على هامش برمجة ميزانية 2022 / 2023 : مجالس الجهات و دورها في التنمية و خدمة المواطنين ؟؟
اسماعيل فيلالي
كما هو مقرر في القانون التنظيمي لمجالس الجهات انعقدت دورة أكتوبر2022 لمناقشة الميزانية و برمجتها في أغلب جهات المملكة ، فمنهم من ناقش الميزانية في 10 دقائق و منهم من ناقشها في 3 دقائق و … ومن خلال تصريحاتهم لوسائل الإعلام فان أغلبهم يتبجح بالاهتمام بالجانب الاجتماعي ، و من خلال الواقع الملموس ، يبدو أن هذا مجرد كلام فارغ للاستهلاك فقط ؛ لأن الوضع الذي يعيشه المواطنون خاصة في هوامش المدن والعالم القروي وضع كارثي بعيد كل البعد عن هذه التصريحات الجوفاء ، و بعيد أيضا عن الحياة الكريمة التي يجب أن يعيشها كل المغاربة على حد سواء كما نص على ذلك دستور البلاد ، و إذا كانت الميزانيات محدودة كما صرح بعضهم بذلك لا تفي بالغرض التنموي وأن بعض الجهات التجأت إلى القروض من صندوق التجهيز الجماعي لتلبية مطالب السكان ؟؟ فان الخفي في ميزانية مجالس الجهات الذي لا يعرفه المواطنون هو التعويضات عن التمثيل والتنقل الضخمة التي حددها المرسوم رقم 2.16.495 الصادر في 6 أكتوبر 2016 حيث يمنح لرئيس مجلس الجهة ونوابه وكاتب المجلس ونائبه ورؤساء اللجان الدائمة ونوابهم ورؤساء الفرق تعويضا صافيا شهريا عن التمثيل ، نوردها لتنوير الرأي العام ، وهي كما يلي :
رئيس مجلس الجهة مبلغ: 40.000 درهم ، ( أربعة ملايين سنتيم ) إضافة إلى ذلك، يستفيد من تعويض شهري قدره خمسة عشر ألف 15.000 درهم ، ( مليون سنتيم و نصف المليون ) إذا لم تخصص له الجهة سكنا وظيفيا بمقر الجهة و المجموع هو 5 ملايين سنتيم و نصف المليون و هي تعويضات تفوق تعويضات الوزير ؟؟؟
نواب الرئيس مبلغ : 15.000 درهم ( مليون سنتيم و نصف المليون )
كاتب المجلس مبلغ : 4.000 درهم
نائب كاتب المجلس مبلغ : 2.000 درهم
رئيس لجنة دائمة مبلغ : 4.000 درهم
نائب رئيس لجنة دائمة مبلغ 2.000 درهم
رؤساء الفرق مبلغ: 2.000 درهم
كما يستفيد رئيس مجلس الجهة ونوابه وباقي أعضاء مجلس الجهة من تعويضات يومية عن التنقل بمناسبة المهام التي يقومون بها داخل المغرب وخارجه لفائدة المجلس الذي ينتمون إليه. وهي كالتالي رئيس مجلس الجهة : 350 درهما داخل المغرب و2500 درهم خارج المغرب لليوم الواحد .
نواب رئيس مجلس الجهة : التعويض اليومي عن مصاريف التنقل الممنوح لمديري الإدارة المركزية وفق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل .
باقي أعضاء مجلس الجهة : التعويض اليومي الممنوح لموظفي الدولة المرتبين في السلم 11 وفق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل . و تعويضات جزافية في نهاية كل ستة أشهر….
هذه التعويضات تضاعفت 5 مرات على التعويضات السابقة التي كان يتقاضاها أعضاء مجلس الجهة في القانون المنظم للجهات رقم 96 /47 . و هي تهم 12 جهة كما هو معلوم ؛ و إذا أردنا أن نقوم بعملية حسابية فسنجد أن الملايير تذهب إلى جيوب المنتخبين ، و مثل هذه التعويضات بنسب أقل في المجالس الإقليمية و الجماعات المحلية و الغرف الفلاحية و الصناعية و التجارة و الخدمات ، و من هؤلاء الأعضاء الذي يتقاضى هذه الأموال يملك الملايير و منهم المقاولون و التجار و كبار الفلاحين و الموظفين على اختلاف مشاربهم ؛ هذا في الوقت الذي يعيش فيه الشباب المغربي البطالة و العطالة ، و منهم من لا يزال يحلم بركوب قوارب الموت أو اختيار المغامرة عبر دول أخرى للوصول إلى فردوس أوروبا المفقود …
و اعتقد أن هذه التعويضات ستكون كافية لتوظيف الآلاف من هؤلاء المعطلين ، لو أن الدولة قننتها و ربطتها فقط بالتنقل أو القيام بالمهام أو الاجتماعات الدورية كما هو معمول به في الكثير من الدول المتقدمة ، أما أن تكون رواتب قارة فهذا ما لا يتماشى مع منطق الديمقراطية و القانون ، لان اغلب الأعضاء لا يقومون بأي عمل يذكر و يتقاضون مبالغ مالية كبيرة ، إضافة إلى رواتبهم الشهرية في الوظيفة العمومية ؟؟ أضف إلى ذلك المنح التي تعطى للجمعيات و التي أصبحت محط فضائح كبرى حيث نجد الكثير من المنتخبين يؤسسون جمعيات صورية للاستحواذ على هذه المنح التي تعد بالملايين و تفويت بعضها للأقارب و الكائنات الانتخابية ، و ما خفي أعظم …..
و الأمر لا يتوقف عند هذه التعويضات بل يتعداه إلى أسطول من السيارات التي تستخدم بدون حسيب أو رقيب في التنقلات المستمرة بدون فائدة و التنقلات العائلية بدون حياء ، إلى المخيمات و أماكن الاستجمام ، بل منهم من يستعمل سيارات الدولة في تنقل أولادهم إلى المدارس صباح مساء ، أضف إلى ذلك الملايين التي تنفق في التغذية و الإطعام في الاجتماعات الرسمية و غير الرسمية . وكذلك التعويضات التي يتقاضاها أعضاء المجلس في السفر إلى المهرجانات الوطنية، مهرجان الفرس بالجديدة ، مهرجان الفلاحة بمكناس ، مهرجان التمور بالراشيدية وغيرها من المهرجانات الوطنية و المحلية لكل جهة … هكذا تصرف الملايير بطريقة بعيدة عن الحكامة الجيدة والترشيد ، في الوقت الذي نجد فيه المواطنين في العديد من القرى والمداشر و البوادي يعانون من الفقر المدقع و ندرة الماء الصالح للشرب و غياب المراكز الصحية و المؤسسات التعليمية و غيرها من الخدمات الأساسية …
لقد اختار المغرب الجهوية المتقدمة لأسباب متعددة و على رأسها خدمة المواطنين لذلك نجد أن الدستور المغربي الجديد خص التنظيم الجهوي بأهمية كبرى حيث يقول في تصديره ما نصه : ” إن المملكة المغربية ، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه ، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق و القانون ، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة ، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء مجتمع متضامن ، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة و المساواة ، وتكافؤ الفرص ، و العدالة الاجتماعية ، ومقومات العيش الكريم ، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة “. كما ينص الدستور على أهمية المجالس المحلية و الإقليمية و الجهوية في فصول بلغ تعدادها 11 فصلا تبدأ من الفصل 135 إلى الفصل 146 كلها تتحدث عن دور المجالس في التنمية و الحكامة الجيدة و حسن التدبير و خدمة المواطنين … هذا ما ينص عليه الدستور أسمى قانون في البلاد و الذي من المفروض أن يكون تطبيقه على ارض الواقع ، لأننا نقترب من السنة الثانية عشر من الزمن الذي تمت المصادقة عليه ، ولكن يبدو انه لا يزال حبرا على ورق ؟؟؟ وحتى إذا عدنا إلى الوراء فسنجد أن القانون المنظم للجهات رقم 96/47 فإننا نجد الإلحاح على أن الجهوية هي فضاء للتشاور و التداول و التكوين لخدمة المصلحة العامة ، و ليس المصلحة الشخصية ، كما أنها تساهم في توفير مجال للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية والتربية الديمقراطية ….
و مما كرس هذه الأهمية هو استقبال جلالة الملك ، بعد الانتخابات المحلية والجهوية لرابع شتنبر 2015 رؤساء الجهات الإثنى عشر للمملكة ، الذين تم انتخابهم عن طريق الاقتراع المباشر ، و جاء ذلك بعد المصادقة على القوانين التنظيمية الخاصة بالجهات والجماعات المحلية ، كما استقبل أيضا الولاة الذين تم تعيينهم، طبقا للتقسيم الإداري الجديد ، و ذلك من أجل التعاون بين المؤسستين ( مؤسسة الجهة المنتخبة و مؤسسة الولاية المعينة ) والعمل على تنفيذ المخططات التنموية . وخلال هذا الاستقبال أدى رؤساء الجهات والولاة القسم بين يدي الملك ، ( وانه لقسم لو تعلمون عظيم ) ، و كان في أداء القسم أمام الملك نوع من الالتزام الأخلاقي بالمسؤوليات الجسيمة التي ستكون ملقاة على عاتق هؤلاء المنتخبين و الولاة المعينين ، رغم أن القانون التنظيمي لا ينص على أداء رؤساء الجهات للقسم أمام الملك و لا استقبالهم ، و هذا يؤكد بطريقة غير مباشرة على أن الملك أراد أن يضع الجهوية في مكانة متميزة لتكون مدخلا لتنمية المغرب إن كان أصحابها في المستوى المطلوب …
نعم ، لقد اختار المغرب الجهوية المتقدمة كخيار استراتيجي فيه اعتراف بالأدوار الجديدة للجهات ورؤسائها ، والاختصاصات المتعددة والمستقلة التي أصبحوا يتمتعون بها ، لذلك يمكن اعتبار الاستقبال الملكي ، آنذاك ، تدشين لمرحلة جديدة لتدبير الشأن الترابي بالمملكة على أسس جديدة متمثلة في صلاحيات واسعة وتقريرية للجهات كخيار ديمقراطي يهدف لإحداث تحول نوعي في نمط الحكامة الترابية ، وتطوير وتحديث هياكل الدولة ، والتسريع بالتنمية الشاملة و المستدامة على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي لترسيخ جهوية متقدمة تخدم المواطنين و خاصة منهم الفقراء و المستضعفين ، يكون شعارها الحكامة الجيدة ، والمساواة والديمقراطية والشفافية والنزاهة والعدالة المجالية بين الأقاليم ، لأن هناك أقاليم محظوظة و أخرى تعاني من الإقصاء و التهميش منذ زمن بعيد … ، كما يجب تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة التي ينص عليها دستور المملكة ، و مادام أن المواطن المغربي لم يشعر بالتغيير في مستوى عيشه فان ورش الجهوية لا يزال بعيدا كل البعد عن الأهداف الكبرى التي تم تسطيرها على الأوراق …
و نعتقد أن إنجاح الجهوية المتقدمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وتنمويا و ثقافيا ، يجب أن ينطلق من إعطاء الأولوية للمناطق المهمشة والفقيرة ،… كما يجب إعادة النظر في التعويضات المالية الكبيرة التي تخصص للولائم و التنقلات و الحفلات و المؤتمرات و الندوات و نفقات مكاتب الدراسات التي تلتهم المال العام دون جدوى كما و قع في مجلس جهة الشرق مع مكتب الدراسات ” فاليانس ” الذي التهم الملايير و لم يتحقق من هذه الدراسة أي شيء يذكر لفائدة الجهة الشرقية ، كما يجب إعادة النظر في التعويضات المبالغ فيها التي يستفيد منها المنتخبون و مواجهة و محاربة كل الأشكال الفاسدة التي يتم بها نهب المال العام ، و العمل على خدمة المصلحة العامة في إطار سياسة القرب والإصغاء لتطلعات المواطنين وانشغالاتهم ، وتبني الشفافية والنزاهة في تدبير الشأن المالي الذي يجب أن يخدم المصلحة العامة أولا و ليس الكائنات الانتخابية ؛ فالديمقراطية لن تستقيم مع هذه الأساليب المشينة التي يتم بها هدر و تبذير المال العام …. لذلك وجب على الحكومة أن تستعيد الهوامش المالية لضمان استدامة الإصلاحات من أجل تعزيز أسس الدولة الاجتماعية كما جاء في مذكرة الوزير الأول الخاصة بإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2023 الصادرة تحت رقم 16/2022 بتاريخ 03 غشت 2022 …