عن أي تعديل حكومي يتحدثون؟ !
اسماعيل الحلوتي
في خضم الحملة الرقمية المتواصلة على شبكات التواصل الاجتماعي منذ 14 يوليوز 2022، المنددة بمسلسل الغلاء الفاحش، جراء الارتفاع المتصاعد في أسعار المحروقات وانعكاساته على باقي المواد الأساسية واسعة الاستهلاك. والتي تزامن إطلاقها مع هاشتاغ لنشطاء يطالبون من خلاله برحيل عزيز أخنوش رئيس الحكومة وخفض أسعار المحروقات، تعبيرا منهم عن استيائهم من تضرر القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، وعدم تفاعل حكومته مع مطالبهم المشروعة والوفاء بوعودها…
وفي الوقت الذي عم فيه الشعور بالفرح داخل الأوساط الرياضية خاصة والجماهير الشعبية عامة، على إثر القرار الصادر عن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، القاضي بإنهاء الجدل القائم حول المنتخب الوطني لكرة القدم، من خلال الإعلان يوم الخميس 11 غشت 2022 عن الانفصال بالتراضي مع المدرب البوسني وحيد خليلوزيتش، ونحن على بعد حوالي ثلاثة أشهر فقط من انطلاق فعاليات كأس العالم المزمع تنظيمها في قطر من 21 نونبر 2022 إلى 18 دجنبر 2022.
طفت فجأة على سطح الأحداث أنباء عن إمكانية إجراء تعديل وزاري محدود قبل نهاية شهر غشت. حيث جاء ضمن مواد المجلة الناطقة بالفرنسية “جون أفريك” الصادرة في باريس، أنه جرى التحضير اللازم لذلك خلال اجتماع وصف بالسري انعقد يوم 5 غشت 2022 بين المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة ورئيس الحكومة عزيز أخنوش. وسيقتصر في مرحلته الأولى على قطاعي العدل والتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، اللذين يشرف عليهما الأمين العام لحزب “الأصالة والمعاصرة” عبد اللطيف وهبي، والقيادي في ذات الحزب عبد اللطيف ميراوي، ومن المحتمل أن يشمل التعديل حقائب أخرى لاحقا.
وبذلك سيكون هذا التعديل إذا ما تحقق هو الثاني من نوعه في حكومة أخنوش خلال السنة الأولى من ولايتها، حيث وقع التعديل الأول بعد مرور أسبوع واحد فقط على تعيينها، وسمي آنذاك بأسرع تعديل حكومي في تاريخ المغرب، عندما وافق الملك محمد السادس وفق الفصل 47 من الدستور على مقترح رئيس الحكومة بتعيين خالد آيت الطالب المحسوب على حزبه “الأحرار” وزيرا للصحة والحماية الاجتماعية، خلفا لنبيلة الرميلي لتتمكن من التفرغ الكامل لمهامها كعمدة لمدينة الدار البيضاء.
وليست هذه أول مرة يثار فيها موضوع التعديل الحكومي، إذ اعتاد المغاربة على ذلك في الحكومات السابقة حتى في حالة ما إذا لم يكن هناك من داع له أو فقط لامتصاص غضب الشارع والتخفيف من حدة الاحتقان الاجتماعي، فيبدو ظاهريا وكأنه جاء فعلا بهدف إصلاح بعض “أعطاب السير” أو تسريع وتيرة الأداء الحكومي. إذ من بين السمات البارزة التي تتميز بها معظم الحكومات المتوالية، هناك التخبط والعشوائية والارتجال في اتخاذ القرارات المصيرية وعدم القدرة على حسن تدبير الأزمات. وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول المعايير المعتمدة في انتقاء الوزراء، كلما تواترت أنباء عن تعديل وزاري مرتقب.
فالحديث عن التعديل الحكومي بدأ منذ أن اشتعلت احتجاجات الاستنكار والتنديد بموجة الغلاء الفاحش، وفشل بعض الوزراء في الاضطلاع بمسؤولياتهم، فضلا عما رشح من أنباء عن غياب الانسجام بين التحالف الحكومي الثلاثي، حيث كشفت جريدة الصباح في عددها الصادر في 8 أبريل 2022 عن أن تعديلا وزاريا يلوح في الأفق، وقد يطال حوالي ثمانية وزيرة ووزيرا، بينهم “مخضرمون” وآخرون “مبتدئون”، مبررة ذلك بافتقار البعض إلى الكاريزما السياسية، فيما تبين أن البعض الآخر دون مستوى المسؤولية المنوطة بهم وانتظارات المواطنين، فظلت قطاعاتهم شبه مشلولة…
وإذا كانت مجلة “جون أفريك” أشارت بالإسم إلى الوزيرين وهبي وميراوي المرشحين للإعفاء، فهما فعلا الوزيران الأكثر انتقادا من قبل المواطنين وعديد المنظمات الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني، ومن مكر الصدف أن الرجلين معا يجمع بينهما نفس الحزب “البام” ونفس الإسم الشخصي “عبد اللطيف” ونفس الشبهة “تضارب المصالح”. حيث أن الأول إضافة إلى استغلاله وثائق مملوكة لمؤسسة دستورية بقصد المتاجرة فيها، وانكبابه على التحضير للنظام الأساسي للمحامين، علما أنه يمتلك مكتبا للمحاماة تسيره ابنته، اشتهر كذلك بقضية ما بات يعرف ب”التقاشر” لاعتدائه الشنيع بالكلام الجارح على المدير الإقليمي لوزارة الثقافة إبان افتتاح المركب الثقافي بمدينة تارودانت، التي يرأس بلديتها. فيما أن الثاني فضلا عن إخفاقه في تدبير أزمة طلبة العائدين من أوكرانيا وفضيحة الغش في مباراة ولوج كليات الطب، فقد سبق أن تم تداول وثائق تشمل معطيات عن تلقيه تعويضات من جامعة فرنسية بتزامن مع رئاسته لجامعة القاضي عياض بمراكش، وهو يعلم أن قانون التعيين في المناصب العليا لا يسمح للمسؤولين بالجمع بين المناصب أو تلقي أجور من دولة أخرى…
إننا ولشدة ما ركمنا من إحباطات وخيبات أمل، لم نعد نبدي كبير اهتمام بمواضيع التعديلات الوزارية، التي غالبا ما لا تؤدي إلى المرجو منها. بيد أنه ما إذا كانت الضرورة تستلزم إعطاء حكومة أخنوش دفعة حقيقية نحو الأمام، فليس وحدهما الوزيران وهبي وميراوي من تجب التضحية بهما، بل هناك أيضا آخرون مثل وزير التربية الوطنية والتعليم شكيب بنموسى، وزير الفلاحة محمد صديقي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي والوزيرة المكلفة بالانتقال الرقمي غيثة مزور…
ثم لم لا يتم التفكير من الآن في تعديل يفضي إلى إعادة تشكيل تحالف حكومي جديد، بخروج حزب “البام” إلى المعارضة، أو حزب الاستقلال والعمل على إحياء الكتلة الديمقراطية، بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال وينضاف إليها حزب “تحالف فيدرالية اليسار”؟