هذه تحديات الدخول المدرسي الجديد، فمن يرفعها 2/1
الحبيب عكي
بعد أيام قلائل، سيحل بنا الدخول المدرسي الجديد، وستفتح المدارس بموجبه أبوابها لموسم دراسي جديد، لا شك تواجهه العديد من التحديات القديمة والمستجدة، الذاتية منها والموضوعية، وهي على كل حال ستؤثر في العملية التعليمية التعلمية.. من المدخلات والعمليات إلى النتائج والمخرجات.. التي قد تكون وفق الأهداف المسطرة والنتائج المطلوبة أو قريبة أو بعيدة عنها، حسب ما سنبذله جميعا من مجهودات كل من مكانه وحسب إمكانه، لرفع هذه التحديات ومواجهتها وتطويعها لصالح الوطن والمواطن، والتربية الحقيقية مبنى ومعنى، وليس مجرد صورة باهتة مهما ادعى فيها المدعون؟.
ودون ان نعرف نوع هذه التحديات ونعترف بها، أو نقفز على أسبابها الحقيقية والمترابطة، أو نتهرب من مداخل مواجهتها المجدية، لسبب أو لآخر، فتجدنا نواجه التحدي فقط في مظهر من مظاهره، أو قشور من قشوره، مما يجعلنا في الأول وفي الأخير لا ندعم غير بيداغوجيا التهرب والتسكين .. مما يعني بوضوح عدم تحمل المسؤولية.. ويعني وبالأخص البقاء دائما بعيدين عما نرفعه من شعاراتنا البراقة حول الجودة والحكامة.. والحياة المدرسية المفعمة بالحيوية والنجاح.. وتكافؤ الفرص والادماج.. والرقمنة والتحديث.. وقيم التربية على المواطنة والسلوك المدني وحقوق الإنسان.. وكل هذا ولا شك يجعل التربية في حمى، أفضلنا في أحسن الأحوال لا يدور إلا حول حماها ؟.
الدخول المدرسي هو بداية البدايات لاستئناف كل شيء، وكيفما تكون البدايات تكون العمليات والمسارات والنهايات، رؤية وإرساء موارد .. أهدافا وغايات.. وسائل وكفايات.. قدرات ومهارات.. وهكذا سنجد قطب الرحى في المنظومة كلها والتي هي الوزارة المحترمة، والتي لم ترسو بعد على اسم ولا مسمى.. سنجدها كالعادة تبتك آذاننا بالأرقام والإحصائيات، وأنها قد أعدت – والحمد لله – كذا مؤسسة جديدة حسب المستويات.. وطبعت كذا كتاب حسب المواد.. وسجلت كذا تلميذ وتلميذة.. وكونت كذا مؤطر ومؤطرة حسب الأوساط الحضرية والقروية.. وأنها جعلت على كل هؤلاء المشرفين مشرفين.. وعلى المشرفين من يشرف عليهم.. وأن الجميع سيشتغل في جد وحزم كذا ساعات تكوين وتكوين مستمر في كذا مجزوءات.. وبكذا ميزانيات وصفقات وفق المذكرات..، وكل هذا ضروري ومن الأهمية بمكان.. ولكن إلى أي حد سيدفع بعجلة المنظومة، وهل سيدفع بها نحو الأمام أم إلى الوراء، أم مجرد عصا في عجلة لا يتركها تتحرك بالإطلاق؟.
كثيرة هي التحديات التي تواجه منظومتنا التعليمية المترهلة، ومنها القديم والمستجد، الذاتي والموضوعي كما قلنا، ولكن سأكتفي هنا بالإشارة إلى أربع تحديات أو خمسة أساسية، لا زلت أرى فيها – مع الكثيرين – المدخل الواسع والمحمل القوي لمعالجة ما سواها من التحديات وما يهددنا من عواقبها الخطيرة:
1 التحدي الأول: هو محاربة اليأس والعياء في صفوف أطر المنظومة: وكيف الانتقال بهم إلى شيء من الحيوية والتفاؤل وقوة الأمل والإخلاص في العمل.. لقد أصبح الإطار بمختلف أشكاله في المنظومة، الرسمي منه والمتعاقد، في مجمله فاقد الحماسة.. فاقد الروابط.. فاقد المبادرة.. مجرد أداة تنفيذ.. لبرامج ومذكرات.. لا يراها تخدمه أو تخدم النشء في شيء.. إطار كل شيء ينال بعنف من كرامته.. ويقضم بشره من مكتسباته.. في منظومة تعتبر – ويا للعجب – أن لا إصلاح – أي إصلاح – دون كرامة الأستاذ وإعادة الاعتبار إليه ماديا ومعنويا، أين هذا مما يفرض عليه اليوم من التعاقد أو يضطر إليه من التقاعد، أو يستقبل به من الإضرابات ويودع به من الاقتطاعات، ناهيك عن ظروف العمل وما يشينها من ظواهر الاكتظاظ والعنف وتمطيط العمل دون عمل إلى شهور كانت طوال تاريخ المنظومة أشهر عطلة ولا يتضرر منها أحد، فما الذي حدث اليوم لتتحول إلى أشهر عمل والجميع يتضرر من ذلك؟.
2– التحدي الثاني: هو متى ستقترب جهود الإصلاح من التلميذ داخل الفصل: وليس خارجه ولا في محيطه فقط، على أهمية الخارج أيضا ولكن ليس على حساب الداخل؟. هذا التلميذ الذي هو داخل الفصل، ويأتي كل يوم إليه، أي نوع من التلاميذ هو؟، ظروفه النفسية والاجتماعية؟، ماذا يمتلك من مؤهلات وماذا ينقصه وكيف يكتسبه؟، أي منهجية لديه للتعلم وأي حافزية بقيت عنده للدراسة؟، أي أسلوب يناسبه؟، ماذا وفرت له المؤسسة من عتاد تجريبي و وسائل الإيضاح وأدوات الرقمنة؟، أية قيم أخلاقية يتعامل بها ؟، كيف هي علاقته مع الأستاذ ومع التلاميذ ومع فضاء المؤسسة؟، لماذا يجنح أحيانا إلى العنف والغش والانحراف..؟، ما مشروعه الشخصي؟، كيف يمكن مساعدته على تدارك بياضه ونقصه في اللغات والرياضيات مثلا؟، ماذا يستفيد فعلا من أندية المؤسسة وهل هي موجودة أصلا؟، كيف سيحقق النجاح بشرف وبالمفهوم الواسع للشرف والنجاح في الدراسة وفي الحياة عامة…؟، متى سيقارب إصلاحنا مثل هذه المشكلات بدل الاستئناس بصباغة حجرات المؤسسات وبستنة حدائقها القاحلة وإعداد مشروعها كل سنة لبناء أسوار ورسم ممرات لا تبنى ولا ترسم ثلاثة عقود مضت؟.
3– التحدي الثالث: هو تحدي الرؤية ومدى مرجعيتها الدستورية والحقوقية: هذه الرؤية التي يظهر أنها لم تستقر على شيء محدد بالضبط، حتى إذا كانت فيها بعض الثوابت والجوامع الجيدة والمطلوبة، أسيء تنزيلها على أرض الواقع، وتم لي أعناق المواد والفصول، وغلق الأبواب والبنود في وجه المقاصد والغايات، وهكذا تم الاستنجاد بالتدابير الاستعجالية لتقويم الميثاق الوطني، والتدابير الأولية لتقويم أختها الاستعجالية، واليوم قانون الإطار الذي لا زال الجدل حوله محتدما لمصادمته الصريحة لبعض القوانين الدستورية والتوجهات الحقوقية، وكل هذا ولاشك سيضعف من حماسة الاجماع حوله وهي أمر ضروري في غياب القناعات لن تفرضه المذكرات مهما كانت سلطويتها وبلغت قوتها، خذ مثلا قيم النشء الذي نريد تخريجه.؟. المواد الكفيلة بذلك حصيصها ومعاملها؟.. التسوق في خردة بعض الطرق البيداغوجية المفلسة؟.. معضلة لغة التدريس وتدريس اللغات ودعم اللغة الوطنية؟،..لماذا العودة إلى الفرنسة (الأحادية) بدل المناولة (التعدد) أو الإنجليزية (العالمية).،.. لماذا الغرق في مستنقع التقويم والتنقيط أكثر من اللازم، وعليه ترتكز كل جهود العاملين، وبفوارق شاسعة بين النتائج المسجلة والمكتسبات الفعلية للتلميذ على أرض الواقع.. متى وكيف وبأية رؤية سنخرج من تعليم هذه الشرنقة النقطية الخانقة إلى تعليم يرتكز على تنمية القدرات وتعلم المهارات ؟.