذ “الكحلوش”، وطلاسم الأولياء، ميِّتين وأحياء، العالم المرئي وغير المرئي، أفريقيا وأوروبا، كلّ هذا اتّحد ضدنا! ضد أعظم دولة في إفريقيا، مكة القضايا العادلة، الصورة الرمزية لفلسطين، ذراع الله المسلح على هذه الأرض!”.
وتساءل الصحفي الجريء، إن كان يختبئ في كل جزائري “تبون” لا يعرفه، وفي كل مؤيد “شنقريحة”، أو “خليفة” في طور البعث، كما تساءل كيف أصبحت السلطة والشعب المتعصبان يتحدثان أخيرًا بصوت تآمري واحد، مثل الدمى والمتكلمين من بطونهم في اندماج تام.
خلال البطولة الأفريقية، بثت القنوات الإسلامية تقارير سريالية، حيث هرع الرقاة طاردو الأرواح الشريرة والمشعوذون إلى الكاميرون، وكانت مهمتهم إبطال التعويذة التي سيكون المنتخب الجزائري ضحية لها ولا يستطيع لاعبوه تسجيل الأهداف.
استطرد الصحفي بكلّ قساوة وسخرية: “لكن لا القرآن ولا قنينات الماء المقدس من زمزم منع الإذلال. اختلطت الأزمات الجماعية المهلوسة والفصامية بخيبة الإقصاء: “هذا كثير: هزم الثعالب والقرآن الكريم، ترتعد البلاد ومعتقداتها! صحافي رياضي، ليعبر عن ارتباطه بالمنتخب الوطني الجزائري، أعلن عن استعداده للذهاب والجهاد في فلسطين! ما العلاقة، تقول؟ لا شيء، مجرد دليل على الحب!”
وتساءل كيف وصل الشعب الجزائري إلى هذه الحالة في عام 2022، وإلى مجرد “قبيلة” يبلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة، متدينة بشكل شنيع، والتي سلبها المقدس والأسطورة بالكامل، يتخذون أنفسهم مركزًا له، لدرجة الاعتقاد بأن المادة والميتافيزيقيا سوف يجتمعان لإقصائهم من بطولة رياضية بسيطة، في البلد حيث كرة القدم هي الملاذ الرئيسي.
وأشار، بكلّ صراحة، إلى أن الهزيمة مرادفة للعودة إلى الواقع والحياة اليومية المحبطة، وهو ما لا يريده النظام الحاكم، واقع مُرّ ومُحبِط جدًا إذ الهزيمة هي العودة إلى نقص الحليب والزيت، إلى الفقر، إلى وباء كوفيد، إلى انهيار النظام الصحي، إلى نقص الطحين والأدوية، إلى التضخم، إلى قبح المدن والدواوير، إلى عنف الحياة اليومية، إلى مراكز جمع النفايات البرية، وتقنين المياه، والبطالة، والملل، والتعسف، وسجناء الرأي والحراقة … إلى الجحيم!
وذكّر بأن الجالية الجزائرية في فرنسا والتي توجد بقوة، كانت تتمنى هزيمة “ثعالب الصحراء”، ليس بدافع الغيرة أو الحسد أو بعض المؤامرات الأخرى المتناقضة، لكن لمجرد راحة البال، وتجنيب البلد ليالي الهياج والاشتباكات والتخريب بالسيارات، وهي الصورة القاتمة التي يقدمها الجزائري للخارج.
وأوضح خليل لحبيب أن صناعة العدو والعزلة والتدين المفرط والحصار الذي يعيشه الجزائريون، جعلت منهم كائنات غريبة يعتقدون أنها تحمل وتحمي “سرّ تحويل الحجر إلى ذهب” و أسطورة “ينبوع الشباب”، إذ 90٪ من الجزائريين لم يسافروا قط، ولم يروا قط سويديًا أو سويسريًا، والأسترالي بالنسبة لهم، غريب مثل قفزات الكنغر، على القناة الجغرافية الوطنية.
وختم مقاله بقوله “إن جزائر 2022 تغرق، كل يوم أكثر بقليل، في العصور الوسطى…وعندما يكون مصير المباراة أهم من مصير 300 من سجناء الرأي. عندما لا نحترم، لا الأحياء ولا الأموات ولا النساء ولا معتقدات الآخرين في بلد حديث المولد، هذا يشبه وأد الأطفال، وأكد على أن الأمل لم يَعُد مسموحًا به، اللهم إلا إذا كانت هناك معجزة، لأن الأمل ليس هو الذي يُنقذ، بل الأفعال التي تجعله ممكناً .