المسؤول الحكومي والافتقار إلى روح الابتكار!
الحلوتي اسماعيل
مشكلتنا الكبرى في هذا البلد الحبيب أننا لم نستطع إلى الآن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ولا حسن اختيار من يمثلونا في المؤسسات الوطنية والمجالس المنتخبة. وهو ما يجعل عددا ممن أوكلت إليهم مسؤولية تدبير الشأن العام، ينشغلون بمصالحهم الذاتية ومصالح أبنائهم وأقاربهم على حساب المصلحة العليا للوطن وأبناء الشعب، ويقفون عاجزين عن ابتكار الحلول المناسبة للمشاكل المطروحة ومعالجة الملفات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي، من قبيل غلاء الأسعار، تفشي الفساد، ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والهدر المدرسي وغيره، وأدى إلى ارتفاع منسوب الاحتقان وتصاعد الاحتجاجات في الشارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي، المنددة بفشل سياسات الحكومات المتعاقبة…
ولعل حديثنا هنا عن ضرورة إسناد المسؤولية لمن تتوفر فيهم معايير الاستحقاق والكفاءة والنزاهة لم يأت عبثا، بل جاء نتيجة ما بتنا نعيش على إيقاعه من اختلالات وانزلاقات خطيرة في مختلف القطاعات، أمام سوء التدبير وتخبط الحكومة في تدبير الأزمات وارتجال في اتخاذ القرارات المصيرية. إذ كيف لمن يفتقر إلى روح المبادرة والابتكار أن يكون قادرا على النهوض بالمسؤولية المنوطة به؟ فالحكومة لا يمكن لها أن تنجح في أدائها، دون أن يمتلك أعضاؤها القدرة على الابتكار، الذي من شأنه أن يساعدهم في الرفع من مردوديتهم والاستجابة لانتظارات المواطنين. حيث أنه لم يعد الابتكار مجرد خيار فقط، بل أضحى ضرورة ملحة لكل مسؤول حكومي وغيره.
ولنأخذ مثلا ما أثارته الخرجات الإعلامية لعبد اللطيف وهبي وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة من سجال وردود فعل غاضبة، على خلفية نتائج مباراة منح الأهلية لولوج مهنة المحاماة، لما طالها من شبهات وخروقات وانتقادات واسعة. إذ عوض أن يعمل على استدراك الوضع المحتقن وإخماد نيران الغضب الشعبي المتأجج، أبى إلا أن ينهج سياسة التصعيد ومحاولة تكميم الأفواه، فجاءت تصريحاته مستفزة لمشاعر المواطنين، ولاسيما بعد أن عزا نجاح ابنه في ذات المباراة إلى غنى والده وحصوله على إجازتين من كندا، وحاول تبرير الأزمة القائمة بكون المشكل يكمن في كليات الحقوق ببلادنا، التي أصبحت غير قادرة على التكوين الجيد وإنتاج النخب الحقوقية ذات الكفاءة العالية.
فالمثير للاستغراب أن قائد “التراكتور” الذي يتبجح بغناه أمام الملأ وعلى رؤوس الأشهاد بتدريس ابنه في “مونتريال”، وينتقص من مكانة كلية الحقوق التي تعاني من بعض المشاكل شأنها شأن عديد المؤسسات الجامعية في مختلف التخصصات، في ظل غياب الإرادة السياسية لابتكار الحلول الملائمة والنهوض بأوضاعها، نسي أنها هي ذات “كلية الحقوق” التي درس فيها وتخرج منها على يد أساتذتها المرموقين، قبل أن تمهد له السبيل في فتح مكتب للمحاماة وتسلق الدرجات حتى بلوغ منصب “حارس الأختام بالمملكة المغربية”، كما هو الحال بالنسبة للكثير من المغاربة الذين انخرطوا في تسيير الشأن العام بسائر القطاعات العمومية، منهم وزراء وسفراء وقضاة وأساتذة جامعيون ومستشارون ووكلاء الملك ومحامون وعمداء شرطة وغيرهم داخل الوطن وخارجه.
ولأن وهبي واحدا من الذين ينطبق عليهم قوله عليه الصلاة والسلام “إذا أسند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة” مثله مثل عديد الأشخاص الذين أفرغوا السياسة من عمقها النبيل وحولوها إلى مجرد مطية لبلوغ أهدافهم، كما يؤكد ذلك تهافتهم المتواصل على المناصب والمكاسب، يعانون من ضيق الأفق، فقد وجد نفسه في قلب العاصفة مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الامتحان الكتابي لمهنة المحاماة، لا يعرف أين المفر؟ مما جعل بعض ذوي النوايا الحسنة يتقدمون ببعض الاقتراحات، التي من شأنها إنهاء الجدل القائم حول المحاباة والمحسوبية وعدم الشفافية، والمساهمة في إعادة الأمل إلى آلاف طلبة الحقوق العاطلين عن العمل، ومنها الإلغاء النهائي لمباراة منح الأهلية لولوج مهنة المحاماة.
ويتجلى هذا الاقتراح في قطع الطريق على المفسدين في تسريب الامتحانات، التلاعب بالنتائج واستغلال النفوذ، من خلال فسح المجال أمام مجموع الراغبين في الانتساب لمهنة المحاماة دون تنظيم أي مباراة على غرار خريجي كليات الطب والصيدلة، مادام الأداء في المجال هو من سيحدد كفاءة الأشخاص ومدى قدرتهم على تحقيق النجاح في مهامهم، وأن المرضى والمتقاضين هم وحدهم من لهم الحق في اختيار من يعالجهم أو يرافع عنهم في مختلف العيادات والمستشفيات أو أمام المحاكم. وهناك أيضا من يقترح أن تفتح كلية الحقوق سلكا خاصا بتكوين المحامين في وجه الحاصلين على شهادة البكالوريا، وأن تضع لذلك شروطا معقولة ومقبولة و”كفي الله المؤمنين القتال”.
هي اقتراحات ضمن أخرى تؤكد أن بلدنا يزخر بعديد الطاقات البشرية القادرة على الخلق والابتكار وإنتاج الأفكار سواء داخل الهيئات السياسية أو خارجها، وأنه يكفي حسن استثمارها وفسح المجال أمامها للتعبير وإبداء الرأي. فطالما شدد الملك محمد السادس على مسؤولية الحكومة في تنفيذ القوانين دون تمييز بين الأشخاص، ونبه المواطنين في أكثر من مناسبة إلى التصويت خلال الاستحقاقات الانتخابية لصالح المرشح المتوفر على شروط الكفاءة والنزاهة والمصداقية، الأجدر بالدفاع عن قضاياهم والحريص على خدمة الصالح العام، وليس لمن يطلق الكلام على عواهنه، أو يرفع صوته أكثر من غيره بشعارات فارغة ووعود كاذبة.