وهبي من أبناء حارتنا ،ولكن..
رمضان مصباح الادريسي
جاري يا جاري:
تجاورنا ،بعضا من الزمن ،قليلا،في حارة هيسبريس ،الصاخبة دوما ؛والتي عبَر منها عدد من كتاب الرأي ،وصناع القرار،الى مناصب هامة في هرم الدولة،سياسية بالخصوص.
غير موقن ان كان يقرأ لي و لغيري من الجيران الكتاب،بالقدر الذي كنت أواظب على خرجاته الحزبية ،كاتبا؛اعتبارا لكونه من صناع المخاض “السهل” ،والسريع ،في حزب الأصالة والمعاصرة ؛وصولا الى الأمانة العامة ،وتاجها شرف الاستقبال الملكي،ايذانا بفجر مشرق وواعد.
نعم هكذا بسرعة ،حاز الفضل ،ربما حتى قبل أن يشعر سابقه بنُذر السقطة .
وهو المحامي ،لم يكتب في قانون ولا في فقهه؛وانما أدمن الصراع الحزبي الصاخب ،حتى لا أقول النضال الذي يتأسس بتؤدة، مُزْنا ،ثم غيثا لايهلك نسلا ولا زرعا.
في الشكل ،كنت أجده صاحب ركاكة أسلوبية ،فأتهم أستاذيتي التي ترى في كل سطر تلميذا في حالة تلبس لغوي. هذا ديدني الى اليوم.
عدا هذا لا علم لي بمرافعاته الشفوية ،القانونية القضائية،والسياسية الحزبية ؛لبعدي عن الركحين.
وأصبح الجار وزيرا:
تم استبدال القطار السريع ،الذي أوصل الى محطة الأمانة العامة للحزب ،بِبُراق فائق السرعة ،كهدهد سليمان .
لم ينزل الرجل في محطة ،ويصعد درجا ؛بل انقذف مباشرة الى كرسي وزير العدل يعتليه ،ويحوز فضله السيادي ؛ويجاور ،هذه المرة، كبار فطاحلة القانون الذين عركوا الكرسي وعركهم.
لا أذكر أسماء هؤلاء الوزراء، حتى لا أنسى أحدا من الأحياء والأموات؛وهم على كل حال حديث الألسن ،المحتصة وغير المختصة؛خصوصا في المقارنات ،التي تتعدد أسباب نزولها.
عدا جوار الحارة الزرقاء ،لا معرفة شخصية لي بالأستاذ وهبي ؛ورغم هذا شعرت بنوع من الدفء ،وهو يكبر في عيني، وزيرا للعدل ؛الذي هو أساس الملك ،والملكية المواطِنة ،والدولة ككل.
كاتب هيسبريسي يعتلي كل هذه القمة الشامخة في هرم الدولة ؛فطوبى لك من حارة أنجبتْ للدولة بعضا من سادتها؛وطوبى لكل الجيران الكتاب – ومن رحل منهم – الذين ساهموا في انبناء هذا المنبر من خشب صلد زكي الرائحة، طيب المحتد.
ورغم هذا بقي من “حتى” شيء في نفسي ؛لأن قناعتي ألا تكون وزارة العدل الا سيادية،ترقى عن التدافع الحزبي ،ولو ايجابيا بناءا.
أما حينما يشتط هذا التدافع ، في اتجاه الاستقواء ،والاستعلاء ،وتحشيد التابع بشتى السبل الريعية النفعية ؛فيجب ألا يجد له حتى مجرد مرآب في وزارة العدل.
وكما أنَّ لا مُلك ساميا متعاليا ،حينما يخالطه التحزب والمحاباة ؛فلا عدل بوجود مظنة بعض الميل ،أو كله،لهذه الجهة أو تلك ؛لهذا المتقاضي أو ذاك؛لهذا المتباري أو ذاك..
ومن هنا قراءة السيادية على أنها تمنيع للعدالة ،وتنزيه لها عن الحزبية ؛باعتبارها
كخضراء الدِّمَن ِ(المرأة الحسناء) التي يخالطها السوء –وان حسُنت – من محيطها.
يا ليتك تعقل:
فتصدر عن رزانة ،وتحوط وأنت تتحدث في الشأن العام .
أما حينما يكون هذا الشأن العام من بنات العدالة ،وجاراتها ،وأخواتها ؛فيجب أن تتطهر كذلك ،لأن المقام رفيع وسام .
أنت على رأس أكثر الوزارات نطقا – في الأحكام- بمسمى “صاحب الجلالة” ،على مدار اليوم ،وفي كل صروح العدالة بالوطن؛فكيف تستسهل الكلام ،وتنثره نثرا غريبا لفظه ،متنافرةً معانيه؟
كيف تصدر عنك عبارات أقرب ما تكون الى السوقية –لاأذكرها هنا احتراما للقارئ- وأنت في رحاب الملكية ،وبيضة الملك التي تحيط بها مهج المواطنين .
ان العدل أساس الملك ؛فهل لك فهم آخر ؛أم تراني مبالغا يا جاري ؟
الأعرابي بالباب:
كانت هذه العبارة تحسم الكثير من جدل النحاة ؛حينما كانت اللغة تتأسس هويةً وأمةً،والفصاحة تاجا ،والثرثرة والفهاهة عيبا .
وقد حسمت المباراة – سيئة الذكر،كريهة الرائحة – في أمر العدالة حينما تتأسس على الحزبية .
الحزبية موقعة في الزلل التدبيري – العدالي – مهما صفت نية الوزير ،ومهما كان “ركراكي ” الهوى والمنزع.
انها تحشيدية ،حجر أسود تُقبله الشفاه دوما ،وتلمسه الأيادي.
انها موئل الاخوانيات ،وكل ذي باع في الريع والتسلق.
كيف لك أن تعدل ،وتجعل يدك اليمنى تقطع اليسرى ،ان اقتضى الحال؟
كيف تتحرى النزاهة والموضوعية ،وأنت ترى فلذات كبدك وخاصتك ،وأبناء السادة الأعيان ،وعصافير الثروات –وحتى أطرك- تدحرجهم أقدام عشرات الآلاف من المتبارين؟
كانت السقطة مجلجلة،ولجان الامتحان تُغيث – فقط – من توفر أكثر من دليل للطعن في فوزه.
هكذا فسدت اللائحة كلها ،وان ضمت أكفاء ،نجاحهم صادق.
الثراء جنسية أخرى في المغرب:
هكذا يشعر المواطنون اليوم ،بعد زلة لسانك ،أو تبجحك .
تتحقق المواطنة بالميلاد ،والنجاح والترقي بالثروة.
ألم تبرر نجاح ابنك بخيولك المطهمة، التي رحَّلته الى كندا واجازاتها؟
أليس في هذا نيل من مصداقية التعليم المغربي ،وخصوصا الجامعي ؛حيث يحتشد فقراء الطلبة؟ وماذا عن اجازتك التي بوأتك حتى الوزارة؛وليس أي وزارة؟
أن يصدر كل هذا القهر ،وغيره ،عن وزير للعدل،وينام قرير العين ؛فلا شك في وجود خلل ما .
هاقد توفرت شروط قوية لاحالة كل مستندات المبارة على العدالة ؛لكن أي عدالة ؟
الحزبية ،أم السيادية؟ “فيك الخصام وأنت الخصم والحكم”؛أيها الوزير.