هل تتعدى أحلامنا ما تحقق كرويا في مونديال قطر…؟
بقلم: إدريس الواغيش
بعد تخطي المغرب دور المجموعات، وانتصاره على إسبانيا في الثمن ثم تخطي البرتغال في الربع، يكون قد سطر مسار تاريخيا جديدا. حيث يكون قد أسقط جدرانا وحصونا، وغيّر الكثير من الثوابت في عالم كرة القدم، والأكيد أن لها تبعاتها السياسية والاقتصادية والسياحية على الصعيد الدولي. وهنا قد نتساءل من باب الفضول: هل كان أحد من المغاربة يتنبأ بوصول المغرب إلى نصف نهاية كأس العالم؟ لا أعتقد أن أحدا فعل ذلك. والواقع أن ما حدث، هو حلم رجل مواطن آمن به حتى النخاع، اقتنع به وعمل على تحقيقه على أرض الواقع. وما حدث في ميادين قطر أكثر من ذلك، هو انعطاف تاريخي يجب استغلاله بما يلزم من حنكة سياسية.
كان كبار المحللين الرياضيين كانوا ينظرون إلى المغرب، قبل مونديال قطر، باعتباره واحدا من المستضعفين في الأرض كرويا، لا قِبَل له بمقارعة فرق لها ولدورياتها تاريخ عريق في كرة القدم العالمية. ولكن تغيّرت المعادلة مع رجل وطني غيور على وطنه اسمه وليد الركراكي، جاء إلينا من الغرب ولكنه يحمل معه في داخله جينات مغربية أصيلة بعقلية جديدة. وهو ما أعطى للمنتخب الوطني روحا جديدة، وأصبح قوة كروية معرف بها عالميا، يحسب لها ألف حساب. وبدأ المشوار بحُلم، وبتعامل وليد بشكل مختلف مع نجوم كتيبته، وخلق انسجاما بين اللاعبين من جهة، وبينهم وبين الجمهور الملخص لألوان بلاده من جهة أخرى. وتجلى سحر العقلية المغربية الجديدة، وهو يبعد ملامح الفساد والمفسدين من حساباته، حين كان يتم استدعاء لاعبين لا يحملون من الدولية إلا الاسم، ويتم استحضار آخرين لا جاهزية للبعض منهم في الدفاع عن ألوان البلد. فهل، بعد كل الذي رأيناه، سيختفي سرطان الفساد من حياتنا الثقافية والسياسية والاقتصادية؟ وهل ستتخطى أحلامنا كرة القدم؟
وبعيدا عن كرة القدم، نمتلك بدورنا كأمة مغربية وشعب عريق ما لغيرنا من أبطال، بإمكانهم تحقيق معجزات في مجال تخصصاتهم، كما يفعلون في بلدان أخرى حيث يقيمون، ولو أتيحت لهم الفرصة وأعطيت لهم الإمكانات، سيرفعون راية بلدهم بما يملكونه من علوم وكفاءات إلى مصاف الدول المتقدمة، ويربطون الماضي بالحاضر، ولكنه الفساد والزبونية والمحسوبية، عوامل حين تجتمع تقف عقبة أمام أي طموح من أجل تحقيق أحلام من نوع مختلف. وبالتالي يتأخر علينا أن نرى نهضة جديدة في مغرب مختلف مع أبطال آخرين في مجالات أخرى مختلفة، أتحدث هنا عن كتيبة أبطالها من المفكرين والعلماء والأطباء والمهندسين، بإمكانهم أن يرفعوا راية المغرب وإعلاء قيمته بين الأمم، ويضعونه بين مصاف الدول المتحضرة.
هل من حقنا أن نتجاوز أحلام قطر؟ نعم. ولكن هل لنا الحق في أن نقترب قليلا من أحلامنا على أرض الواقع، وبالمنطق الكروي لوليد الركراكي، كي تتحقق أحلام المهمشين والمستضعفين في البلد، حتى نعيش مغربا آخر أكثر حداثة وتقدما على أرض الواقع؟ وهل سيكون ما تحقق من أحلام الركراكي مع المنتخب الوطني المغربي، منطلقا جديدا نحو تحقيق أحلام أخرى في مجالات مختلفة مستقبلا؟ وهل نستخلص الدروس والعبر مما تحقق مع المدرب الركراكي في قطر مع المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم؟ أم أن الوصول إلى النصف نهائي في المونديال هو نهاية اللعبة، ولم يكن أكثر من مجرد سحابة صيف عابرة؟ وما تحقق لن يغدو أن يكون حلم رجل صاغه في رأسه لوحده مع رجال أشداء، آمنوا حتى الرمق الأخير بحلم مدرّبهم فوق رقعة المستطيل الأخضر، سينتهي مع نهاية المونديال العالمي، وبالتالي علينا العودة إلى الوطن، والتعوّد على ما اعتدنا أن نعيش عليه من أحلام، يرسمها لنا غيرنا معلبة ويضعون لها حدودا مرسومة لا يجب علينا تجازوها. وان ما هو مسموح به في كرة القدم بالمونديال، لا يجوز السماح به في مجالات أخرى، لأن هناك أفراد ولوبيات وعائلات متحكمة ومصالح في الداخل كما في الخارج تقف حواجز وموانع، واستراتيجيات دول عظمى تمنع تحقيق مثل هذه الأحلام، وبالتالي لن يكون بإمكاننا الحلم بأشياء أخرى خارج المستطيل الأخضر.
ولكن دعنا نقول إن ما تحقق من إنجاز كروي مبهر في قطر هو مشروع أمة ودولة، بدأ انطلاقا من مؤسسة محمد السادس لكرة القدم، وهي نفس الدولة القادرة على تحقيق هذه الأحلام في مجالات مختلفة، وأنه بإمكاننا انطلاقا من اليوم أن نبحر مع أحلامنا بكل حرية، بعيدا عن مونديال قطر ومخلفاته، وتحقيقها على الأراضي المغربية بما يناسب مصالح أمتنا وشعبنا بكل تنوعاته. وهذا ليس بالأمر المستحيل على أمة لها تاريخ عريق مثل الأمة المغربية، ولكن شريطة أن تتوفر الإرادة السياسية.