ابن كيران وحلم العودة إلى الأضواء!
اسماعيل الحلوتي
منذ أن تم إعفاؤه من تشكيل حكومته الثانية جراء إخفاقه في مشاوراته مع أحزاب الائتلاف الحكومي المفترض، والأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق عبد الإله ابن كيران يبدو أكثر إصرارا على محاولة سرقة الأضواء وخلق الحدث من أي شيء مهما كان تافها، معتمدا في ذلك على معاكسة كل ما يخالفه الرأي وتوجيه الانتقادات لكل من اعتلى كرسي رئاسة الحكومة بعده، ومعارضة جميع الإجراءات والقرارات الحكومية حتى وإن كان بعضها يخدم مصلحة فئة من فئات المجتمع أو المصلحة العامة للوطن…
فابن كيران الذي يشهد الجميع بفشل حكومته لسوء التدبير وقراراته الجائرة وإجهازه على أهم المكتسبات الاجتماعية من تقاعد وإضراب ووظيفة عمومية، مما أدى إلى الهزيمة النكراء لحزبه بعد الولاية الثانية وتقهقره من الرتبة الأولى إلى الرتبة الثامنة ومن 125 مقعدا نيابيا إلى 13 فقط من بين 395 مقعدا في مجلس النواب، لم يستطع إخفاء حقده على الكثيرين في عدة مناسبات. ولعل أكثرها تلك التي قال فيها بأنه لم يندم على أي قرار من قراراته وأنه لو بقي رئيسا للحكومة لما قبل الزيادة في الأجور، مدعيا أن وضعية البلاد تتطلب إجراءات تقشفية وترشيد الميزانية، وذلك بمناسبة إقرار الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 10 في المائة على سنتين 2022 و2023، علما أنه يحصل على معاش استثنائي بقيمة 70 ألف درهم شهريا دون موجب حق، معتبرا أنه هبة ملكية.
وبدون العودة إلى سجله الحافل بالمهاترات، سنكتفي هنا بما أورده في معرض مداخلته خلال اللقاء الحزبي المنظم بمدينة فاس يوم الأحد 30 أكتوبر 2022، حيث قال عن الزيادة في أجور الأساتذة الجامعيين البالغة قيمتها 3000 درهم شهريا، التي وافقت عليها الحكومة رسميا يوم الخميس 20 أكتوبر 2022 إبان اجتماعها مع النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي، وتم توقيع بروتكول بينهما يهدف إلى الإصلاح الشامل لمنظومة قطاع التعليم العالي بالمغرب بأنه تعتبر مجرد “إرشاء للنخبة” وأنه كان على الحكومة البدء بأساتذة التعليم الابتدائي، ناسيا أن أجور هؤلاء الأساتذة لم تتغير على مدى ربع قرن من الزمن.
وهو ما أثار حفيظة الأساتذة الجامعيين الذين استنكروا بشدة هذا التحامل والكره المزمنين لدى الرجل تجاه نساء ورجال التعليم على اختلاف درجاتهم. أليس هو من سبق له أن أقسم خلال رئاسته الحكومة بألا يتراجع عن المرسومين المشؤومين القاضيين بفصل التكوين عن التوظيف وتقليص منحة الأساتذة المتدربين إلى النصف، حتى لو اقتضى الأمر سقوط الحكومة؟ فهو لا يدع فرصة تمر دون أن يحملهم مسؤولية تراجع مستوى المنظومة التعليمية في مختلف أسلاكها من التعليم الأساسي إلى التعليم العالي. ثم كيف لمن يتذرع بالظرفية الصعبة التي تمر منها البلاد، أن يستثني الأطباء الذين استفادوا بدورهم من الزيادة في أجورهم، وكذلك هو نفسه الذي يتقاضى ظلما وعدوانا سبعة ملايين سنتيم شهريا من أموال دافعي الضرائب، مقابل قضائه خمس سنوات فقط على رأس حكومة بئيسة وفاشلة؟
وقد سارعت النقابة الوطنية للتعليم العالي إلى الرد على تصريحاته الهوجاء، حيث انبرى له كاتبها العام بالانتقاد الحاد، متسائلا حول ما إذا كان الحوار الاجتماعي في هذا البلد يندرج ضمن الأفعال المجرمة التي يعاقب عليها القانون، مما يستدعي حرمان النقابات من أنشطتها ودورها الاجتماعي ومحاكمة الأساتذة الجامعيين بتهمة تلقي رشوة من الحكومة، معتبرا أن سنوات الرصاص لم تعرف اتهامات مثل هذه الاتهامات الرخيصة. فكيف يسمح لنفسه من كان بالأمس القريب رئيسا للحكومة بتوزيع هكذا اتهامات باطلة، ضاربا عرض الحائط بواجب التحفظ؟ وهل نسي أنه من حق الأساتذة الجامعيين القيام بمقاضاته من خلال نقابتهم؟
فابن كيران الذي يعتقد واهما بأن استيلاءه على الأمانة العامة للحزب سيمهد له طريق العودة إلى رئاسة الحكومة، ويستكثر تلك الزيادة على الأساتذة الجامعيين وربما حتى الأطباء بشكل خفي، نسي أن تلك الزيادة تمت في إطار تسوية وضعيتهم مراجعة تعويضاتهم، وأنه حتى النقابة التابعة لحزبه سبق لها التعبير عن أنها قليلة في حق الأساتذة الباحثين ولا ترقى إلى مستوى ما يبذله هؤلاء “الجنود” من جهود، فضلا عن أنه من شأنها المساهمة في استقطاب الكفاءات الوطنية إلى القطاع العام.
إن سعي ابن كيران إلى محاولة العودة إلى الأضواء بعد انطفاء نور “المصباح” في معركة الثامن شتنبر 2021، يؤكد مدى إيمانه بالمثل الشعبي: “خالف تعرف” الذي يضرب لمن يريد أن يميز نفسه عن الآخرين بمخالفتهم، ولنا خير مثال على ذلك في تصريحه بندمه عن عدم رفع الدعم عن قنينة الغاز “البوطا”، وانفراده بالدفاع عن قضية جامع المعتصم التي أثارت جدلا واسعا في صفوف قياديي الحزب، الذين يرفضون بشدة ازدواجية المواقف لدى المعتصم بسبب قيامه بمهمتين متناقضتين في المعارضة والأغلبية، باعتباره نائبا للأمين العام للحزب ومكلفا بمهمة في ديوان رئيس الحكومة عزيز أخنوش…
لكن هيهات أن يتأتى له ذلك في ظل ما خلفته فترة قيادته الحكومة من جروح عميقة، من خلال قرارته الجائرة والمتمثل بعضها في تحرير أسعار المحروقات وما ترتب عنه من غلاء فاحش، الإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية من تقاعد وإضراب ووظيفة عمومية وارتفاع المديونة إلى أعلى المستويات، وعدم إيلاء الاهتمام اللازم لمعالجة الملفات الكبرى مثل التعليم والصحة والقضاء والتشغيل…