زلزال إعفاءات يهز وزارة الشباب!
اسماعيل الحلوتي
عديدة هي الشعارات التي تظهر مع حلول مواسم الاستحقاقات الانتخابية، ثم لا تلبث أن تتبخر بمجرد الإعلان عن نتائج الاقتراع وتشكيل الحكومات. ومن هذه الشعارات هناك ما أفرغ من محتواه وفقد بريقه في بضع سنوات، لعدم التزام مدبري الشأن العام بترجمتها إلى حقائق ملموسة على أرض الواقع. ولعل من بين أبرز الشعارات التي أمست بلا معنى ولا روح، نجد شعار “إسقاط الفساد” الذي بفضله استطاع حزب “العدالة والتنمية” ذو المرجعية الإسلامية استمالة الناخبين وقيادة الحكومة لولايتين متتاليتين، الأولى برئاسة عبد الإله ابن كيران (2012/2017) والثانية بقيادة سعد الدين العثماني (2017/2021)
وبينما كاد يختفي ما اصطلح عليه ب”الزلزال” في الحقل السياسي الذي أحدثه ملك البلاد محمد السادس خلال عام 2017 عندما أقدم في دفعة واحدة على إعفاء أربعة وزراء من حكومة العثماني، والإفصاح عن عدم رضاه على آخرين في حكومة ابن كيران، وحرمانهم من أي مهام رسمية مستقبلا، لإخلالهم بالثقة التي وضعها فيهم وعدم تحملهم للمسؤوليات المنوطة بهم على الوجه المطلوب، فضلا عن توجيه الدعوة إلى رئيس الحكومة العثماني من أجل اتخاذ التدابير اللازمة في حق 14 مسؤولا بسبب التقصير في القيام بواجبهم، وفق ما ورد في بلاغ الديوان الملكي الصادر في 24 أكتوبر 2017 على خلفية تعثر تنفيذ مشروع “الحسيمة منارة المتوسط” وعدم احترام الجدولة الزمنية المرسومة له سلفا.
فإذا بنا وبعد مرور حوالي خمس سنوات مما أطلق عليه مصطلح “الزلزال السياسي”، نفاجأ هذه المرة وفي سابقة من نوعها بزلزال من نوع آخر، وهو ما يمكن تسميته ب”زلزال الإعفاءات” الذي ضرب وزارة الشباب والثقافة والتواصل، حيث قام الوزير الوصي والقيادي بحزب الأصالة والمعاصرة محمد المهدي بنسعيد بإصدار سلسلة من قرارات الإعفاء بلغ عددها 32 إعفاء، همت في شموليتها مجموعة من المسؤولين المركزيين والمدراء الإقليميين ومدراء مراكز حماية الطفولة، والأكثر من ذلك أنها شملت كذلك مديرين جهويين بقطاع الشباب في مختلف جهات المملكة المغربية…
ويشار في هذا الإطار أنه سعيا من الوزير بنسعيد إلى التخفيف من حدة الغضب داخل وزارته، وارتباطا بما تم تسجيله من اختلالات ناجمة عن سوء التدبير، ورغبة منه في ضخ دماء جديدة وتطعيم فريقه الوزاري بكفاءات شابة، تتحلى بروح المواطنة الصادقة والحس بالمسؤولية، دشن حملة واسعة من التنقيلات والإعفاءات، عاقدا العزم على تطهير القطاع والارتقاء بجودة الخدمات. حيث أنه وبعد الوقوف على مجموعة من التجاوزات التي يمكن إجمالها في: التحايل على القانون في الاستفادة من الصفقات العمومية والتلاعب على وجه الخصوص في تلك المرتبطة بمجال تدبير المخيمات الصيفية، الغش في تغذية أطفال المخيمات، التي تبث افتقارها إلى بعض مكوناتها الغذائية من الفيتامينات والبروتينات، مما اضطر معه إلى إحالة ملفات عدد من المسؤولين على التحقيق، وإحداث تغيير في مجال تقديم البرامج الترفيهية الهادفة إلى الرفع من المستوى التربوي والفكري للأطفال، وإصدار مرسوم وزاري في اتجاه خلق نموذج تنموي جديد…
ومن خلال الرقم الصادم الذي كشفت عنه بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، بخصوص عدد الإعفاءات التي هزت أركان وزارة الشباب والثقافة والتواصل وحدها، يتضح جليا وبما لا يدع مجالا للشك أن قطاعاتنا العمومية مازالت للأسف الشديد غارقة في مستنقع الفساد، من حيث التهاون والتقصير في العمل، الاستهتار بالمسؤوليات، التحايل على القوانين، الصفقات المشبوهة وسوء التدبير وغيره كثير، وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول مدى احترام معايير الجدارة والاستحقاق في إسناد المسؤوليات على مستوى رؤساء المصالح والمدراء الجهويين والإقليميين وغيرهم من المسؤولين، ويتأكد لنا أنه من الوهم الاستمرار في الاعتقاد بإمكانية القضاء على الفساد والرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ، ما لم تتوفر الإرادة السياسية القوية والشخصيات الوطنية الغيورة على مستقبل البلاد ومصالح العباد، والقادرة على إحداث التغيير المنشود الذي طال انتظاره منذ عقود…
فالمغرب شأنه شأن عديد الدول النامية التي ما انفكت تشكو من استفحال معضلة الفساد، التي أصبحت ذات طبيعة مزمنة وفق ما تؤكده التقارير والمراتب المتدنية التي يحتلها في مؤشرات مدركات الفساد. الذي يعد من بين أبرز الأسباب التي أدت إلى ميلاد “حركة 20 فبراير” مع “الربيع العربي” وخروجها إلى الشارع، للمطالبة بمحاكمة أباطرة الفساد وناهبي ثروات البلاد، إقرار دستور جديد، حل الحكومة والبرلمان واعتماد سياسة فعالة قوامها الشفافية والحكامة الجيدة… مما جعل ملك البلاد محمد السادس يتفاعل في حينه مع مطالب المتظاهرين من خلال إلقاء خطاب 9 مارس 2011…
ذلك أن استشراء الفساد في المجتمع من العوامل الأساسية التي تحول دون تحقيق التنمية المستدامة، ويمس المعيش اليومي للمواطنين في سائر الإدارات من قبيل المستشفيات العمومية والمحاكم والمرافق الإدارية، ويضر أيضا بمصالح رؤساء المقاولات في مجال الاستثمار أو الصفقات العامة. وبالرغم من أنه لا يوجد تعريف دقيق ومحدد للفساد، إلا أنه له عدة معان مختلفة، ويعرفه معجم إكسفورد الإنجليزي بأنه: “انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة”
إننا لا نملك سوى أن نبارك كل خطوة جادة في اتجاه الإصلاح وتطهير مؤسساتنا، وندعو الوزير بنسعيد ومعه باقي وزراء حكومة أخنوش وغيرها من الحكومات اللاحقة، إلى مزيد من الحزم والذهاب إلى ما هو أبعد من الإعفاءات في محاربة مختلف مظاهر الفساد والإخلال بالمسؤولية …