لماذا يرسب بعض الموظفين في امتحانات الكفاءة المهنية
أحمد الجبلي
بعد المقال الذي نشرته قبل يومين، في بعض المنابر الإعلامية الجهوية الغراء والمتميزة كوجدة سيتي وعشرين دقيقة، بعنوان: “امتحان الكفاءة المهنية لسنة 2022 بجماعة وجدة”، اتصل بي بعض الأصدقاء من مختلف الدرجات الإدارية لكي يعبروا لي عن امتعاضهم من النتائج التي تم الإعلان عنها، كما عبر بعضهم عن الظلم الذي لحق به لكونه كتب موضوعا جيدا ولم يحصل على نقطة تخول له الالتحاق بزمرة الناجحين، كما أن أحدهم طلب رأيي في أن يكتب رسالة تظلم يرفعها للإدارة المعنية مطالبا بإعادة تصحيح ورقة الامتحان.
على إثر النقاشات التي دارت بيني وبينهم، وبناء على ما سبق لي وقدمته من دورات تكوينية للموظفين في موضوع الامتحانات، خلصت إلى مجموعة أمور تجعل الموظف يرسب في الامتحان حتى ولو بدا له أنه قد أجاب عن الأسئلة المطروحة بشكل جيد.
وسأبدأ الحديث من تجربة صديق عزيز، جدي ومثابر وذي اطلاع على القوانين التي تؤطر العمل في الجماعات الترابية بمفهومها الواسع الذي ورد في دستور 2011 في الفصل 135.
اتصل بي هاتفيا وحدثني عن كونه كتب موضوعا جيدا وتنبأ بأن النقطة التي يتوقعها سوف لا تقل عن 18 على 20، وثقته هاته جاءت من كونه كان يملك معلومات كثيرة وقوية عن الموضوع، ولأنه برهن وقدم استشهادات عن كل كلام ضمنه في ورقة الامتحان. فطلبت منه أن يرسل لي الموضوع لأطلع عليه، وكذلك كان. ولكن فاجأته عندما عبرت له عن أسفي وأنه لن ينجح في الامتحان، في البداية لم يتقبل الأمر ورد بشيء من الغضب، وحاول الدفاع عن نفسه، ولكنه اقتنع تماما بفشله بعدما أوضحت له مكامن الخلل في الموضوع.
صديقي العزيز المجد والمثابر ظن أنه بتكديس المعلومات وملئ الورقة بكل ما جال في خاطره من قوانين واستشهادات سيجعل من موضوعه موضوعا فريدا يستحق عليه علامة مشرف جدا مع توصية بالطبع.
إن كون صديقي واسع الإطلاع ومدمنا على القراءة والمطالعة لم يشفع له في تدبير موضوع بشكل منهجي مقبول، فالموضوع يحتاج إلى حسن توظيف المعلومات كما يحتاج إلى نسق، ولن يتقبل أي مصحح أن يرى هيكل الموضوع مقلوبا وأن ما يقال في المقدمة يجده في الخاتمة وأن العرض خال من التحليل وأن ما طلب منك بعيد كل البعد عما كتبت، وكأنك كتبت أشياء لم تطلب منك، ولذا فللكلمات المفتاحية المتضمنة في السؤال أهمية خاصة وفهمها هو الموجه نحو حسن تدبير الجواب. فكلمات مثل ” حلل وناقش” تختلف اختلافا كبيرا عن ” اذكر أهم ما جاء في القانون الفلاني والمتعلق ب…”. فما يطلب منك يفرض عليه التقيد بفعل وذكر أشياء دون غيرها، فلا تعلل عندما لا يطلب منك التعليل ولا تعطي رأيك عندما لا يطلب منك ولا تحلل وتغوص في التحليل عندما لا تكون مطالبا به.
إن صديقي كان على يقين بأنه سينجح، وربما كان سيحتج في حالة لم يرد اسمه في لائحة الناجحين، ولكنه لو احتج وكشفت له ورقة امتحانه، حينها كان سيخجل ويندم. ولكنه في السنة الموالية استدرك أخطاءه وفاز بامتياز.
النموذج الثاني الذي سأذكره في نفس السياق، هو موظفة زميلة في العمل ظنت بأنها تستحق النجاح وأنها أجابت عن جميع الأسئلة لكونها كانت أسئلة سهلة وفي المتناول. فطلبت منها منحي ورقة الامتحان، فطرحت عليها بعض الأسئلة مثل: متى تم الإعلان عن وثيقة الاستقلال؟ فسكتت، فقلت لها: لجنة الامتحان سألتك فقط عن تاريخ الوثيقة ولم تسألك لا عن مضمونها ولا عن الشخصيات البارزة من أهل الفكر والعلم والسياسة الذين وقعوها ولا عن المرأة الوحيدة التي كانت ضمن الموقعين عليها. واسترسلت قائلا: بالله عليك “واش اللي ما يعرفش حتى وثيقة الاستقلال فقاش كانت باغي ينجح فالامتحان؟؟؟؟”
النموذج الثالث: هو صديق ظن أنه قد ظلم وأنه قد أجاب عن جميع الأسئلة، أخبرته أولا بأن الإجابة عن جميع الأسئلة ليست معيارا في التفوق والنجاح، لأن المعيار هو مدى صحة هذه الأجوبة، إن تشبته بأنه ظلم وثقته الزائدة في أن أجوبته كانت صحيحة دفع بي إلى الفضول، لذلك حاولت الاتصال ببعض الأصدقاء في لجن الامتحانات فعلمت من بعضهم أنه حصل على 11.5/20، ولكن رغم هذه النقطة التي لابأس بها ، أي رغم حصوله على المعدل، لم يكن لينجح لأن عدد أصحاب المعدلات الذين سبقوه كان أكبر مما تسمح به “كوطة الناجحين في السلم الإداري الذي يعنيه”، أي إذا كان عدد الذين حصلوا على النقطة المتراوحة بين 12 و16 مثلا هو أربعين وعدد الناجحين هو ثلاثون فحتما فالنجاح سيكون حليف الثلاثين حسب الترتيب نزولا من 16 إلى أدنى نقطة تكمل العدد الثلاثين وبالتالي فالمحدد الأساسي في النجاح هو العدد المطلوب، وبهذا يمكن حتى للذين حصلوا على نقطة 12 أو 12.5 أو أكثر أن يرسبوا في الامتحان على اعتبار أن الذين حصلوا على معدل 13 و 14 و15 و16 يتمون العدد المطلوب الذي هو ثلاثين حسب المثال المذكور.
لازلت أذكر أن في سنة 2018 نجح بعض المتبارين على السلم 11 بمعدل 9.5 وهو أمر عادي ومقبول وذلك لاستكمال العدد المطلوب من الناجحين، والأمر يرجع أحيانا لضعف مستوى المتبارين، كما قد يعود لصعوبة الأسئلة المطروحة، أو لعدم فهمها وفهم المطلوب في معالجتها، وأحيانا يعود الأمر لقلة المتبارين مما يوسع من دائرة الحظ لدى الجميع.
كما لا يمكن أن ننسى ما للنقطة الإدارية من أهمية خصوصا عندما يتساوى المتبارون، وأما عندما يلجأ إلى الاعتبار الأخلاقي ومراعاة القرب من التقاعد وإعطاء الأولوية إلى صاحب الظروف المعيشية الصعبة أو ذي العدد الكبير من الأولاد حتى ولو سلموا أوراق امتحاناتهم فارغة، هذه معايير يجب اجتنابها والتخلي عنها لكونها غير قانونية على الإطلاق، كما ستكون مظهرا من مظاهر الظلم والجور لكونها حتما على حساب موظفين آخرين كانوا يستحقون النجاح والفوز.