الدّعوة إلى الانفصال في الشّان بالجزائر، هل هي نقطة اللاعودة…؟
بقلم: إدريس الواغيش
مانديلا “الحفيد”، لم يأخذ الكلمة في افتتاح الشّان بصفته فنانا شهيرا أو رياضيا عظيما، ولكن بحكم أنه مرتزق جاء من دولة جنوب إفريقيا مهرولا يسعى، وهو يحمل على كتفيه عباءة مطرزة بزخارف إفريقية، كي يطلق عبارات “حي على القتال” في الصحراء المغربية، وأيضا “حي على الانفصال” من أجل فصل الجنوب المغربي عن شماله، وكأن الجنرالات يقولون بصريح العبارة أنها نقطة اللاعودة مع الجار الغربي. كل هذه المهازل حصلت في حفل افتتاح “الشّان” من قلب الجزائر العاصمة. وما يؤسف له هو أن هذا المرتزق لطخ تاريخ جده نيلسون، الذي نحبه ونحترمه كمغاربة، بالخزي والعار، وما تناساه الجزائريون أن “الشان” محفل رياضي خاص بكرة القدم، مفروض فيه أن يقتصر على الرياضة ولا علاقة له بالسياسة، ولكن منظمو الشّان اختلط عليهم الأمر. وكان لهم رأي آخر…!!
الظاهر أنهم ارتأوا، بعد تفكير عميق، أن “ملح الافتتاح” لن يكون سوى عبارات شتم وقذف في حق شعب جار لهم، وعربي، أمازيغي مسلم مثلهم هو المغرب. قد لا يصدق الكثيرون أنني لم أعر أي اهتمام لما سمعته من عبارات الإساءة لي، أقصد لنا ولبلدنا المغرب، وقد سمعتها بطبلتي أذني من أفواه بعض الجزائريين المنتقين بعناية من قبل عساكر الجنرالات (حتى لا نعمم). والظاهر أن هذه الشعارات كانت مبرمجة ومُعدة سلفا، رددها الجمهور الجزائري بلسان واحد في غباء بمدرجات ملعب مانديلا في بطولة “الشّان” التي لم يعد لها “شان”، وكلمة “الشّان”، لو يعلم الجزائريون، معناها هو القيمة والهمة أو عظمة الشأن في مفهومنا الجمعي بالدارج المغربي، وهو ما غاب عن هذه البطولة في غياب المنتخب المغربي، بصفته بطلا وحاملا لها في نسختيها الأخيرتين على التوالي.
لا يختلف عاقلان على أنه كان كلاما جارحا وقاسيا، والأقسى منه، كونه صادر من أفواه جيران أشقاء يقاسموننا التاريخ والدين واللغة بعربيتها وأمازيغيتها، التاريخ والجغرافيا، ويدّعون “خاوة، خاوة” في ظاهر أمرهم وعكسها في باطنهم. وعدم اكتراثي لمثل هكذا كلام جارح جاء خارج كل السياقات المحتملة والممكنة، ليس لأنه لم يجرحني، وإنما لأنه صدر عن كائنات بشرية مريضة بمرض عضال اسمه المغرب، وتحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى علاج نفسي وتقويم سيكولوجي، ولذلك يبقى مديحهم كما تجريحهم، سيّان عندي، ولا قيمة له، ولكن كل ذلك، لا يمنع من أن نطلب لهم الشفاء العاجل منا ومن بلدنا…!!
هم عبّروا عن معدنهم وقيَمهم، واستقبلوا “حفيد” مانديلا المرتزق ليخطب فيهم “هيّا نقاتل، هيّا ننفصل…” في محفل رياضي مفروض فيه أن ينأى بنفسه عن السياسة. ولكن الجزائريون أرادوا من خلاله تمرير خطاب كراهية وعداء واضحين اتجاه المغرب، حتى لا نقول خطاب عنصري. وما غاظهم أكثر، هو أننا عبرنا لهم ولغيرهم في أكثر من مناسبة عما في داخلنا، كانت آخرها في مونديال قطر 2022، حين أظهرنا للعالم أجمع عن طريق الرياضة القيم الساكنة فينا وعن أصالة معدننا، وهي قيم إنسانية تجمعنا بهم كما بغيرهم، قيم المحبة، السلام، التسامح والأخوة… إلخ، وذلك من منطلق رياضي محض، بعيدا من مكر السياسة ودهاليزها، لأن لكل مجال أرضيته ورجالاته ومناسباته، وبالتالي كل واحد منا مرّر الخطاب الذي يتقنه، وفي اللحظة التي يرتضيها لنفسه. وقد اختار الجزائريون الوقت الخطأ الذي لا يناسبهم في وجود شهود عليهم من عيار ثقيل، كان من ضمنهم المشاهدون وعلى رأسهم رئيسا الكاف والفيفا، عبّروا بعفوية وأمام الملأ عن قيمهم ومعدنهم الحقيقي.
المغرب غير مشارك في بطولة الشّان، لأسباب نعرفها، وقد نختلف في شأنها، ولم يكن في مواجهة مع فريقهم، ولا نحن ربحناهم بحصة ثقيلة أصابتهم في نخوتهم وكبريائهم، حتى يسمعوننا كلاما مثل الذي سمعناه، ولكن لا عجب، الباطني فيهم انعكس دون إرادة على ظاهرهم، من خلال سلوك خارجي عدواني.
ما حدث، في نظري، له تفسير واحد، شحن إعلامي يومي مارسته الطغمة العسكرية الحاكمة على الشعب والشباب تحديدا، تبدأه آلتهم الإعلامية في الصباح ولا تنهيه إلا في آخر الليل. ودافع جنرالات الجزائر له ما يكفي من مبررات وأسباب نعرفها. ويمكن تلخيص آخرها في نجاحات المغرب وانتصاراته السياسية في المحافل الدولية وفي مجالات الصناعة والسياحة والاقتصاد، كما في التفوق العسكري على رمال وسماء الصحراء المغربية.
وما زاد من كراهيتهم لنا أكثر، هذا الإبهار الأخير الذي حققه المنتخب المغربي في كأس العالم بقطر، مقابل فشلهم الذريع في كل ما ذكرناه سابقا، ولذلك يحاولوا يائسين أن ينسبوا لأنفسهم كل أصيل وجميل فينا ولدينا: الزليج، القفطان، الطاجين، حتى صومعة الكتبية بمراكش لم تسلم من أذاهم، وتمنوا لو أنها كانت فوق أراضيهم. جبال الأطلس وأسدها لم يسلم بدوره من مسخهم، ونسبوه إلى جبالهم ضدا في التاريخ والجغرافيا ومفهوم الأركيولوجيا ومنطق طبيعة الأشياء. قلدوا المغرب في كل شيء، بما في ذلك حفل افتتاح بطولة إفريقيا للاعبين المحليين(الشأن)، ونقلوه حرفيا عن افتتاح كأس أمم إفريقيا للسيدات في الرباط. ختاما، الله يخفف ما نزل بإخواننا الهوكاويين… والسلام.