هذه المبادرة المحمودة!
اسماعيل الحلوتي
مبادرة محمودة لا يمكن إلا التنويه بها والتصفيق بحرارة لمن ساهم في إطلاقها، فهي تظهر إلى أي حد أن بلادنا قادرة على خلق الحدث بغير كثير من الجهد، متى ما توفرت الإرادة السياسية ول في حدها الأدنى لدى مدبري الشأن العام وتضافرت جهود الجميع. ويتعلق الأمر هنا بما كشفت عنه وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، يوم الثلاثاء فاتح نونبر 2022 من تجربة جديدة، جديرة بالتقدير ومن شأنها الإسهام بفعالية في اقتصاد الطاقة الكهربائية إلى أزيد من 5 في المائة خلال شهري نونبر ودجنبر 2022 فقط، وهو ما يعادل الاستهلاك الشهري لمدينة بحجم طنجة.
وتهدف هذه المبادرة التي حدد موعد انطلاقها في فاتح نونبر 2022، إلى تشجيع المواطن على حسن استغلال الطاقة الكهربائية وبذل المزيد من الجهد في اتجاه التحكم الذاتي في قيمة فاتورة الاستهلاك الشهري، من خلال رصد مكافأة له ابتداء من سنة 2023، حيث أنه وفور نهاية السنة الجارية 2022، سيتم القيام بمقارنة حجم استهلاكه خلال شهري 11 و12 الميلاديين مع نفس الفترة من السنة الماضية 2021، للتأكد من مدى قدرته على تقليص حجم استهلاك الطاقة الكهربائية.
فلا أحد اليوم ينكر ما للطاقة الكهربائية من أهمية بالغة في حياتنا اليومية سواء فيما يرتبط بالإنارة أو تشغيل الأجهزة المنزلية ومصانع مختلف أنواع الإنتاج، حيث يشكل الكهرباء عاملا أساسيا في مختلف جوانب الحياة العامة في البيت والمدرسة والمصنع والمؤسسات العامة والخاصة والشارع وغيره، ولا يمكن البتة الاستغناء عته. ويعتمد في توليد الكهرباء على استخدام الفحم أو الغاز الطبيعي أو على مصادر المياه مثل الشلالات والسدود، بيد أنه بالرغم من أن الكهرباء يعتبر طاقة نظيفة ويحافظ على البيئة من التلوث، فإنه ليس طاقة متجددة.
ولا يعني اقتصاد الطاقة الكهربائية سوى ترشيد استهلاكها وحسن استثمارها والعوائد الناجمة عنها، حيث يشكل أهم الركائز الأساسية للاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة الأحفورية مثل النفط ومشتقاته التي تستخدم في محطات توليد الكهرباء، بما يساهم في الحفاظ على هذه المصادر للأجيال القادمة. ويشمل اقتصاد الطاقة جميع الوسائل والإجراءات الرامية إلى الرفع من مردود استخدام الطاقة وخفض نسبة الهدر إلى أضعف المستويات دون التأثير على معدل النمو الاقتصادي، بما يفيد استهلاك أقل مقدار من الطاقة من أجل إنتاج أكبر كمية من السلع أو الخدمات دون المساس بمواصفاتها، واستغلال الطاقة بشكل أفضل وبأقل كلفة. ومن جهة أخرى يهدف اقتصاد الطاقة إلى استخلاص أكبر قدر ممكن من الطاقة من مصادرها الأولية مع الالتزام بالحفاظ على البيئة وتقليل الإضرار بها إلى الحد الأدنى.
فالوزارة الوصية بادرت إلى خوض هذه المبادرة الطيبة التي تندرج في إطار دعم الحملة التحسيسية حول النجاعة الطاقية، بهدف رفع الوعي لدى المواطنين بأهمية ترشيد استخدام الكهرباء في البيت، من أجل تقليص الفاتورة الطاقية والمساهمة في المحافظة على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، مقابل استفادة أولئك الذين يستطيعون تحقيق اقتصاد في الطاقة الكهربائية مقارنة بذات الفترة من العام الماضي، من مكافأة تتوافق مع حجم الطاقة الذي تم توفيره. حيث سبق تنظيم الحملة التحسيسية في ظل الظرفية الاستثنائية وغير المسبوقة التي يمر منها المغرب إلى جانب بلدان العالم، بسبب ما عرفته الأسعار الطاقية من ارتفاع مهول، في ارتباط وثيق بالانتعاشة الاقتصادية لما بعد جائحة “كوفيد -19” والحرب الروسية/الأوكرانية…
وفي هذا السياق المتميز بندرة التساقطات المطرية والظرفية الاقتصادية الصعبة التي أعقبت الجائحة وغلاء أسعار المحروقات وباقي المواد الأساسية، سارعت وزارة الداخلية بدورها إلى توجيه دورية عاجلة إلى ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم والمقاطعات، تتضمن إجراءات مشددة من أجل ترشيد استعمال الطاقة الكهربائية، من خلال تقليص استعمال الإنارة العمومية إلى ما بين 20 و30 في المائة عما كانت عليه والحد من شدة إضاءة المصابيح، وتشغيل الإنارة جزئيا في المناطق السكنية ابتداء من الساعة الحادية عشرة ليلا، مع مراعاة عدم تأثير ذلك على السلامة والأمن العام، بالإضافة إلى تجنب استخدام أجهزة التكييف والتدفئة الكهربائية في البنايات العمومية عدا في الحالات القصوى، وتقليل الإنارة بمداخل المدن والشوارع الرئيسية والمحاور وغيرها كثير من الإجراءات الصارمة…
وتجدر الإشارة هنا إلى أن لترشيد استعمال الطاقة الكهربائية بشكل عام فوائد إيجابية على الأسر وما تتحمله من أعباء إضافية وكذلك على الدولة ومواردها، إذ أن هناك بعض الدراسات تؤكد على أن عدة دول عربية تمكنت منذ سنة 2012 من ترشيد الطاقة عبر مجموعة من المبادرات المماثلة، حيث خصصت جوائز مشجعة لفائدة أفضل منزل مرشد للطاقة، وهكذا حصل مواطنون عرب على مكافآت بناء على عدة أسس منها معالجة مياه الصرف الصحي واستغلالها في غسيل السيارات وخلافه…
إن ترتيب مكافأة رمزية مقابل الكمية المقتصدة من الطاقة من شأنه أن يخلق مناخا نظيفا من التنافس الشريف ليس فقط بين سكان العمارة الواحدة، بل حتى بين الأحياء والمدن. ولا ينبغي للمبادرة الحكومية أن تقتصر فقط على شهري نونبر ودجنبر بل أن تمتد إلى كل شهور السنة، على أن توضع لذلك برامج وحملات تواصلية واسعة تستهدف بالأساس المواطنين وأطفال المدارس وطلبة الجامعات، وذلك بهدف تشجيع السلوك المواطن وتكريس ثقافة الاستعمال الأمثل للطاقة وخاصة لدى أجيال المستقبل…