على هامش تصريحات السيد معالي الوزير
الحبيب عكي
تصريح.. بيان.. كلمة.. حوار ولقاء.. مقابلة صحفية.. جواب برلماني.. مذكرة.. دورية.. تغريدة.. تدوينة.. شهادة.. مراسلة.. أمر يومي.. مرسوم قانون.. ربورطاج.. تقرير تركيبي ومجالي..، ما المقصود بكل هذه الترسانة التواصلية؟، ولماذا يلجأ إليها بعض المسؤولين دون البعض الآخر أو أكثر منهم؟، كيف يمكن لكل هذه الترسانة أن تكون منظومة إعلامية متكاملة لصالح المسؤول ومهامه لا ضدا عليهما؟، كيف للتصريحات والبيانات والحوارات واللقاءات والملتقيات ألا ينسي بعضها البعض، وتكون مجرد الظهور من أجل الظهور والعبور من أجل العبور والعقد من أجل العقد، لا أحد يلتفت إليها أو يهتم بها، فبالأحرى أن يستمد منها المعنيون بالأمر ما يهمهم ويدخل في دوائر اختصاصهم، وعلى رأس أولئك المستمدون المعنيون جهات الإصدار المصرحة صاحبة التصريح والبيان ذاتها؟.
تلك حكاية السيد معالي وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة السيد شكيب بنموسى، الذي صرح غير ما مرة بتصريحات غاية في الأهمية والخطورة في نفس الوقت، وهو على كل حال يشكر عليها وعلى جرأتها.. دقتها وتوقيتها، وعلى ما تحمله من رسائل واضحة، كان من الممكن أن تكون منطلق خطط استراتيجية وبرامج إصلاحية ستساهم ولا شك بشكل ملموس في النهوض بقطاع التعليم الحيوي وتجاوز بعض رداءته المزمنة ومعضلاته المتفاقمة، خاصة كلما أخذت بعين الاعتبار ما يلزمها من أقوال ومقترحات الأطراف الأخرى من الممارسين والمستهدفين وغيرهم من الخبراء والشركاء والفاعلين، وهو ما لا يقع لحد الآن أو على الأقل بالشكل المطلوب مما يجعل الكثير من التصريحات الومضة المضيئة مجرد تصريحات يمحو بعضها البعض؟.
يمحو بعضها البعض وبالتالي لا تقدم من الحلول شيئا، إن لم تكن في حد ذاتها إشكالات مقلقة، ولنوضح الأمر بثلاثة أو أربعة من هذه التصريحات المهمة وهي كالتالي:
1 التصريح الأول يقول فيه السيد الوزير: “77% من تلاميذ الابتدائي لا يتقنون الكفايات المستهدفة في المرحلة”، وهي القراءة والكتابة والحساب والتعبير كما هو معروف، تصريح للسيد وزير التربية الوطنية تناقلته المواقع الإلكترونية والقنوات الإعلامية والتقارير الصحفية، وكانت تقول به قبله التقارير الموازية قبل الرسمية، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والنموذج التنموي الجديد.. ولكن ماذا بعد؟، لا شيء؟. من غير دعم بعض التعليم الأولي في بعض المناطق لا زالت منظومة التعليم الابتدائي هي نفسها بكل ثقلها وتعقيداتها التي بلغت حد العجز والعقم أحيانا، وعلى مرأى ومسمع كل مرامي قانون الإطار والتدابير الأولية للإصلاح التي لا زالت ببطئها وارتجالها وتعقيدات تنزيلها تجعل من المرحلة الإعدادية – على حد قول أحد الظرفاء – وكأنها مرحلة “محو الأمية”، ومن المرحلة الابتدائية وكأنها مجرد “سنوات الضياع”؟.
2- التصريح الثاني حسب نفس المصادر في معناه: “كل نساء ورجال التعليم سيجمعهم نظام أساسي واحد، هو المرجع لكل ما لهم وما عليهم كموظفي وزارة التربية الوطنية منذ التحاقهم بها إلى إحالتهم على التقاعد”. ودون السؤال مثلا عن كل هذا الحيف الذي طال ولايزال الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد أو أطر الأكاديميات كما يسمونهم، لثماني سنوات وهذه الفئة العريضة والحديثة تشهد هضم الحقوق وهدر الزمن المدرسي وتحطيم النفسيات.. إضرابات واقتطاعات ومحاكمات.. ليرد لهم الآن كل شيء ناضلوا عليه إلا الإدماج الذي كان أساس المشكل، وحسب المراقبين والمعنيين المتضررين لم يتحدث عنه اتفاق 14 يناير 2023 بوضوح ومراسيم قوانين ومناصب مالية وتعويضات..؟. ثم أيضا، لماذا تحقق اليوم مطلب إحداث الدرجة الممتازة لفائدة أساتذة الابتدائي والإعدادي وقد كان طوال تاريخ الوزارة من سابع المستحيلات وأصبح اليوم ممكنا حسب نفس الاتفاق، وهذا قرار جيد على كل حال إذا صح مضمونه والتزم بتفعيله، ولو لم يكن مصيره مصير وعود زيادة 2500 درهم وبعض ما قبلها، فبأي عدل وبأي إنصاف وجيوش من الأساتذة المعنيين قد هضموه أزيد من عقد وعقدين من الزمن، وجيوش منهم قد تقاعدوا مكرهين أو قضوا وفي أنفسهم غصة لا تغتفر من حقهم المسلوب استضعافا وظلما.. قهرا وارتجالا؟.
3- التصريح الثالث: ” أن الإصلاح رغم كل ما كان يصرف عليه من ميزانيات.. فإنه لم يدخل الفصول الدراسية بعد ولم يلامس واقع التلميذ ومعيقات تمدرسه”. وهذا اعتراف بفشل الإصلاحات السابقة أو على الأصح نسبية وهامشية إنجازها الإصلاحي، لكن، هل ستحيد إصلاحات العهد الجديد عن ذلك حتى تجنب نفسها نفس مصير من سبقتها من أخواتها ” لا إصلاحات حققت و لا ميزانيات أبقت.. ولا تدريس تلاميذ رقت ولا أساتذة ريحت”؟، أعتقد أنها يمكنها أن تجنب نفسها ذلك أولا، بالجرأة في القرار وهو لازم، ثم بصحة التشخيص وليس بإعادته كما تذهب إلى ذلك المشاورات الأخيرة من أجل إصلاح المدرسة المغربية؟، وفوق ذلك وبالأخص عدم مقايضة الإصلاحات بالتكلفة المادية، ترشيدها نعم.. صرفها في الأوجه الصحيحة نعم، الشفافية والمحاسبة والحكامة نعم، ولكن تقتيرها بدعوى التقشف أمر لم يجر على المنظومة غير الكوارث وتفاقم المعضلات، أساتذة التعاقد.. تراكم الترقيات.. مؤسسات غير معيارية.. فضاءات هشة.. مختبرات شبه فارغة.. خصاص في النقل المدرسي.. في الإقامات المدرسية.. وكل ذلك يضرب في الثقة والمردودية والجودة، وقد أنفقت عليه “تركيا” مثلا، بعد إصلاح الإنسان، ميزانية تضاعفت 720 %؟.
4- التصريح الرابع: “إن تعليم الطفل/التلميذ بالحرف العربي والحرف الفرنسي والحرف الأمازيغي في نفس الوقت أمر صعب”، خاصة في المرحلة الابتدائية التي يبدأ فيها كل أطفال العالم تعليمهم بلغتهم القومية وفي أبعد الحدود تكون لغة الأم المنزلية وسيطا لغويا لتسهيل بعض التعلمات لا غير. فما دخل الفرنسية في فرض تطفلها وتشويشها على اكتساب الصلابة والمتانة اللغوية والمعرفية والقيمية للطفل/التلميذ المغربي؟. ومتى ستمتلك الوزارة جرأة القرار واستقلاله في مسألة حيوية ومصيرية كهذه، لغة التدريس وتدريس اللغات؟. متى ستحسم الوزارة في رد الأمور إلى نصابها، على الأقل كما يتحدث بها قانون الإطار 17.51 دون تحامل ولا تأويل.. التدريس بالعربية والمناولة اللغوية.. يعني تدريس كل المواد بالعربية.. مع إمكانية تدريس بعض المجزوءات في المواد العلمية بلغة أخرى غير العربية وقد لا تكون حتى الفرنسية، فلماذا حشرها في كل شيء دون موجب وجاهة ولا استحقاق لساني أو علمي؟.
وختاما، جميلة هي التصريحات من السادة المسؤولين خاصة تلك التي تكون مواكبة.. رصينة.. عميقة.. موجهة ومؤشرة.. لأنها دليل على اليقظة والحضور والمواكبة.. التفاعل والتواصل والإعلام..، ولكن الأجمل منها أن تلازمها مراسيم قوانين وتشريعات ميدانية تترجم الأفكار الإبداعية إلى مشاريع عمل ميدانية، وطبعا تتولى ذلك الجهات المسؤولة عن التشريع الحكومي والقطاعي، ولا يعفى المسؤولون الوزاريون وأطقمهم التدبيرية في تحريك ذلك والمساهمة فيه بأي حال من الأحوال، حتى يعطوا لتصريحاتهم مصداقية ولكلماتهم مسؤولية.. يراها الناس تترجم على أرض الواقع حلولا تدبيرية وتراكمات مردودية وطفرات تنموية حقيقية، تخدم بشكل إيجابي على الدوام، كل من التلميذ والأستاذ والأسرة والمجال وتساهم بشكل ملموس في كسب رهانات وتحديات وانتظارات الإنسان والعمران عبر الوطن والأمة ككل؟.