المنحة التحفيزية للأساتذة!
اسماعيل الحلوتي
في سابقة تعد هي الأولى من نوعها في تاريخ المغرب المعاصر، يجري الحديث هذه الأيام ونحن في بداية الموسم الدراسي الجديد: 2023/2022 عن مقترح شهري تحفيزي خاص بأطر التربية والتكوين، يتمثل في إقرار منحة لفائدة الأساتذة المتميزين والمجدين في عملهم، بناء على تقريري كل من رئيس المؤسسة والمراقب التربوي (المفتش)، ومدى تطور مستوى تلاميذ الفصل خلال السنة الدراسية…
ذلك أن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وفي إطار جلسات الحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية التي انطلقت صباح يوم الإثنين 19 شتنبر 2022 بخصوص التدقيق في النظام الأساسي الجديد لموظفي الوزارة الوصية، وافقت على إقرار منحة شهرية تحفيزية حددت قيمتها في 1200 درهم لفائدة أطرها في حدود 10 في المائة، وهو ما يعادل استفادة 30 ألف أستاذ سنويا على الصعيد الوطني، بينما طالبت النقابات برفع عدد المستفيدين إلى 45 ألف أستاذ وكذا القيمة المالية إلى 1500 درهم، ويقضي الاتفاق بتمكين المستحقين للمنحة من الاستفادة ثلاث سنوات وإمكانية بقائها مدى الحياة، في حالة تواصل التقارير الإيجابية حول مردودية الأستاذ…
وهو المقترح الذي أثار موجة عارمة من ردود الفعل المتباينة داخل حقل التربية والتعليم بين مؤيد ورافض له. حيث أنه بينما يرى فيه البعض فرصة لفسح المجال أمام التنافس الشريف بين الأساتذة، عوض الاستمرار في الترقي اعتمادا فقط على الأقدمية العامة والنقطة الإدارية غير الموضوعية، وسيساهم في الدفع بالأساتذة إلى تطوير معارفهم، تعميق مكتسباتهم التربوية وتجويد أدائهم المهني من أجل الارتقاء بمستوى تلامذتهم…
ففي المقابل هناك من يرى أن بلادنا مازالت بعيدة عن مثل هذه الأنظمة في ظل الاختلالات العميقة التي تعيش على إيقاعها المنظومة التعليمية منذ عقود، دون أن تفيد في إسعافها عمليات الإصلاح وإعادة الإصلاح والمخططات الاستعجالية وغيرها من البرامج المستوردة. وهناك كذلك من يقول بأن تخصيص منحة لصالح عدد محدود، لن يساهم إلا في زرع الفتنة وإشعال “الحروب” بين غير المستفيدين ورؤساء المؤسسات أو المفتشين أو هما معا، فضلا عن أن المعايير المعتمدة تفتقر إلى الموضوعية والحس التربوي، ومن شأنها فتح باب المحاباة والميز وتعرض الكثيرين إلى تقارير ذات طابع انتقامي، ناهيكم عن صعوبة تطبيق معيار تحسن مستوى التلاميذ. ثم أين حظ المدير نفسه وباقي أعضاء الهيئة الإدارية من ذلك؟
وجدير بالذكر أن نظام التحفيز يعد من بين العوامل الأساسية التي يتم اللجوء إليها من أجل الارتقاء بمستوى الإنتاجية ليس فقط بالنسبة للتلميذ أو الأستاذ وحسب، بل هناك العديد من المؤسسات الحديثة تعتمد عليه في تحسين برامجها وأنشطتها وتحقيق أهدافها، من خلال وضع حوافز فاعلة في الرفع من مردودية العاملين وإشباع رغباتهم، للإسهام الإيجابي في تحقيق الجودة المنشودة. وكما أن التحفيز يوقد الحماس لدى التلاميذ ويشجعهم على الانخراط في العملية التعليمية-التعلمية، ويدفع بهم إلى بذل المزيد من الجهود في اتجاه تطوير مهاراتهم وصقل مواهبهم وتوسيع دائرة معارفهم وترسيخ مكتسباتهم، ويبعث في أعماقهم الشعور بالارتياح ويفتح شهيتهم للإقبال على التحصيل والتنافس الشريف فيما بينهم…
فإنه يهم أيضا الأستاذ والإداري على اعتبار أن نظام الحوافز ذو طبيعة إنسانية تنطبق على جميع البشر في كافة القطاعات الإنتاجية، وبفضله تحقق الكثير من المؤسسات نتائج مبهرة، ولاسيما إذا كان فعالا ويشبع احتياجات العمال والموظفين ماديا ومعنويا. بيد أنه ليس من السهل دائما صياغة نظام تحفيز يرضي الجميع، حيث أنه لا يجوز اقتباسه دون مراعاة ظروف المؤسسات المعنية وأهدافها واستراتيجيتها ومواقعها وشروط العمل بداخلها. مما يقتضي تنزيل مثل هذه الأنظمة على مراحل وخطوات أساسية، منها مثلا تحديد الأهداف المراد تحقيقها، واعتماد معايير قياسية دقيقة ورصد الميزانية الخاصة وغيرها كثير…
ولأن المدرسة المغربية تعتبر قاطرة للتنمية، فإنه يتحتم عليها الاضطلاع بدورها كاملا في مجال إشاعة وتكريس القيم الأخلاقية النبيلة وتقوية الشعور بالانتماء للوطن والتشبث بثوابت الأمة، وهو ما يتطلب الحرص على تكوين وتحفيز المدرسين، قصد جعلهم الضمانة القوية في نجاح التعلمات. إذ أن تحقيق الجودة في أي نظام تعليمي، يمر عبر مستوى الأطر العاملة به، ومن هذا المنطلق لا يمكن إحداث أي نهضة تربوية دون الاهتمام بهيئة التدريس وتحفيزها وفق معايير مهنية مقبولة لدى الجميع.
وفي هذا السياق يحضرنا ما جاء في مداخلة لرئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أحمد رضا الشامي، في إحدى الندوات الافتراضية بتاريخ 12 يونيو 2020 في عز أزمة جائحة “كوفيد -19″، حيث أنه أكد على أن إصلاح التعليم يمر عبر “تشجيع التلاميذ والطلبة المتفوقين على ولوج مهنة التربية والتكوين، من أجل توفر جودة ومهنة أفضل، وأنه لا يمكن تشجيعهم على ممارسة المهنة ب”3800″ درهم، بل علينا أن نحفزهم بالترقية وتكوينهم تكوينا أساسيا ومستمرا ومتينا، وإدماج تكنولوجيا المعلوميات والاتصال في المنظومة التربوية” وزاد منبها إلى أنه “كلما كانت نتائج التلاميذ مرضية، وجب علينا مكافأة الأساتذة على جهودهم، باعتبارهم مكونا هاما وأساسيا في إصلاح المنظومة التعليمية…”
وإذ أضم صوتي لكافة مؤيدي مقترح منحة تحفيزية لفائدة الأساتذة من أجل تطوير أدائهم والارتقاء بمستوى تلامذتهم، وأعلن عن كامل الدعم له، فإني أدعو في ذات الوقت القائمين على الشأن التربوي ببلادنا إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار كل الملاحظات والمؤاخذات، قصد العمل تدريجيا على تدارك النقائص وتحسين مثل هذه المبادرات الطيبة التي من شأنها تقديم إضافة نوعية لمنظومتنا التعليمية.