أخطأَتِ القِسمة،ونجح تلميذٌ اسمهُ الفشل
رمضان مصباح الادريسي
عناوين الفشل:
ان عنصر الجِدَّة في التكميم المرعب للرداءة التعليمية، الذي كشف عنه أخيرا السيد شكيب بنموسى ،وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يتمثل في الترسيم العلمي الدقيق للفشل التعليمي.
وهذه شجاعة من وزير – من خارج الدار- تقول لأهلها :هذه هي المرآة، وهذه هي وجوهكم.
نعرف طبعا ،بحكم الممارسة في مستويات تربوية مختلفة، أن وزراء الدار –على قلتهم- وحتى وزراء السياسة ،لم يمتلكوا جرأة هذا الكشف العلمي الدقيق ،الذي يعيد كل شيء الى نقطة البداية.
بمعنى أن كل ملفات الاصلاحات ؛بدءا من تخريب العمارة التربوية الراقية التي غنمناها من المستعمر ،يجب أن تسير بها المواكب الغاضبة، منحدرة صوب أبي رقراق ،لتطعمها وليمة لأعشاب البحر.
فضلنا سكن الخيام ،وتِهنا في صحاري تربوية ،لاماء بها ولا شجر.
ورغم التيه الاصلاحي المزمن ،لم يندحر تلامذتنا الى حد الفشل الحسابي ،في ما يتقنه حتى تجار صغار أميون.
والفشل اللغوي ،الذي يجعل الركاكة الأسلوبية،وجروح الاملاء والصرف والإعراب، انحرافا مرحبا به ،في جميع المستويات –بما فيها الجامعية – على غرار هذا “الراب” المتوحش ،الذي أطلِقت يده ليعيث فسادا وتبذيرا ،في كل الأرصدة الأخلاقية المتبقية.
وانهيار أداء اللسان المغربي التعليمي ،للألسن الأجنبية،وخصوصا الفرنسية التي غنمناها وغنمتنا هي أيضا؛وان كارهين.
الأداء الذي انهار:
هل يمكن استعادة مناهج المعلمين الأكفاء ،الذي ارتقوا –زمنهم – بتلميذ القسم الخامس ،الى الاعراب الكامل لقطع الشكل ؛وويل للمخطئ من انقضاض زملائه في القسم فاضحين ومشهرين.
ومن أين لنا بتلك الأصابع التلاميذية،والحناجر الصادحة ،وهي تتسابق صوب المعلم لتخطف الاجابة ،أو الاستظهار في كل المواد.
ومن ينسى جبروت ورهبة الربع ساعة ،المخصصة للحساب الذهني ،حيث يتوالى ايقاع الألواح ،بين رفع ومسح وسدل .
وكأن المعلم جنرال بين صفوف العساكر ،في كامل رهبتها وانضباطها.
وهل تخطئ وزملاؤك لك بالمرصاد قبل المعلم؟
يعلم جيلي كيف كان هذا الزمن التربوي ؛من حيث شح البيداغوجيا ،وشح الراتب (500د في الشهر)؛وكيف كان سخاءً في تزيين جدران الأقسام وتجهيز المتاحف الفصلية ،وإعداد وسائل الايضاح ،من المال الخاص طبعا “الوفير”.
ومن منا لم يجرب أن يقف جائعا أحيانا وممزق الحذاء أمام تلاميذ بنفس الفاقة.
اسألهم :هل يعرفون؟
اسأل الآباء والأولياء هل يمارسون ما يلزمهم من تتبع يومي ،ليلي بالخصوص،لتمدرس أبنائهم وبناتهم ؛من خلال فحص الدفاتر والفروض المصححة ،والواجبات المقررة للغد؟
اسأل الأمهات المتعلمات :هل الأسبقية لتعلم الأبناء أم لثرثرات الهواتف ،ومخرجاتها من حلويات وأطباق ،في أحسن الأحوال؟
طف بأركان المنازل ،لعلك تعثر على مشروع خزانة معرفية نامية ؛تُفتح عليها عيون الصغار ،ويكبرون بين عناوينها ؟
ثم افضح هذا الهدر الزمني الأسري ،الذي باضته لنا “الأنترنيت” بكل أزقتها المشمسة والخلفية؛حيث تاه الجميع عن نفسه ،وما ولد .
وما دام “أبي فوق الشجرة ” وأمي تحتها فلماذا لا يأكل الصغار أيضا من ثمارها ،على حساب العمليات الحسابية التي أبكت نتائجها الوزير بنموسى ؟
من يهتم بمن ؟ وهل يستقيم أن يُحكَّم الافتراضي في الواقع يطيح به ويشتته ويجندله؟
وما القول في هذه الهواتف واللوحات ،بيد الصغار ؛التي يفوق ثمنها ،أحيانا، راتب أستاذ اليوم ،وعشرين مرة راتب معلم الأمس الذي كنته؟
أما الفرق بين بهجة الألوان ،واللُّعب ، والموسيقى ..وكآبة البرامج التعليمية ،وتخلف مضامينها القارة،فحدث ولا حرج .
أم النكسات في البوادي:
حيث الزمن التربوي تحكمه الصدف:
قد يأتي الأستاذ وقد لا يأتي ،مختارا أو مكرها ،قد يعرف المفتش والمدير وقد لا يعرفان.
قد يهتم الآباء وقد لا يهتمون للأمر ؛ولعل حضور الابن في الأشغال البيتية أفضل ؛لا حساب مع معلم.
وحتى حينما يلتئم الشمل التعليمي كله في الفصل ،فهل تغيب كل العوائق البيداغوجية؟
قارن أيها الوزير بين كل هذا ،وبين نتائج آخر السنة : الكل ناجح؛وهو طبعا نجاح بطعم الرسوب التدريجي لكل المنظومة التعليمية.
وكما في المدن يعرف الآباء- غالبا – أن أبناءهم عادوا بنجاح غير مستحق ،لكنهم لن يقعوا في “فضيحة” الاحتجاج على النجاح.
ويعرف الأساتذة ما قدموا وما أهملوا،وكيف تم تصريف العام في انتظار عام آخر ؛حيث ستتفرق دماء الفشل في جميع الأٌقسام ،على مدار الوطن ،لا من رأى ولا من سمع.
ولولا أن قالها الوزير، ما صدق أحد أن 87في المائة من التلاميذ لا يجيدون القسمة البسيطة على عدد واحد.
لكن المعلم كان يعرف ،والمدير ،والمفتش ،والأولياء أيضا.
نعم الكل كان يعرف ،لكنها معرفة غشاشة و متواطئة ،ومتسترة ؛الى أن جاهر الوزير .
وأفدح الغشاشين أساتذة ،جرفوا تربة المنظومة التربوية التعليمية ،الى منازلهم أو الى مراكز سميت كذبا مراكز للدعم.
وهي في الحقيقة مراكز لمضاعفة راتب غير مستحق أصلا – للغش- أضعافا مضاعفة.
بيعت العملية التعليمية الرسمية في سوق الساعات الاضافية ؛وأثرى البعض في العلن والخفاء ،دون ضمير ولا تضريب ..
وقذف بفقراء التلاميذ الى أسواق الظلم و”الحكرة” ؛ينظرون الى استاذهم وهو يفحش في توزيع النقط ،وأسرار الفروض، دون حسيب ولا رقيب ؛ضدا على كل النصوص التي تمنع هذا النوع من المتاجرة.
وهبت الأسر، مختارة، الى مؤسسات التعليم الخصوصي ؛ليس لجودتها وكفاءة أطرها ،وإنما لكون النقط مضمونة .
ولتُحقِّق التباهي بهجر المؤسسة العمومية .
كيف لا تهجرها الأسر ،الميسورة والمتوسطة، وقد جرفها معظم الأساتذة الى منازلهم كما أسلفت.
ورغم هذا الواقع الحقيقي المرير ،يتواصل صرف أضخم ميزانية،في قانون المالية ، لوزارة التربية الوطنية .
أموال تضخ ،أعداد تتكاثر ،لانتاج الفشل .
ولعل العجب أن تنجح القلة ،عن جدارة واستحقاق ،دون أن تؤثر فيها كل عناصر الاحباط المذكورة.
ويبقى من رجال التعليم شرفاء صمدوا ويصمدون ،رغم أن جدران المنظومة آخذة في الانهيار .
الدودة يا سيادة الوزير موجودة في قلب التفاحة ،وقبل هذا كانت في التربة ،ثم في الزهرة.
ولعل قاصمة الظهر أن نتحدث من جديد عن مشروع أو ميثاق للإصلاح،نعرف مسبقا أنه لن يزيد على تلوين الفشل بلون أفظع.
نعم يمكن أن نتحدث عن شبكات وآليات دقيقة للتقويم ،تشتغل بكل صرامة مركزيا وجهويا وإقليميا ومؤسسيا.
ان تخمة المشاريع الاصلاحية المتراكمة تنقصها الأقراص الهاضمة ،ومن هنا هي لا تفيد ،وقد تقتل.
أضخم ميزانية للدولة التربوية، تفتقر الى آلية لتقييم وتقويم المخرجات المعرفية ،بكل الدقة المطلوبة ،لمعرفة من يجازى ومن يعاقب.
ان الأصل ،اليوم، في الدم المعرفي المدرسي ،كونه دما مسفوحا؛دون تفعيل “ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وصورتها:
خذ أيها الطاقم التعليمي وحدات البرنامج ،والزمن المدرسي ،والمؤسسة والراتب ،واعطني نتائج بهذه المقاييس؛ سأحاسبك حسابا عسيرا ،وبآلية دقيقة وصارمة.
يجب أن ترقى المحاسبة التعليمية الى المحاسبة البنكية ،وهذا ممكن في ظل توفر الشروط المعمول بها في الأنظمة التربوية الراقية عالميا.
ارحمونا لا نريد مشروعا اصلاحيا جديدا ،يستنزف المال والزمن؛عدا أن يكون ضبطيا محاسبيا .
طبعا من غير الوارد التفكير في استعادة “بوكماخ” بمعلميه البسطاء ،ونجاحاته ؛ لكن استعادة الهيبة للمدرسة والصرامة لأطقمها ،والنجاعة التأطيرية والمحاسبية ،لأجهزة التفتيش والإدارة التربوية ،ممكن.
وشكرا أيها الوزير اذ لم تسر على النهج في ستر الفشل أوتبريره .