امتحان الكفاءة المهنية لسنة 2022 بجماعة وجدة
أحمد الجبلي
سبق لي أن قمت بنشر مجموعة من المقالات في شأن امتحان الكفاءة المهنية في بعض المنابر الإعلامية المغربية، من هذه المقالات أذكر مقال: “امتحان الكفاءة المهنية بجماعة وجدة في الميزان”، وهو في جزئين، نشر الجزء الأول بتاريخ 30 دجنبر 2017، ونشر الجزء الثاني منه بتاريخ 22 أبريل 2018، ومقال: “امتحانات الكفاءة المهنية بالجماعة بين الإدارة الأم والخواص”، نشر بتاريخ 23 دجنبر 2019 ومقال: “امتحان الكفاءة المهنية أم امتحان الكرامة والرجولة”، نشر بتاريخ 15 نونبر 2019.
إن الاختلاف الموجود بين المقالات المذكورة أعلاه والمقال قيد الكتابة، هو أن المقالات السابقة قد كتبت بناء على ما وصلني من طرف الأصدقاء المتبارين، والأصدقاء من أعضاء اللجن، الذين سبق لهم الإشراف على وضع مخططات واستراتيجيات الامتحانات الماضية. أما هذا المقال فهو يتأسس على معاينة وحضور شخصي، لأنني، بكل بساطة، كنت أحد المتبارين والمعنيين بهذه الامتحانات بشكل مباشر، ومن رأى ليس كمن سمع، والحاضر أقوى حجة ومصداقية من الغائب، ولذا ما سأقوله يعد شهادة حية على الظروف والأجواء التي واكبت هذه الامتحانات منذ بدايتها إلى نهايتها. وسواء كنت من الناجحين أم من الراسبين، فما سأقوله لا يتغير لأنه حقيقة وواقع والواقع لا يرتفع.
بداية، سأتحدث عن المكان الذي تم اختياره ليكون فضاء خاصا لإجراء هذه الامتحانات، وهو مدرجات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الأول، إن اختيار هذا الفضاء كان موفقا إلى أبعد الحدود، لكونه أولا يختلف عن قاعات الدروس في الثانويات والمدارس المعروفة بتقارب مقاعدها، إذ المسافة التي كانت تبعد بين كل متبار وآخر كانت لا تقل عن خمسة أمتار، أي من المستحيل أن يقع اتصال بين المتبارين إلا إذا استعملوا هواتفهم النقالة لإجراء مكالمات فيما بينهم وهو أمر يستحيل حدوثه.
ثانياـ لكونه فضاء عبارة عن مدرج ممتد من الأسفل إلى الأعلى، أي إذا التفت أي متبار وراءه سيكون محطة أنظار الجميع، كما سيكون مضطرا للحديث مع زميله بصوت مرتفع مسموع بحكم البعد الموجود بينهما.
فضلا عن هذا، فإن المنظمين لهذه الامتحانات قد وضعوا استراتيجية محكمة حيث عمدوا إلى خلط المتبارين من مختلف الدرجات حتى يجد المتباري، بالقرب منه، متباريا آخر لا تربطه به أي علاقة ولا يشاركه نفس الموضوع مناط التباري والاختبار. وهو إجراء احترازي يدل على حرص لجن الامتحانات على أن تمر هذه الامتحانات بكل نزاهة وشفافية، مصحوبة بمراقبة شديدة تعطي كامل المصداقية لمثل هاته الامتحانات، وترفع من سقف المهنية في الإدارة العمومية التي يتم الصاق أي نقيصة مجتمعية بها لكونها حائطا قصيرا يمتطيه كل من هب وذب.
فضلا عن هذا، فإن المراقبين، هذه المرة، غرباء عن الجماعة ولا يعرفهم أحد، ينتشرون على جنبات المدرجات وفي وسطها، أعينهم تتحرك يمنة ويسرة، ترصد أي حركة غريبة أو غير طبيعية من أحد المتبارين، يتحركون بشكل سريع كلما رأوا أو أحسوا بأمر ما مريب. أخرجت هاتفي من جيبي لأراقب الساعة، ووضعته أمامي فوق الطاولة، وبسرعة البرق جاء مراقب وقام بإبعاد هاتفي عني خشية منه أن أقوم باستعماله لأغراض معلومة.
علمت فيما بعد أن هؤلاء المراقبين قد جاءوا من التكوين المهني ( بكسر الميم وتسكين الهاء) حتى يكونوا مراقبين محايدين لا تربطهم أي علاقة إدارية بالمتبارين.
بجانب هؤلاء المراقبين، كان أعضاء لجنة الامتحانات يزاولون نفس الدور، يقفون على مسافات مدروسة ويتموقعون في أماكن استراتيجية تخول لهم النظر (بعين النسر) لكل ما يقع داخل القاعة، كانوا حريصين كل الحرص على أن ينتشر الهدوء التام في القاعة، وأن يهتم كل متبار بشأنه ويلتفت لورقة امتحانه، لذا كانوا يتدخلون بسرعة كلما أثير ضجيج هنا أو هناك لإرجاع الأمور إلى نصابها وحتى يهتم كل متبار بشأنه وموضوعه، وهو السلوك الذي أغضب العديد من الموظفين، وقد سمعت بعضهم، بعد الخروج من القاعة، يرغد ويزبد احتجاجا على الصرامة في المراقبة وعدم السماح لأي كان بالالتفات أو الحديث مع زميله.
قبل توزيع أوراق الامتحان لتنطلق عملية التباري بشكل رسمي وفعلي، دخل علينا رئيس الجماعة، ثم المدير العام للمصالح رفقة رئيس قسم شؤون الموظفين مرفوقا بزمرة من موظفيه، بعضهم مكث في داخل المدرج يتابع عمليات التوجيه التي كان يقوم بها أعضاء لجنة الامتحانات، ولم ينسحبوا إلا بعدما شهدوا أعضاء لجنة الامتحانات والمراقبين وهم يقومون بعملية التحقق من هوية كل متباري وفق الدعوة التي يملكها، وبعد ما تم توزيع أوراق الامتحان وشرع المتبارون في الإجابة عن الأسئلة المطروحة أمامهم.
لقد كانت الأسئلة ذكية ومقصودة، فهمت منها أن لجنة الامتحانات تطارد الأشباح وتستهدف كل متخاذل كسول لا يقوم بواجبه الوطني والمهني بشكل جيد، فجميع الأسئلة تقود إلى الحديث عن الإنجازات الشخصية للموظف، والدراية بما يقوم به في وظيفته، ولذا لم تكن تلكم الأسئلة إلا في متناول الموظفين المتميزين المثابرين والحريصين على تقديم خدمات نوعية سواء لإدارتهم أو للمرتفقين.
إن الإجراءات والتدابير التي اتخذتها لجن الامتحانات في الاختبار الكتابي، لا تقل نوعية وتميزا عما فعلته في الاختبار الشفوي. ولأكون أكثر إنصافا، لابد من الإشادة بأخلاق أعضاء اللجن وتعاملهم مع إخوانهم الموظفين بكامل الاحترام والتقدير، إلى درجة أن أحدهم، قبل أن يغلق الباب، استأذن المتبارين واعتذر لهم وطلب منهم السماح في إغلاق الباب. كما أن اللجنة لم تفرض على المتبارين شكل إجراء التباري أو طريقة الدخول إلى الامتحان، بل طلبت من الموظفين الاختيار بين أن يقوموا هم أنفسهم بوضع لائحة ترتيبية للمتبارين، أو يتركوا الأمر للجنة لتقوم بذلك. وبكل أدب وثقة فوض الموظفون للجنة لتقوم بما تراه أنسب. فعمدت اللجنة إلى اعتماد نفس الترتيب السابق بناء على رقم الامتحان، وهو اختيار ذكي ولا يظلم به أحد.
إن حسن تواصل لجنة الامتحان، وحسن حديثهم ومعاملتهم مع المتبارين، أعطى المزيد من الثقة للمتبارين كما منحهم قوة واستعدادا، وأبعد عنهم كل ارتباك، وخفف عنهم كل ضغط.
أما طبيعة الأسئلة لتي تم اعتمادها لامتحان الموظفين شفويا فلم تخرج عما ذكر في الدعوة، أي دارت فقط حول المهام الموكولة لهم في مصالحهم ومرافق عملهم ولم تتجاوز الدرجة التي ينتمون إليها.
إنني، من خلال ما رأيت وعشت، طيلة فترة هذه الامتحانات، سواء منها الكتابية أو الشفوية، انتابني ندم شديد لكوني لم أكن أثق من قبل في مثل هذه الامتحانات، ولذلك أضعت من عمري الإداري سنتين عندما لم أقدم على اجتياز امتحان الكفاءة المهنية.