هزة في بلاد الأنوار
محمد شحلال
عرفت حرية التعبير وحقوق الانسان التي تتغنى بها فرنسا ،وتساوم بهما شركاءها المستضعفين،نكسة لم يسبق لها مثيل قبل يومين.
لقد تم اجهاض لقاء تلفزي مع زعيم حركة استقلال القبايل الجزائرية،السيد فرحات مهني، وهو ينهي اخر اللمسات للمرور في احدى القنوات الفرنسية.
فوجىء الضيف والطاقم المشرف على اعداد اللقاء، بتدخل مباغت للمسؤول عن القناة، وهو يطالب بايقاف كل شيء ، مرددا لغة خشبية لم تتضح الا حين صرح بأن الأمر يتعلق بامتثال لتعليمات عليا.
فهم الجميع بأن الرئيس الفرنسي هو الذي مرغ،،كبرياءه،،في التراب حين امتثل بدوره لرغبة حكام الجزائر الذين ربطوا اتمام زيارة الوزيرة الأولى وما يواكبها من اتفاقيات بالغاء المقابلة المقررة مع زعيم حركة ،،الماك،، !
لم تندمل الجروح التي نكأها الرئيس ماكرون بعد، حين اعتبر الجزائر بلدا يعود الفضل في نشأته لفرنسا،وأن رئيسها الحالي،عالق في أيدي العسكر،لم تندمل هذه الجروح وغيرها من الاهانات حتى باع ماكرون كبرياء بلد الأنوار بصفقة من الغاز بعدما أرخت حرب أكرانيا بظلالها على وضعية أروبا،التي صارت تبحث عن البدائل ولو على حساب المبادىء كما فعل رئيس فرنسا.
ان المتابع للأحداث السياسية المتسارعة في السنوات الأخيرة،لا يشك في أن فرنسا قد دخلت مرحلة من أفول نجمها عبر العالم،ولا سيما في أفريقيا التي كانت ملعبها الأثير لعقود طويلة وبدون منافس.
يمكن القول بأن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب،كان له كثير من الفضل في تعرية فرنسا وأروبا الغربية عموما حين كشف هول جشعها في استنزاف خيرات الأفارقة عبر تنصيب أنظمة عميلة تفتح أمامها البلاد لنهب ثرواتها.
ولم يكن الرئيس الروسي أقل جرأة حين فضح ما يجري في أفريقيا من استغلال بشع لثرواتها على يد فرنسا وغيرها من دول الشمال،بينما تسللت الصين الى القارة في صمت ،وأثبتت بأنها شريك ينسي في فظائع فرنسا الاقتصادية.
لم تتأخر بوادر التحول في القارة السمراء،وكان المثال البارز هو التحول الذي عرفته مالي بعد الانقلاب الأخير،حيث ظهر العداء الصريح لفرنسا والذي بلغ مستوى اخراج قواتها من البلاد، بينما يتسلل الروس تباعا ليحلوا محل القوة الاستعمارية السابقة.
أما أخر مثال على ما بلغه ازدراء الشعوب الأفريقية لفرنسا،فهو اقدام المواطنين البوكينابيين على احراق سفارة فرنسا بعد الانقلاب العسكري الأخير، كرسالة واضحة لهذه الدولة التي ظلت تطوق مستعمراتها السابقة باتفاقيات مجحفة،وتعامل مواطنيها باستعلاء.
يمكن القول بأن المغرب قد استخلص بدوره الدرس، حين اكتشف حنق فرنسا عندما عادت بلادنا لجذورها الأفريقية ،وأرست فيها دعائم علاقات متوازنة حققت فيها نجاحا ازعج فرنسا ومستقبلها في القارة.
وهكذا،فان شريكتنا الاقتصادية الأولى على مر عقود طويلة،قد فقدت هذا الامتياز لصالح اسبانيا مرحليا،قبل أن ينتقل مستقبلا الى انجلترا او غيرها من البلاد التي تقبل التوازن في العلاقات.
ان غيوما ملبدة تملأ الأجواء بيننا وبين فرنسا،وهي لا تتردد في بعث رسائل المساومة والابتزاز مثلما تفعل في مجال التأشيرات، وقضيتنا الوطنية الاولى، التي حولتها الى ورقة هامة في الظروف الحرجة،ادراكا منها لانفلات زمام الأمور من يدها ،بعدما ظهر شركاء جدد يمكن أن يجد فيهم المغرب بدائل عن هذه القوة الاستعمارية التي كبلتنا بثقافتها وأبنائها بالتبني الذين تحرص على اطالة عمرهم ليحفظوا مصالحها.
ان تضحية فرنسا بلقاء تلفزي معلن عنه ارضاء لعسكر الجزائر،يعتبر ضربة قوية للمبادىء الكونية التي تتغنى بها هذه الدولة،حتى تحولت الى قبلة لضحايا حقوق الانسان وحرية التعبير خلال عقود طويلة،كما أن هذا الفعل الطائش، والذي تناقلته الأوساط الاعلامية،سيعري نفاق فرنسا أكثر،وسيلطخ سمعتها عبر القارة الأفريقية على وجه التحديد،ورب ضارة نافعة،فقد تكون هذه الاحداث ايذانا بانكماش فرنسا لصالح قوى جديدة لا تتجر في الكرامة….