ماذا بعد تدني مستوى تلاميذ المرحلة الابتدائية؟!
اسماعيل الحلوتي
كلما رأيت وزيرا جديدا على رأس قطاع التربية الوطنية ببلادنا يلقي باللائمة على سلفه وكل سابقيه من حيث سوء التدبير وضعف مستوى التحصيل لدى الناشئة، وخاصة بالنسبة للتلاميذ الذين يتابعون دراستهم في طور التعليم الأساسي، إلا وتبادرت إلى ذهني تلك الحكاية التي يقول صاحبها بأنه بناء على رغبة أهل إحدى القرى النائية، في تعلم مبادئ الدين وحفظ القرآن الكريم، عينت لهم السلطات المعنية “فقيها” للقيام بذلك. وبعد حوالي عامين ولظروف خارجة عن إرادته اضطر إلى مغادرة القرية وحل مكانه فقيه آخر، عاب عنه في مراسلة خاصة أداء الساكنة الصلاة في المسجد بنعالهم، فرد عليه دون تردد قائلا: “أنا على الأقل قمت بمجهود خاص واستطعت أن أجرهم إلى المسجد بعدما كانوا يجهلون حتى قواعد الوضوء، فما الذي يمنعك من العمل على استكمال ما بدأته وجعلهم يخلعون أحذيتهم أثناء الصلاة؟”
ويأتي الحديث هنا مرة أخرى عن تدني مستوى التحصيل لدى تلاميذ المدرسة العمومية في المرحلة الابتدائية، تبعا لما صرح به وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في أحد اللقاءات التي دأب على عقدها هنا وهناك منذ توليه منصبه الجديد. وذلك يوم الخميس 13 أكتوبر 2022 بمدينة سلا، حيث قال بأنه وحسب دراسة جديدة شملت ألف تلميذ وتلميذة في المستويات الثلاثة الثالثة والرابعة والخامسة من التعليم الابتدائي، هناك نسبة كبيرة منهم يفتقرون إلى القدرة على إجراء عملية حسابية بسيطة، مؤكدا على أن 13 في المائة فقط من المتعلمين في مستوى السنة الخامسة ابتدائي يجيدون القيام بإنجاز العمليات الحسابية في القسمة برقم واحد، وهو ما يعني أن 87 في المائة يعجزون عن ذلك.
وقد شدد سيادته في هذا الإطار على أن “تعميم التعليم الابتدائي يعد مكسبا هاما، لكن الأهم من ذلك هو ضمان الجودة ومحاربة الهدر المدرسي” ثم أضاف أنه وبناء على معطيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، فإن 30 في المائة من تلاميذ في مستوى السنة السادسة ابتدائي، هم فقط الذين يتقنون استيعاب البرنامج الدراسي…
فالمثير للاستغراب هنا، أن الوزير بنموسى وهو يردد مثل هذه الأرقام والإحصائيات على مسامع الحاضرين في لقاءاته أو أمام المشاهدين والمستمعين عبر قنوات التلفزيون والمحطات الإذاعية، لم يأت لنا باكتشاف جديد، فهو يعلم كما غيره من مدبري الشأن العام حتى قبل توليهم مناصب المسؤولية، أن المغاربة ضاقوا ذرعا بترديد تلك الأسطوانة المشروخة حول تدني مستوى تلاميذ المدرسة العمومية، ويعلمون جيد أن قطاع التعليم يعاني من عدة اختلالات بنيوية وهيكلية جراء سوء التدبير واستشراء الفساد، إذ أنه ومنذ فجر الاستقلال وهو يخضع للعديد من عمليات الإصلاح وإعادة الإصلاح والمخططات الاستعجالية التي كلفت ميزانية الدولة ملايير الدراهم من دون جدوى. ولا ينتظرون من يقوم بإعادة تشخيص حالة المنظومة التعليمية، بقدر ما يترقبون بلهفة من يأتيهم بالعلاج الناجع لمختلف عللها وحلول ملائمة لأبرز المشاكل التي تتخبط في أوحالها…
إذ أنه وبالرغم مما اعتمده المغرب خلال السنوات الأخيرة من إصلاحات متوالية من بينها تطوير البنى التحتية للمؤسسات التعليمية ومراجعة المناهج الدراسية وتوظيف أعداد كبيرة من المدرسين لسد الخصاص والحد من ظاهرة الاكتظاظ، فإن تقارير المنظمات الدولية والدراسات والأبحاث الرسمية بما فيها تلك التي سبق إعدادها من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الأعلى للتربية والتكوين ما انفكت تكشف عن معطيات صادمة ومقلقة، ليس فقط بخصوص الضعف الكبير لدي المتعلمين في إجراء العمليات الحسابية البسيطة، بل حتى في تعلم اللغات، إذ أظهرت بعض النتائج المحصل عليه في المدة الأخيرة استمرار تدني نسبة التحصيل بالنسبة لتلاميذ المرحلة الابتدائية في القطاع العمومي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تلك المرتبطة بمادة اللغة العربية (42 في المائة) ومادة اللغة الفرنسية (27 في المائة) ومادة الرياضيات (24في المائة). ناهيكم عن التعليم الإعدادي، الذي تشير بعض الإحصائيات المتوفرة إلى وجود 9 في المائة فقط من التلاميذ، الذين بمقدورهم فهم وإدراك مجمل دروس اللغة الفرنسية ومادة الرياضيات.
فالمغاربة اليوم أكثر حاجة إلى من يخرج نظامهم التعليمي من غرفة الإنعاش والانكباب على عملية العلاج بحس وطني صادق وروح المسؤولية، بدل الاستمرار في إضاعة الوقت في جرد الأعطاب والنقائص، ومحاولة تجاوزها باعتماد المسكنات غير المجدية، بعد أن أصبحوا على بينة من الأسباب الكامنة خلف هذا التردي الذي يعيش على إيقاعه ويحفظون عن ظهر القلب أهم مشاكله ومواطن الخلل، التي لم تجد نفعا في معالجتها جميع محطات الإصلاح وإعادة الإصلاح، منذ إنشاء اللجنة العليا لإصلاح التعليم سنة 1957 التي تبنت المبادئ الأربعة إلى غاية وضع الرؤية الاستراتيجية 2015/2030 وما استنزفته من ميزانيات ضخمة.
إنه لا سبيل اليوم أمام القائمين على الشأن التربوي للنهوض بمستوى تلاميذ المرحلة الابتدائية بوجه خاص، إلا بتوفر الإرادة السياسية والالتزام بما جاء في الرؤية الاستراتيجية، القانون الإطار لسنة 2018 والتقرير العام للجنة النموذج التنموي حول إصلاح التعليم، من خلال العمل الجاد والمسؤول على الاهتمام بأوضاع المدرسين، وجعل المدرسة العمومية ذات جودة وجاذبية حتى يمكن لها إعادة الثقة للأسر المغربية، والحرص على تجديد المناهج التعليمية بما يساهم في تنمية قدرة المتعلم على التفكير والنقد والابتكار، ولاسيما أن التعليم يعد لبنة أساسية في بناء الإنسان وتحقيق التنمية.