عجبا لمن يتباكون على وضع اللسان الأمازيغي في منظومتنا التربوية وهم السبب في ذلك
محمد شركي
كما كان متوقعا صمت دهرا ونطق كفرا متزعم دعاة تعميم الأمازيغية في المنظومة التربوية المغربية المدعو عصيد، علما بأنه درج على الذهاب بعيدا في تعصبه العرقي واللغوي إلى حد الإزمان والإدمان ، وهو في ذلك حديث كل لسان ، وشهرته عند الرأي العام الوطني كشهرة الأعرابي المتبول في بئر زمزم في موسم الحج ليشتهر بين الحجيج ، كما أنه يجاهر بالعداء للسان العربي ، وللدين الإسلامي ، وتكفي العودة إلى ما كتبه ،وما نطق به مصورا للتأكد من موقفه المتشنج منهما ، وهو الذي لا تفوته فرصة دون أن يستغلها لإعادة كلامه المكرر، والممجوج عنهما .
أما صمته دهرا لأنه لم ينشر على الموقع الذي دأب على نشر مقالاته منذ مدة ، وأما نطقه كفرا ، فهو ما جاء في مقاله الأخير تحت عنوان : ” ما لم يقله وزير التربية ” ، انتقد فيه هذا الوزير الذي صرح بأن تدريس ثلاثة حروف للتلميذ المغربي يعد من الصعوبات التي تؤثر على تمكن التلاميذ المغاربة من تعلم اللغات، وأن هذا الأمر يحتاج إلى إجراء بحوث .
و قد جاء نقد عصيد للوزير في شكل أسئلة كالآتي :
ـ كيف يجزم الوزير برأي، ويحكم على تجربة ، ويدعو في نفس الوقت إلى إجراء بحوث في ذلك ؟
ـ هل يعلم الوزير أن هناك تقريران أنجزا في الموضوع لم يطلع عليهما .
ـ لماذا لم يطلع على نتائج دراسة أجريت على 48 دولة حول معرفة اللغة العربية، وكانت النتيجة أن التلاميذ احتلوا الرتبة الأخيرة ؟
ـ لماذا لم يطلع على اختبار دولي أجري لمعرفة مدى اتقان الأساتذة المواد التي يدرسونها ، وكانت النتائج كارثية بالنسبة لبلادنا ؟
وبعد طرح عصيد هذه الأسئلة، كشف عمّا يريده من ورائها هو ضرورة توفير مناخ ملائم للتعلمات ، مع توفير أساتذة أكفاء دون إعاقة أي حرف، أوأية لغة من اللغات المعتمدة في التعليم مدعيا أن صعوبة تعلم الحرف الأمازيغي هي كصعوبة تعلم كل المواد الدراسية عندنا. و يضيف بأن اللغة الأمازيغية هي لغة رسمية ، ولغة مؤسسات يجب تعميمها في كل القطاعات ، وهي بعد عشرين سنة من ترسيمها لا تتعدى نسبة من يتعلمونها من التلاميذ تسعة في المئة ، كما يضيف بأن مشكلة الأمازيغية في المغرب مشكلة عقليات جامدة لا تريد أن تتغير لتواكب قرارات الدولة والتزماتها الديمقراطية . ويرى أن إلقاء عبء فشل المنظومة التربوية على آخر من التحق من اللغات مع أنها الأولى تاريخيا في المغرب أسلوب لا يبشر بخير ، لهذا أمر الوزير بتطبيق البرنامج الحكومي لأنه أمامه ثلاث سنوات فقط ليثبت أنه عند وعده . وطالب بعد ذلك بزيادة عدد تكوين أساتذة الأمازيغية من 400 سنويا إلى 2000 مع إدانته مديريات التعليم لفرضها على أساتذة اللغة الأمازيغية تدريس الفرنسية والعربية لسد الخصاص في هاتين الأخيرتين ، وهذا بالنسبة إليه عبث بهم فضلا عما يتعرضون له من تصرفات كما لو أنهم يعاقبون على اختصاصهم .
والملاحظ أن الأسئلة التي طرحها عصيد على الوزير يريد من ورائها أن يشعر الرأي العام الوطني بأنه أعلم منه بوضعية المنظومة التربوية في بلادنا ومن ثم فهو أولى منه بمنصبه ،وأكثر من ذلك قد نبهه إلى ما بقي له من مدة زمنية في وزارته كـأنه يهدده بصرفه عنها لأنه لم يحقق ما أيريد منه بخصوص تدريس اللغة الأمازيغية .
و إذا عدنا إلى ما قاله الوزير من صعوبة تلقين التلميذ المغربي ثلاثة أحرف أمر لا يتناطح فيه كبشان كما يقال ، وهو قول كل المغاربة باستثناء الفرقة العصيدية لأن طبيعة رسم هذه الحروف مختلفة ، فالخط عربي يسرم من يمين إلى شمال ، والخط الفرنسي والانجليزي من الشمال إلى اليمين ، وخط تيفيناغ يحاكهما في اتجاههما ،و ذلك بقرار ممن اخترعوه ليكون مخالفا لوجهة الخط العربي عن عمد وقصد وسبق إصرار مع أن أمما أخرى غير عربية اعتمدت الخط العربي دون عقدة ، نذكر منها إيران، وباكستان ، وأفغانستان … وغيرها من البلاد الإفريقية باستثناء تركيا التي كانت بغتها ترسم بالخط العربي لقرون حتى جاء الحكم الديكتاتوري العلماني فهجر الخط العربي إلى الخط اللاتيني . ولا تعاني اللغات غير العربية المرسومة بالخط العربي مما يشكو منه عصيد وقبيله ، وهنا نتعجب من هذا القبيل المتعصب الذي هو سبب مشكلة الأمازيغية ، وفي نفس الوقت يتباكى على وضعها في منظومتنا التربوية ، فلو أنه غيّر من عقليته المتعصبة والمتشنجة كما طالب عصيد في مقاله غير بذلك ، واعتمد الخط العربي لتدريس الأمازيغية كما فعلت أمم أخرى ،لكان وضعها في المنظومة التربوية اليوم غير وضعها الحالي.
ولما كان هدف هذا القبيل المتعصب هو محاربة اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم والإسلام ، وهو قبيل علماني، و يسمي الفتح الإسلامي لبلاد المغرب غزوا عربيا ، ويريد له هوية أمازيغية فقط لا تنازعها هوية أخرى ، وهذا منتهى التطرف في العصبية القبلية ، فإنه اختار المسار الأصعب للأمازيغية حين اخترع لها محاكاة الخط البونيقي سماه تيفيناغ بشهادة أهل العلم من الأمازيغ الذين لم ينجروا وراء التعصب الأعمي ، والعداء والحقد الأسود للغة الرسالة الخاتمة للعالمين . ويكفي أن نشير إلى ما جاء في مقال عصيد من أن الدراسات ـ ولا ندري مدى حقيقتها أومصداقيتها ـ كشفت عن تخلف التلاميذ في تعلم اللغة العربية في 48 دولة، علما بأن الدول العربية لا يتعدى عددها 25 دولة ، وأن رتبة التخلف هي الأخيرة على حد زعمه ، ولا يستغرب منه ذلك وهو صاحب حساسية مفرطة تجاه العربية ، لا تفوته فرصة تسنح له دون أن ينال منها كذبا وافتراء عليها وبهتانا.
وعصيد وقبيله يريدون فرض اللغة الأمازيغية على غيرهم ممن لا يتحدثها من خلال ركوب قضية ترسيمها ، ويطالبون بتعميمها في كل القطاعات مع جهل نسبة كبيرة من المغاربة بخطها غير المألوف عندهم ، ونتحدى هذا القبيل أن يثبت أن لنا أن المتعلمين الأمازيغ ـ حتى لا نقول الأميين منهم ـ يستطيعون فك رموز التيفناغ ، و بالمناسبة لقد أخبرني أحد المسؤولين الفضلاء في قطاع من القطاعات الحكومية، وهو أمازيغي أبا عن جد أنه تحدى إحدى العاملات معه في القطاع كانت من المتعصبين للأمازيغية أن تقرأ له عبارة مرسومة بالتفيناغ وكانت معلقة على واجهة القطاع ، ونقلها على ورقة حرفيا ، وزعم لها أنه لم يعرف معناها، فعجزت عن فك رموزها مع أنها معلقة على واجهة قطاع تعمل به ، وكفى بهذه الشهادة دليلا على أن مشكلة الأمازيغية هي رسمها الذي يتعصب له قبيل عصيد ، ولهذا أنصحه ألا يبحث عن حل هذه المشكلة برفع عدد من يدرسونها من 400 إلى 2000 سنويا ، أو بليّ أذرع أولياء المتعلمين بفرضها على أبنائهم قهرا باسم الدستور، وباسم الترسيم ،وباسم الديمقراطية ، وباسم الحداثة والعلمانية ، ويكفيه أن يهبط من برجه العاجي وهو برج تعصب أعمى ،فيقبل برسم الأمازيغية بالخط العربي كما فعل علماء الأمازيغ الكبار أمثال المختار السوسي رحمه الله تعالى، وغيره من العلماء الأجلاء لتصير هي الأخرى لغة التدريس بكل سهولة ويسر ومرونة إلى جانب شقيقتها اللغة العربية التي تعاني من مزاحمة لغة المحتل لها بعد مرور ما يزيد عن سبعة عقود من الاستقلال، علما بأن اللغة التي تكون حمالة علوم ومعارف، هي التي تفوق غيرها طلبا لها عند المتعلمين ، لهذا على قبيل عصيد أن يكون لهم علماء وخبراء مبدعون في مختلف العلوم والمعارف ينقلونها للمتعلمين بالتيفناغ أو بغيرها من الرسوم ليكونوا لهم تبعا في تعلمها.
وأخيرا نقول ما لم يغير قبيل عصيد من ذهنياتهم المتشنجة ، فلن يبارح وضع الأمازيغية مكانه في منظومتنا التربوية ، وفي مختلف القطاعات، علما بأن من يرسمونها بالخط العربي ينقلون عبرها شتى المعارف الإسلامية ، وهو ما يعني أن غير هذه المعارف على اختلافها قابلة لأن تنقل عبرها إذا تم الإخاء بينها وبين رسم شقيقتها العربية عوض الإصرار على التعصب لرسم التيفناغ والجمود عليه.