من زاوية أخرى.. نوايا مع وقف التنفيذ
عبد الصمد ادنيدن
في إطار الإصلاح الاقتصادي البنيوي والشامل، دافعت كل القوى الحية منذ أمد بعيد على ضرورة إلغاء الدعم في صيغته الحالية، الذي يخصص للسكن وغاز البوتان، خاصة في ظل ما يشوبهما من اختلالات ونواقص، من أبرزها هدر مبالغ طائلة مهمة على صناديق الدولة، واستفادة غير المعنيين المباشرين، وحرمان فئات اجتماعية على حساب أخرى هي في أمس الحاجة إليه.
لذا فإن ما يطرحه مشروع قانون المالية لسنة 2023، من مقترح تقديم دعم مباشر للأسر فيما يخص غاز البوتان والسكن، ليس بجديد، ولا يمكن إلا أن نشيد به في ظل أزمة اقتصادية خانقة، لكن في المقابل يطرح عدة تساؤلات وإشكالات، خاصة في سياق خاص يتسم بارتفاع الأسعار والغلاء المعيشي، وضعف القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع نسبة التضخم وضعف توقعات النمو.
إن مقترح تقديم الدعم المباشر لغاز البوتان “البوطة”، بشكل مباشر للأسر، يسائل الحكومة أساسا عن الإجراءات الحمائية لهذه الأسر المستفيدة، من الزيادات التي يمكن أن تطال المنتجات التي تقدمها أو تصنعها الجهات التي كانت سابقا تستفيد من الوضع “غير السليم”، من حيث إن قنينات الغاز كانت تستعمل بدرجة أولى في استخراج مياه الآبار وفي الضيعات الفلاحية وفي المؤسسات الصناعية والمخابز ومحلات الوجبات السريعة..، إذ سيؤدي المواطن ضريبة ذلك مباشرة، خاصة أن أغلب الشركات الرأسمالية الجشعة أبانت خلال الأزمات الأخيرة المتعاقبة عن لامبالاتها بالمواطن البسيط، فبمجرد ارتفاع أسعار المواد الأولية أو المحروقات، عملت على إقرار زيادات خيالية في منتجاتها كانت أغلبها غير معقولة وبعيدة عن المنطق، مما يبث اليوم الرعب في الأسر البسيطة من الإعلان عن زيادات أكثر حدة في منتجات المخابز والشركات الصناعية المستهلكة للغاز وأيضا المنتجات الفلاحية، بعد إلغاء الصيغة الحالية لدعم غاز البوتان، وكأن ما نمنحه للمواطن باليد اليمنى تأخذه هذه الشركات باليسرى.
نفس الأمر ينطبق على الدعم المباشر للسكن، فبقدر ما سيوسع من مجال استفادة الأسر المتوسطة، وإتاحة فرصة أكبر لاختيار السكن الذي يناسبهم، بعدما كان الوضع السابق يجبرهم على اختيار شقق بمساحة “علبة عود الثقاب”، لكن هذا الإجراء بدوره يسائل الحكومة عن الإجراءات التي ستحمي المواطن البسيط من لوبيات المنعشين العقاريين، خاصة أن هذه الخطوة ستقدم لهم المواطن على طبق من ذهب لينخروا جيبه بـ”النوار”، فلا الدولة استفادت ولا المواطن استشعر أثر هذا الإجراء.
إذ لا يخفى على حكومتنا الموقرة، أن اللجوء إلى ما يسمى تجاوزا “بالسكن الاقتصادي”، هو أساسا هروب من “النوار” الذي تفرضه أغلب لوبيات العقار، والذي يتراوح بين 50 ألف درهم و100 ألف درهم، في ظل غياب المراقبة.
إن روح هذه الإجراءات لا يختلف على إيجابيتها، وتعد شكلا من أشكال إعادة تصحيح وضع قائم كان يعطي دعما لغير مستحقيه، وبداية لإصلاح صندوق المقاصة في انتظار إلغائه بشكل نهائي وتوجيه الدعم بشكل صحيح وفق السجل الاجتماعي المتوقع إحداثه في السنوات القادمة أو خلال السنة القادمة على أقل تقدير ، ليكون قاعدة بيانات للدولة تمكنها من توزيع الدعم لمستحقيه، إلا أنها تبقى مصيرية، ولا يجب التعامل كباقي القرارات الارتجالية السابقة، التي رغم فعاليتها وإيجابياتها إلا أن سياقها يفقدها فحواها ويضربها في عمق الأهداف المتوخاة منها.
وحتى لا تكون لهذه الإجراءات نتائج عكسية، تخدم لوبيات الصناعة والعقار والاحتكار على حساب المواطن البسيط، يجب أساسا التفكير في النهج السليم لإقرار هذه الإجراءات، من جهة كيفية حماية الأسر البسيطة من اللوبيات الاقتصادية على شتى المجالات (ولم لا يتم مثلا إحداث رقم أخضر للتبليغ عن معاملات “النوار” كما هو الشأن في التبليغ عن الرشوة)، ومن جهة أخرى الصيغة السليمة لتحديد الفئات الأكثر هشاشة، وهي المسألة التي تطرح بدورها العديد من الإشكاليات والتساؤلات، وإلا سنكون أمام تكرار تجربة تحرير المحروقات، حيث ترك المواطن في مواجهة مباشرة مع لوبيات أثمنة المحروقات من جهة، وتحكم اللوبيات الصناعية الرأسمالية التي وجدت في ارتفاع أسعار المحروقات مبررا لإقرار زيادات خيالية في منتجاتها وتبرير ذلك بالسوق الدولية، الشيء الذي يدفع المواطن البسيط يوميا ثمنه.
إن الإجراءات المعلن عنها مشجعة شريطة إنزالها بشكل معقلن ومراقب، ثم الضرب بيد من حديد على كل من يتلاعب بأموال دافعي الضرائب ومهددي السلم الاجتماعي، غير ذلك ستكون هذه الإجراءات مجرد نوايا إيجابية معلنة، وكما يقال فالطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.
المصدر : عدد الإثنين 31 أكتوبر 2022 من جريدة بيان اليوم