الرشوة، ذلك السرطان الذي ينخر بلادنا.
يحي طربي
تطلعنا الصحافة الإلكترونية و الورقية و قنوات يوتوب، يوميا، على قضايا رشوة هنا و هناك، و المتورطون فيها موظفون مسؤولون في الدولة بدرجات متفاوتة. و من تم، لا يختلف اثنان على أن القاسم المشترك بين عدد كبير من المنتخبين و رجال السلطة و المدراء و رؤساء الأقسام و المصالح… هو الرشوة و استغلال النفوذ و الشطط في استعمال القانون. فمعظم هؤلاء لم يختاروا هذه الوظائف و المهام حبا فيها أو خدمة للوطن و المواطنين، و إنما من أجل السلطة و النفوذ و الاغتناء السريع و اللامشروع. إذ بمجرد وصولهم إلى هذه المناصب، يبدأون في ابتزاز المواطنين من أجل استنزاف جيوبهم. و كل من لم يقدم لهم الاتاوات و الهدايا و الهبات، يعتبر غير مرغوب فيه و يتم تهميشه و تعطيل مصالحه، و يتركونه ” يدور ” في مكانه ” كالبقرة المجنونة “، بينما يتحدون و يتحالفون فيما بينهم من أجل خدمة مصالحهم الشخصية و أجنداتهم المشبوهة و الخسيسة، غير مدركين أن بتصرفاتهم الإجرامية و التمييزية هاته يعرقلون الاستثمار و يعطلون عجلة التنمية و يبقى الوطن هو الخاسر الأكبر.
يقدسون الرشوة حتى أصبحوا عبيدا لها. ينامون على الرشوة و يصحون عليها. يعيشون بها و عليها يموتون: إنها تجري في دمائهم. لا حديث بينهم إلا عن كيفية الحصول عليها. و كلما سمعوا عنها أو اشتموا رائحتها في مكان ما، إلا و سال لعابهم كما سال لعاب كلب الطبيب و العالم الروسي Pavlov، و حركوا أعوانهم و وسطاءهم لاستخلاصها. أما إذا مر يوم بدون رشوة، كان يوما أسودا في حياتهم ( نهار منحوس ).
لكثرة تعاطيهم الرشوة، نسوا أنها حرام و يعاقب عليها القانون، بل أجازوها لأنفسهم حلالا طيبا؛ ينفقونها في المجون و القمار و الليالي الحمراء.
قد يقول قائل أن القائد فلان أو رئيس الجماعة الفلانية أو مدير المكتب الفلاني أو رئيس قسم كدا… لا يتعامل بالرشوة! ربما، و لكنه في المقابل، لا يؤدي الضريبة السنوية ” la vignette ” على سيارته، و لا يؤدي قسط التأمين الإجباري، و يخرق قانون السير و لا يؤدي الغرامات، أو يبني بيتا بدون رخصة، أو يحفر بئرا أو أكثر في السر لاستنزاف الفرشة المائية، أو يقوم بتوظيف أبنائه بطرق ملتوية،… أليس هذا، بالإضافة إلى أنه استغلال للنفوذ، ارتشاء بطريقة غير مباشرة؟
تعتبر الرشوة، إذا، سببا رئيسيا في تعثر و فشل السياسات و المخططات التنموية من جهة، و نفور المواطنين من أداء عمل الإدارات العمومية من جهة أخرى. فكم من مشروع تم توقيفه بسبب اختلاس الميزانية المخصصة لإنجازه أو لأن صاحبه رفض دفع مبلغ من المال ” تحت الطاولة “، كرشوة لأولائك اللذين سبق ذكرهم. لذلك تتوالى النداءات الملكية السامية التي تحث على القطع مع كل أنواع الفساد و الريع و تضارب المصالح. لأن، بالقضاء على آفة الرشوة، نكون خير أمة، تنعم بالعدل و المساواة و احترام حقوق الإنسان، تتباهى بسيادة القانون، و بالإزدهار و التقدم في جميع الميادين.
أحيانا، ينتاب المرء الأسى و الأسف و الحسرة و الندم و الغضب، و يلعن اليوم الذي امتهن فيه مهنة التعليم، لأنها لا تحميه من تسلط المتسلطين و استفزازاتهم، و لكن عندما يرى المناكر التي ترتكب يوميا في حق البلاد و العباد بسبب الرشوة و ” الحكرة “، أو باسم السلطة و القانون، يعود إلى رشده و يلعن الشيطان، و يشكر الله الذي جعله أستاذا، لأن، على ما يبدو، من أراد الله به خيرا وظفه في التعليم؛ مهنة العقلاء و النزهاء و الشرفاء بامتياز.
ان الخطر الأكبر الذي قد يأتي من هؤلاء المنحرفون هو، بما أنهم احترفوا الرشوة و الارتشاء، و تمادوا في استغلال النفوذ و خدمة مصالحهم الشخصية عوض المصلحة العامة، تبقى وطنيتهم مشكوك فيها، لذا يجب وضعهم تحت المراقبة باستمرار، لأنهم قادرون على بيع الوطن للعدو مقابل الرشوة.