دروس التأهل و عبر التأهيل
جمال حدادي…
لأول وهلة تبدو الصورة عادية، لكن فيها رجلا هو اشهر الآن من أي شخص، مدرب انطلق من الصفر كعامل عادي إلى مروض اسود، في قفزة نوعية، شاب في مقتبل العمر، يتحدث لغة الفريق، يفكر بعقلية الفريق، و يفهم حديث الفريق، أنصت لنبض الشارع لما نادى بعودة كفاءات كانت مغيبة، قسرا من لدن مدرب اسم على مسمى، أدمج لاعبين في فريق خلق فيه الاكتمال و التكامل، احرز نصرا ثم اكده ثم زاده، في وتيرة تصاعدية، حاور الصحافة بكل اللغات، ثم مزج بين العمل و النية، بين النظري و التطبيقي.
ألا يصلح نموذجا يدرس لهؤلاء الذين هم على رأس العديد من المؤسسات؟ مدرب يتكلم بلغة النتائج، اين هي النتائج في هؤلاء الذين يشاهدون المباريات و يخرجون للاحتفال و يضعون صورهم و هم يضحكون ملء فيهم، بينما مؤسساتهم غارقة حتى عرنين أنوفهم، لا نتائج و لا تغير و لا تبدل في حالة كثير من القطاعات التي يشرفون عليها، لا تشخيص قبلي و لا بعدي، إقصاء للكفاءات، تهميش للراسمال البشري، ركوب لموجة العناد و العجرفة، تراسوا مؤسسات و لمدة سنوات و لا يعرفون عن مؤسساتهم شيئا، انصرمت الايام بين أيديهم و لم يفقهوا بعد اي سبيل يؤدي بهم لتنمية مؤسساتهم او قطاعاتهم، هم كطائرة، يقبعون في قمرتها، و جناح اليسار يجذف عكس جناح اليمين و الذيل لا دور له و لا اثر، لم يجلسوا جلسة الركراكي هذه يوما، لم يقبعوا يوما على الأرض، عساهم يفهموا ما يحدث، ينظرون إلى الواقع بنظارات غيرهم، متى يكون هذا النموذج ملهما للكثير من الناس اليوم، عوض هذه الصور التي تبحث عن ابيه او عمه او المقهى التي يحتسي فيها كاس شاي، او ها هو ابوه يشاهد المباراة هنا، او ها هي امه تعانقه هناك، نحتاج إلى التقرب من الركراكي اكثر، فلسفته في الحياة، دراسة مساره، التعرف إليه كقصة نجاح، و ليس هذه الفقاعات التي تتطاير عبر عناوين تبعث على التقيؤ و الغثيان، الركراكي يمازح لاعبين، الركراكي يقبل يد امه، الركراكي يهدي شخصا بطاقة دخول، ألا يضحك الركراكي؟ الا يبكي إن فرح؟ ألا يعبر عن حبه لامه بتقبيل يدها؟ ثم فقاعات من نوع آخر فلان و علان يشجعان بقوة منتخبنا، هل سيشجع منتخب البرازيل او تومبوكتو؟ طبعا فلان كيفما كان منصبه و رتبته سيشجع المغرب و فريقه لأنه مغربي و المغرب وطننا كالأم، الوطن الام، من كل تلاوينه و تواليفه، كلنا تحت رايتنا، تحت مظلة بلدنا، و ابرز دليل على نموذج الوطنية عنصر التقاسم، تقاسم الفرحة التي جعلت ملكنا يخرج و يشاكرنا الفرحة و يقاسمنا البهجة، بلد عربي، إفريقي، على رأس كل الدول العربية و الإفريقية، اليست هذه أم الأفراح و المسرات؟ أ لا يلهج الكثير في العالم باسم المغرب و انتصاره و إنجازه و تأهله؟
هذا الرجل الجالس هناك في الملعب و على كتفه مسؤولية جسيمة منذ أن تولى زمام قيادة الفريق الوطني، بكل واقعية و علم و خبرة، بينما يخرج علينا اصحاب التحلحيل، عبر تغريدات مجانبة للصواب، بونو يجب ان يدخل بونو يجب ان يخرج، التغيير في غير محله، ماذا ينتظر لإدخال فلان بدل علان، من كرسيه في المقهى، يدفع بعضهم الطاولة ببطنه التي خرجت و سبقته إلى المقهى من فرط حجمها، من الدخان المنبعث من سيجارته الممزوج دخانها بالقنب الهندي، من هاتفه الذي يساوي ثمن كتاب احيانا، و نقرات او خيط سماعات ينتقد و يتشدق و هو يتحدث ظانا انه رجل محنك في علم كرة القدم و ليس له من المحنك إلا انتفاخ حنكه من فرط غيابه عن ممارسة الرياضة.
هذا الرجل الجالس هناك، ما أحوجنا ليصير قدوة و تصير إنجازاته دروسا تدرس، و إذا كانت الناس تأخذ العبر من الخسارات و الانتكاسات، نأخذ نحن النصر من التأهل و الفوز على فرق ذات تاريخ عتيد في المونديالات، و نتنبه للمثبطين المنهزمين الذين لم يؤمنوا بالحلم و لم يصدقوا الحدس، و قبل نهاية الشوط الثاني بدؤوا بتدوينات خيبة الامل من قبيل:”حتى و إن خسرنا فقد فزنا بفريق” و ” ليتنا لم نصل إلى الثمن” و “كنتم رجالا اولاد الركراكي” هؤلاء يمكن ان يفشل و يفشل معه كل من يتبعه، اما الذين صبروا و آمنوا و أيقنوا، فاولئك من يحتاجهم هذا الركراكي و هذا الفريق و هذا الوطن.